الروس خبراء في الكوارث النووية !

mainThumb

12-05-2014 09:01 AM

إذا اقتصرنا الكوارث النووية على المفاعلات النووية التقليدية التي يتم توليد الكهرباء منها في العالم، بمعنى أن نهمل الحديث عن مفاعلات الغواصات النووية مثلاً، ففي عام 1957، حدثت تسربات إشعاعية من مفاعل جبال الأورال في روسيا، نتيجة حدوث تآكل في جدران مستودعات النفايات النووية ذات المستوى العالي من الإشعاع.

قبل تشرنوبل بنحو ثلاثين سنة وبتاريخ 29 أيلول من عام 1957 على وجه التحديد ضربت كارثة نووية الاتحاد السوفياتي عند جبال الاورال الجنوبية التي تفصلها عن أوروبا، في موقع اسمه كيشتيم Kyshtym حيث انتشرت العناصر المشعة وغطت مساحات شاسعة من سطح الأرض.

بدأت المشكلة عندما تعطلت أنظمة التبريد عن برك المياه العميقة حيث احتفظت المنشأة النووية فيها بالوقود المستنفذ. وكانت النتيجة تبخر الماء من البرك وارتفاع درجة حرارة نحو 80 طناً من النفايات النووية الأمر الذي أدى إلى انفجارها، حيث وصلت الأغبرة المصاحبة للانفجار إلى ارتفاع ألف متر في الجو وانتشرت الغيمة المحملة بالعناصر المشعة على طول 300 كيلومتر وبعرض نحو 30 – 50 كيلومتراً. وما لبثت أن بدأت تترسب هذه الأغبرة من العناصر المشعة فغدت المنطقة القريبة من موقع الانفجار الأكثر تضرراً حيث انتشرت 90% من المواد المشعة حول منطقة الانفجار وامتدت إلى بعد نحو 5 كيلومترات، أما الباقي فانتشر على مساحات واسعة بعيدة عن موقع الانفجار.

بعد الكارثة تم ترحيل 10700 شخص في دائرة نصف قطرها 5 كيلومترات، وهجرت المنطقة كلها حتى عام 1961 ولغاية أن أخذت الكثير من العناصر المشعة تفقد نشاطها الاشعاعي فسمحت الحكومة عند ذلك بالدخول إلى تلك المنطقة والشروع في إعادة تأهيلها، باستثناء المنطقة المحيطة بالمفاعل بمساحة 80 كيلومتر مربع والتي ما زالت لغاية اليوم منطقة منكوبة لايمكن الدخول إليها.

لاحظت المؤسسات العلمية في الاتحاد السوفياتي السابق نفوق الكثير من الحيوانات التي كانت تقطن في تلك المنطقة، وما زالت النباتات والتربة والمياه والغذاء ملوثة لغاية يومنا هذا. ومما يجدر ذكره أنه خلال الأربع سنوات الأولى بعد الكارثة قضي على الغطاء النباتي كله بالاشعاعات وجف كل شيء في المناطق التي زادت فيها شدة الإشعاعات عن 18 MBq/m2؛ أما الأشجار فذبلت أوراقها وتغيرت فيها أمور كثيرة حتى خصائصها الحيوية وتركيبتها الجينية.

وبعد انقضاء ثماني سنوات على الحادثة كان الحليب الذي تنتجه المزارع هناك ما يزال ملوثاً في تلك المنطقة على نحو يمنع استخداماته للغذاء الحيواني أو البشري؛ فيما تم تدمير وحرق مواد غذائية بلغ وزنها أكثر من عشرة آلاف طن خلال عامين فقط بعد الحادثة، كما تم طمر الأراضي الزراعية بطبقة جديدة من التربة أحضرت من مناطق بعيدة سماكتها نصف متر على الأقل لمنع وصول جذور المحصولات الحقلية إلى التربة المشعة.

قام الاتحاد السوفياتي بعد الكارثة بإعادة تأهيل مساحة 6000 هيكتار من الأراضي الزراعية خلال السنوات الأولى بعد الحادثة ولكن عشرة أمثال تلك المساحة في الأراضي الزراعية تم هجرها في تلك المنطقة فضلاً عن 59000 هيكتار في أراضي قريبة من موقع الكارثة مثل Chelyabinsk. ولم يسمح لتلك الأراضي بالعودة إلى الإنتاج الزراعي إلا بعد عام 1990 بعد اشتراط الحراثة العميقة لخلط التربة العميقة بالتربة السطحية وإضافة سماد من نوع جديد لامتصاص الاشعاعات وإضافة مواد كالكالسيوم وما إلى ذلك.

لقد استفاد العالم من تلك الكارثة بوضع خطط للطوارئ وإبداع طرق جديدة لمعالجة التلوث وإعادة تأهيل المناطق المنكوبة، ولكن هل بالإمكان إعادة تأهيل عشرات الآلاف الذين تركوا منازلهم وورشهم ومدارسهم ومزارعهم وكل شيء؟ هل يستحق الأمر كل هذه المجازفات؟ مقابل ماذا؟

طبعاً في ذلك الزمن كان الاتحاد السوفياتي ينتج البلوتونيوم من النفايات النووية لتزويد رؤوس قنابله النووية ولذلك كان الروس يعتقدون أن الكوارث ثمنا لا بد منه للدفاع عن ارث الاتحاد السوفياتي الأيديولوجي والمادي؛ أما اليوم وفي ظل المراقبة الدولية الحثيثة لكل صغيرة وكبيرة في العالم، وفي ظل انخفاض أسعار إنتاج الطاقة من مصادر أخرى نظيفة ومستدامة، فقد أصبح المشروع النووي مجرد وهم وطموح لا يسقط في مثالبه إلا من عجز عن تحقيق أي إنجاز ملموس في حياته؛ إنه سلم مصنوع من الكرتون قد يبدو سهل التسلق، ولكن لا يمكن تسلقه بسلام وأمان إلا في المخيلة والأحلام!



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد