ناظم الغزالي .. لحن عراقي خالد

mainThumb

23-12-2009 12:00 AM

أ.د حازم طالب مشتاق
الفنان الموهوب ناظم الغزالي اعاد الاغنية العراقية الى سيرتها الاولى التي ارتبطت باسحق الموصلّي اشهر مطرب في العصر العباسي. فكان اشهر مطرب في العراق الحديث بامتياز. وكانت اغانيه تتدفق بتلك النكهة العراقية المحببة المتفردة والرومانسية العفوية الرقيقة العذبة, وذلك الحزن السومري العميق القديم الذي سرعان ما ينقلب في لحظة واحدة الى فرح غامر وشوق عظيم, تعبيرا عن انتصار الامل على القنوط, والنور على الظلام, والحياة على الموت, والخلاص على الاحباط.

ومن اعذب اغانيه وارقها: طالعة من بيت ابوها رايحة لبيت الجيران - ما ريدة الغلوبي - يم العيون السود - يم العباية - كولّي يا حلو - خايف عليها ولهان بيها - فوق النخل فوق - وسواها كثير.

وكان يجيد غناء المواويل والمقامات العراقية الاصيلة. وشملت اغانيه بعض قصائد اشهر الشعراء العرب القدماء والمحدثين. ومنها قصيدة (اي شيء في العيد اهدي اليك يا ملاكي) من نظم ايليا ابو ماضي, وقصيدة (شيّعت احلامي بقلب باك) من نظم احمد شوقي, وللبهاء زهير (يا من لعبت به شمول), وللمتنبي (يا اعدل الناس), وللعباس بن الاحنف (يا ايها الرجل المعذب نفسه) فاخرج هذه القصائد من دواوينها وجعلها تجري على ألسنة ابسط الناس الذين احبوا كلماتها واحبوا اكثر الصوت الذي نقلها الى اذانهم بالمسحة من الحزن الشائعة تقليديا في الغناء العراقي.

قلب الغزالي غالبية مقاييس الغناء العراقي, وخرج على الشكل التقليدي في الاداء الغنائي فانتشرت اغانيه في جميع ارجاء الوطن العربي رغم مجيئها من بيئة ذات طبيعة شديدة الخصوصية.

ومنذ بداية خمسينيات القرن الماضي, بدأت اغنيات الغزالي تعبر الحدود العراقية. فسافر الى العديد من الدول العربية التي شهدت الكثير من حفلاته الغنائية. واصبح سفيرا للاغنية العراقية الى الامة العربية. بل انها اكتسبت شعبية واسعة في بلدان المغرب العربي. حتى ان بعض الاخوة المغاربة كانوا يعرفون العراق بأنه بلد ناظم الغزالي.

امتاز ناظم الغزالي عن اقرانه ليس فقط بصوته الشجي بل ايضا بثقافته الواسعة وعقليته المتنورة. ظهرت تلك الثقافة في عام 1952 عندما بدأ بنشر سلسلة من المقالات في مجلة (النديم) بعنوان (اشهر المغنين العرب) وظهرت ايضا في كتابه المعنون (طبقات العازفين والموسيقيين في الفترة (1955-1962).

ويعود الفضل في حفظ اغاني ناظم الغزالي الى الان الى شركة (جقماقجي) البغدادية التي بدأت منذ منتصف خمسينيات القرن الماضي في تسجيل اغاني كبار المطربين والمطربات في العراق على اسطوانات حجرية, وهي اليوم متوفرة في اقراص مدمجة, وكان في طليعتهم ناظم الغزالي الذي كان وقتها المطرب الاكثر شهرة في سماء العراق, وكان بريق نجمه يمتد الى جميع ارجاء الوطن العربي.

ولد ناظم الغزالي عام 1921 يتيما في اسرة فقيرة بحي الحيدر, خانة من الاحياء القديمة في بغداد, وكان ابوه رجلا »كادحا« وامة كفيفة البصر, وكفله عمه في صغره ولكن الغزالي كان فنانا اصيلا عصاميا شق طريقه في الحياة, وصعد الى قمة المجد وذاع صيته في الافاق بجهده الدائب واصراره العنيد, حتى استطاع في النهاية ان يكسب حب العراقيين واعجابهم وان يأسر آذان وقلوب الجماهير العربية. توفي الغزالي بالسكتة القلبية في سنة 1963 ولم يكن قد تجاوز الثانية والاربعين من عمره, وكان في عز نجاحه وكامل نشاطه.

سيبقى ناظم الغزالي اسما لامعا وفنانا موهوبا ولحنا خالدا في الذاكرة الوطنية العراقية. وسيبقى من اعظم واعز واغلى واثمن واجمل الهدايا التي وهبها الشعب العراقي الى امته العربية.

* العراق

" العرب اليوم "


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد