مستشارية العشائر , مغلّفات واشياء اخرى

mainThumb

17-02-2014 09:55 AM

لم يعد الحديث عما يجري داخل اسوار الديوان الملكي من المحرمات الوطنية ربما بسبب هامش الحرية التي يمارسها الشعب منذ العقد الاخير وبشكل غير مسبوق وربما بسبب السياسات الخاطئة لبعض مؤسسات الدولة حين جعلت من سكوت الاردنيين عليها بمثابة التحدي الواضح للثوابت الوطنية وركائز المجتمع الاردني التي انطلقت منها فكرة الدولة وبنت عليها تاريخها السياسي ,  ففي الديوان الملكي تحديداً وجدت دوائر تضطلع بالمسؤوليات المختلفة كانت مستشارية شؤون العشائر احداها لغايات تنظيم العلاقة بين العشائر ووجهاء المخيمات وبين الدولة , ورجوعاً الى ما قبل تاريخ تأسيس المملكة كنظرة تاريخية كان للعشائر الاردنية الدور الابرز في مقاومة النفوذ التركي الظالم باحداث ( هيّة الكرك ) التي سبقت الثورة العربية الكبرى في اعلان حالة التمرد على سياسات الظلم والجباية التركية في اواخر عهد الدولة العثمانية والدور البارز لعشائر الكرك ايضاً في حماية الدخيل قاسم الاحمد من ( نابلس ) حين اعلن تمرده الواضح والشجاع على سياسات ابراهيم باشا ولجأ الى الكرك كحاضنة سياسية للثوار دفعت على أثرها ارواح نخبة من خيرة ابناءها الذين جسدوا حالة الاخوة والتوأمة مع عائلات فلسطين عملاً لا قولاً كما لعبت العشائر الاردنية دوراً أصيلاً في العقد الاجتماعي مع الملك المؤسس تزامناً مع تاريخ تأسيس المملكة الاردنية الهاشمية وكان من ابرز التحديات بعدها تصدي عشائر بني صخر وبدو الوسط للهجمة الوهابية الاولى والثانية على عمان في عشرينيات القرن الفائت فهذا الوطن لم ترسم حدوده بالرفاه والترف كما يحلو للبعض تأوييل تاريخه الطويل وانما خط ابناؤه حدوده بالدم والقلق والمكابدة .

برأيي الشخصي , لا تتعارض منظومة العشائر مع دولة القانون والنظام الديموقراطي حيث ان العشيرة بمفهومها الاجتماعي تشكل نظام تكافلي يجمع بينها رابط الدم والنسب تُبنى على قيم انسانية راقية وشيم رفيعة وممارسات اجتماعية موروثة لها جذور في تاريخنا العربي والاسلامي تُشكّل في مجملها ركن ثابت ومنيع من اركان الوطن نتميز بها كطابع شرقي مثلما تتميز اية دولة في العالم في اجتماعياتها حيث ان اللحاق بركب الدولة المدنية لا يعني بالضرورة ان نتخلى عن هويتنا وتاريخنا بهدف تقليد الطراز الغربي الذي لم تتخلى دوله أصلاً عن طابعها الاجتماعي في وجه الديموقراطية وسيادة القانون , وعلى سبيل المثال لا ننسى دور عشائر ( العزيزات ) المسيحية في دعم جيش الفتوحات الاسلامي قديماً مثلما لا ننسى دور ابناء العشائر الاردنية المقاتلين على اسوار القدس الشريف وفي باب الواد واللطرون نصرةً للقضايا العربية واعترافاً منها بأخوة الدم والمصير المشترك بينها وبين الفلسطينيين فقدمت دماءها وفلذات اكبادها وما تزال مستعدة لذلك لتضرب أروع الامثلة العملية في عدم اعتراف العشيرة الاردنية  لمبدأ المناطقية التي يصر الكثيرون لوضعها او ربما حشرها فيه واعترافاً منها بدور العشيرة القومي والاصيل في بناء الوطن والدفاع عن قضاياه الداخلية والخارجية وبناء مؤسساته وحفظ الاستقرار وبذلك حافظت العشيرة على وضعها المجتمعي كأحدى ابرز مؤسسات المجتمع المدني على الرغم من بعض السلبيات المرفوضة والاشكاليات التي لا يقاس عليها حين استخدمها البعض كمدعاة للفزعة في وجه سيادة القانون وحماية بعض الفاسدين او ربما حصروها كورقة ضغط للواسطة وتجاوز الحقوق وغيرها من ممارسات فردية اعتورت صورتها كحالة طبيعية لصنيع البشر والكمال لله وحده .

جاءت فكرة انشاء مستشارية العشائر في الديوان الملكي لغايات تنظيمية تعترف بمكون العشائر الاصيل في بناء الدولة بفكرة من الملك الحسين عليه رحمة الله الا انه جرى تحييدها عن الطريق السليم والفكرة الاساسية من انشاءها فقد ساهمت مستشارية العشائر في تفريخ قيادات عشائرية جديدة لا تحظى بالقبول المجتمعي مما شكل أهانة مقصودة للوجهاء الاصليين لاغلب عشائر الاردن وبذلك لعبت مستشارية العشائر دوراً لا يستهان به في تفتيت العشائر واضعافها , فاغلب الشيوخ ( الجدد ) وجدوا في تنامي ظاهرة المغلفات والاعطيات التي تنتهجها مستشارية العشائر فرصةً سانحة لتعظيم مبدأ الثراء على حساب ابناء العشيرة ودورهم في رعاية شؤونهم كما وجدت ذات المستشارية وبشكل خاطيْ ان سياسة صنع الشيوخ والمتشيخين الجدد بمجرد تجميعهم لعدد محدود من دفاتر العائلة كفيلة في اضعاف دور العشائر لصالح كلمة الدولة فجرى بذلك التنكر الواضح لدور العشيرة الاصيل في مسيرة الوطن السياسية وتاريخه عند الازمات واستخدام العشائر على مبدأ ( الفروة ) التي تمنح الدفْء لمرتديها عند الحاجة ويرميها ارضاً لعدم الحاجة اليها في ساعات اليسر او ربما تجييشها في حالات ضيقة للفزعة لبعض الفاسدين وفي الانتخابات البرلمانية وبالتعاون مع شيوخ الديوان الجدد مما قّدم العشائر بشكل سلبي كحاضنة للتهويش والفزعة وحماية الخارجين عن القانون .

لم يفلح جمهور الشيوخ الجدد في فرض كلمتهم على ابناء عائلاتهم في حالات بسيطة استدعت تدخلهم كأغلاق الطرقات او وقف الاعتداءات على املاك الدولة او وقف المسيرات والاحتجاجات الشعبية في بعض التجمعات والاحياء المحسوبة على منطقة محددة وبايعاز من المستشارية لشيوخها الجدد وذلك بسبب عدم اعتراف ابناء العائلات وجمهور الشباب بالتحديد بشيوخ المستشارية واعتبارهم ممثلين عليهم لا ممثلين لهم فكانت احدى اهم الاخفاقات الواضحة في سياسة مستشارية العشائر في الشأن الداخلي على الرغم من حجم الاموال العامة المصروفة بالمغلفات والاعطيات والوظائف لتسهيل مهمتها بخصوص هذه الحالة , وهذا يعطينا مؤشرات واضحة على اختلال عمل المستشارية واضرارها باحدى ركائز المجتمع الاردني وحاجتها الماسة لاعادة تقييم لطبيعة عملها وتغيير سياساتها في الداخل بعدما كثر شاكوها وقّل شاكروها .

Majali78@hotmail.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد