الازمات

mainThumb

24-08-2014 11:07 PM

بينما كان أحد الاطباء يسير بجوار أحد الانهار، سمع صوت رجل يصرخ ويطلب النجدة، فراه فاذا به يغرق في النهر، فهرع الطبيب مسرعا وقفز في الماء وجذب الغريق الى ضفة النهر كي يقدم له الاسعافات الاولية، افاق الرجل بعدها واستعاد وعيه. ولم يمضي وقت طويل حتى شاهد الطبيب رجلا اخر يصرخ ويطلب النجدة وهو يغرق في النهر، هرع الطبيب مرة اخرى وقفز في النهر وأنقذ الرجل الثاني.

وما ان بدأ الرجل الثاني يتعافى من الغرق، حتى سمع الطبيب صوت رجل ثالث يغرق في النهر ايضا، ومرة اخرى قفز الطبيب في الماء وأنقذ الرجل، عندها سمع صرخة اخرى ثم اخرى ثم اخرى. وبعد ان تعب الطبيب من عمليات الانقاذ المتكررة نظر الى اعلى النهر، فرأى ويا هول ما رأى، رأى رجلا اقل قوة من أي ممن يلقيهم بالنهر، لكنه يمسك بالمارة ويلقي بهم في النهر.

هذه القصة يمكن توظيفها في علوم الادارة الحديثة والعلوم السياسية، فالحكمة فيها هي ان الحل الجذري للمشاكل هو القضاء على العنصر الاساسي للازمات والمشاكل في كل مناحي الحياة على الصعيد الشخصي والعام.“فان استمرار وتجدد التهاب السن رغم كثرة المسكنات يستوجب خلعه او استبداله".

لكني هنا اريد توظيف هذه القصة كمثال على الازمات الاخلاقية والسياسية للهواة من "السياسيين" اصحاب القرارات في الدولة، وقد باتوا يشكلون مشكلة خطيرة على الاردن ولم يعودوا جزءا من الحل بل اساس وجذر المشاكل التي نعانيها في بلدنا الاردن. انها ازمة ومشكلة اتخاذ القرار وحل المشاكل والازمات، أي ادارة الازمات بدلا من تجديد اثارة الازمات. فهم يلقوننا الى الهاوية ويدمرون بلدنا نتيجة قراراتهم الصبيانية التي ستكون لها نتائجها المدمرة على المدى البعيد.

   فلو افترضنا ان الذي ينقذ الغرقى في تلك القصة اعمى او اصم. فكيف سيرى او يعقل ما يحدث حوله وكيف ينقذهم وهو غير قادر على انقاذ نفسه. وهذا للأسف فان ما نعانيه في الاردن, هو عدم وجود حل جذري لازمات ومشاكل البلاد والعباد، بسب وجود رويبضات متحكمين في رقابنا لا يسمعون ولا يعقلون في مواقع القرار في الدولة.
 
من الواضح ان من اخطر ما نعانيه من مشاكل في بلدنا المنهوب المنكوب هي غياب المؤسسية والكفاءة في الدولة والعدالة وتكافؤ الفرص, وانتشار ظاهرة اعمل كي تأكل لا كي تبني "وطن". والاخطر من ذلك انتشار الشللية والمحسوبية والفساد وتوريث المناصب والجهل والتجهيل والعنف والمشاكل في الشوارع والجامعات والمدارس والمستشفيات وفي مرافق الدولة الخ... هذه المصائب اصبحت جزءا لا يتجزأ من الثقافة الدخيلة على ثقافتنا وقيمنا الاردنية وصارت جزءا من مجريات الحياة اليومي (روتيننا اليومي).

    فقد اصبحت المشاكل في البلاد تحل بمزيد من المشاكل والتعقيدات، واصبحت الازمات تحل بمزيد من الازمات واللكمات، وأصبح الشعب كله يلقى في جحيم الطغيان لأجل مجنون يقف اعلى النهر، وهو أضعفهم وادناهم اخلاقا لكنه لا يجد من يقول له لا.
 
ان الاوان ان ننظر بعين الحكمة لهذه الامور الطارئة والتي باتت تؤثر على المجتمع وستؤثر على الاجيال القادمة الذين سيدفعون ثمن سكوتنا وخضوعنا للواقع الذي تقوقعنا فيه دون ان نقدر حجم الخطر الحقيقي لتلك الازمات والمشاكل والجبن الذي نستطيبه.

لا خيار لنا الا ان نقف صفا واحدا ضد كل من يحاول ان يدمرنا ويدمر بلدنا ويخلق فيها المشاكل والازمات، ونتعاون على الحل الجذري لمشاكل بلادنا التي تتفاقم وتزداد يوما بعد يوم. ومن الواضح ان الرجل الذي يقف على ضفة النهر ويلقي بالناس الى اعماق الماء ليموتوا لا يمكن ان يتورع عما يفعل الا إذا اعتصم الناس بحبل واحد وفرضوا ارادتهم بدل من ان يكونوا ضحية ارادة ذلك الرجل.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد