البومة

mainThumb

29-06-2014 11:11 PM

في كتابه الخرافات، اورد الكاتب والفيلسوف الروسي (ليو تولستوي) قصة رمزية طريفة مفادها أن خلدين كانا يمشيان في الغابة فصاحت بهما البومة: قفا مكانكما؟ فتعجبا وقالا: انه لأمر عجيب ان يرانا أحد في الظلام. فصاحت البومة ثانية: أنتما الاثنان. وهنا ولى الخلدان هربا إلى حيوانات الغابة ليقولا: إن البومة سيدة الحكمة، لأنها ترى في الليل. ثم إن طيرا أراد التأكد فذهب وأخفى مخالبه وقال لها: كم مخلبا لي؟  قالت البومة: اثنان. فرجع الطير إلى حيوانات الغابة فقال لا شك أن البومة (ألهة) فهي ترى في الليل. قال الاسد للطير: هل ترى البومة في النهار مثلما ترى في الليل؟ نظر إليه الطير وقال أيها الصفيق يامن تعارض القطيع، وهل هذا يحتاج إلى سؤال؟ فاتفقت حيوانات الغابة على اخراج هذا الأسد وطردته وأشياعه من المشاغبين وارتاحوا من المعارضة.


    وتوجه وفد القطيع إلى البومة فطلب منها أن تكون ملكة الغابة بدلا من الأسد. فلما وصلت الحيوانات كان النهار في اشد توهجه، فبدأت البومة تمشي ببطء فمنحها ذلك وقارا أكثر. فصاحت حيوانات وطيور الغابة: أيتها البومة انت الإله. بالروح بالدم نفديك أيتها الزعيمة القائدة العظيمة الملهمة. ثم سارت الجموع خلف البومة التي كانت تترنح وتصطدم بأشياء كثيرة فكانت الجماهير تكرر نفس الخطأ وتهتف بحياة القائدة المهيبة وهي البومة.


 وبينما كان الموكب يمشي في طريق عريض جاء صقر يحذر من قدوم شاحنة في الاتجاه المعاكس. فنظر طير إلى البومة وحذرها فقال لها ألا تخافين؟ قالت: ولم الخوف أيها الجاهل؟ فصاحت الحيوانات إنها لا تخاف إنها الهة؟ فصفقوا ورقصوا فرحا، وكانت البومة مطمئنة لأنها لم تر الخطر الذي راه الصقر. وكان جمهور الغابة لا يكف عن الصياح بحياة الرئيس والقائد الملهم (البومة) بالروح بالدم نفديك حينما صدمت الشاحنة الجموع فدهست معظم المغفلين وهرب بعض المجروحين، ولقيت البومة (الالهة) حتفها.


المشكلة هنا تكمن ان الحكومات الظالمة التي تعتمد سياسة التهميش والقمع لنخبة المجتمع حيث لا يعلو صوت على صوتها ولا تقبل الفكر والابداع، لان الفكر والابداع عدو الدولة الظالمة في المعنى السياسي للدولة. رغم انه ينتشلها من ظلام الطغيان الى نور الحرية الخلاقة والتي تساهم في بناء الوطن بالمفهوم المدني والقائم على المشاركة في المسؤولية بين كافة الاطراف، واحترام الرأي الاخر، والابتعاد عن الانية السخيفة التي دمرت شعوبا ودولا. ومما لا شك فيه ان المجتمعات لا تتقدم ولا تتغير الا بالأفراد المبدعين والمفكرين الذين يسبحون في فضاء خيالاتهم خارج القضبان وحدود الدولة وطغيان الاصنام.


 وهنا تكمن خطورة الحكومات الظالمة في استهدافها المباشر للمفكرين والمثقفين والمبدعين والمؤهلين، في اقصائهم وتدميرهم سواء بالقضاء عليهم او بتهديدهم واعتقالهم واسكاتهم وتدمير سمعتهم وسمعة كل الوطنيين المخلصين. واستخدام الدسائس والقتل والرشوة وشراء الذمم والنفاق والكذب باسم الله والشعب (لصوص الدين والسياسة، والله والشعب منهم براء). وكما يقول عبد الرحمن الكواكبي في كتابه (طبائع الاستبداد). " ما من مستبد سياسي الا ويتخذ له صفة قدسية يشارك بها الله، او تعطيه مقاما ذا علاقة بالله".  وهذا يؤدي بطبيعة الحال الى الاستفراد بالبقية المتبقية من الشعب الذين يستمدون قوتهم من اصحاب التغيير وهم كما اوردنا سابقا المبدعين والمفكرين والمثقفين الخ... الذين إذا غابوا غابت معهم شمس الحرية وبدأ ظلام الطغيان.


والحكومة الظالمة تعتبر الشعب بمفهوم الفيلسوف الفرنسي (لا بواسيه) في كتابه تكنلوجيا السلوك الانساني " ان الحرية ميزة الحيوان قبل الانسان، وما يحدث ان الفرس الجموح وبالترويض يستبدل تمرده بالانقياد والانصياع ويصبح يباهي بسرجه واللجام.


 من هنا فان طوفان الحق لا بد ان يبتلع الحكومة الظالمة ومن يتآمر على الشعب. ولكي تتجنب ذلك فان الحرية والديموقراطية والعدالة وتكافؤ الفرص وتحقيق الاصلاح والسلم الاهلي والوئام الاجتماعي ووقف الفساد والافساد. هي الخطوة الاولى للبناء والاستقرار والاستمرار واعمار الوطن ومحبة الشعب وثقته. لان اية دولة لا يمكن ان تستمر بدون ثقة الشعب ومحبته.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد