الأنا ووجود الذات

mainThumb

07-05-2015 10:36 PM

  لابد لنا من التنبه الى هذا الموضوع المهم الا وهو (الأنا) و (الذات)، فقد أصبح انتشار وحب "الأنا" في مجتمعاتنا دون أي قيمة حقيقية لتلك "الانا"، التي اصابت الكثير من الناس بالغرور لمجرد الاعتقاد ان "الأنا" او "انا" تحقق ذاته وكيانه بين الناس. وفي ظل ضياع هذا المفهوم، فلا غرابة اذن ان نرى الكثير من شبابنا ضائعا، نتيجة طمس او تشويه الذات الحقيقية لديهم، او عدم معرفة ذاته الحقيقية، حيث يعتمد الشباب على العيش على المظاهر والانا المزيفة والمبتذلة، دونما اهتمام بالجوهر الحقيقي للإنسان والذات الاصلية التي يصنعها هو، ونتيجة لذلك أصبحنا نعيش واقعا مريرا لا يرحم، منهجه البقاء للأقوى وليس للأفضل والمتميز، نعيش انانية مادية مفرطة، قائمة على المصالح والشخصية المزورة، وضياع الهوية وفقدان الذات. حتى أصبحت "انا" ثقافة مجتمعية.


لقد أبحر الكثير من الفلاسفة والمفكرين في موضوع البحث عن الذات وموضوع الانا وفرقوا بينهما واولوا لهما أهمية كبيرة، وميزوا بين الوجود الحقيقي للإنسان، وذاك الوجود الوهمي، (أي وجوده كجسد بين الناس وليس كروح وذات تعبر عن هويته وشخصيته الاصلية). وذلك من خلال البحث عن الحقيقة، وليست أية حقيقة. بل حقيقة أنفسهم وحقيقة وجودهم وحقيقة دورهم في الحياة وبين مجتمعاتهم، ولا نستطيع باي حال من الأحوال ان نجد الحقيقة الا من خلال المعرفة التي تساعد على إيجاد الوجود الأصلي، أي العودة الى الأصل النقي الذي لم تلوثه ثقافة الانا.


ذكر المفكر والفيلسوف الألماني مارتن هايدغر في كتابه الشهير (الوجود والزمان), (ان الوجود الأصلي للإنسان هو بنوعيته وماهيته لا بمادته، عندما يصل البشر إلى مرحلة من الابتذال، فيصعب عليهم التمييز بين الحياة الحقة الأصيلة والحياة المبتذلة فلا يهمهم «تأكيد الذات» أو تأكيد تفردهم أو معرفة ذواتهم، فهم لا يتحملون متاهات القلق، لذا فإنهم يسعون إلى التخلص منه بالانغماس في الحياة اليومية الروتينية رافضين الخروج من عبوديتهم لها، مبتعدين عن أية محاولة تقودهم إلى البحث عن معنى الوجود أو البحث عن ماهيتهم الحقيقية). 


في هذا السياق اتحدث هنا عن الوجود الأصلي والتكوين الذاتي، فهو في الجانب الاخر من الانسان وشخصيته، وهي كالجانب المظلم من القمر، فالوجود الأصلي يحدد ماهية ونوعية الانسان، واقصد هنا "الذات" أي "الأنا" الحقيقية، ورسالته ودوره في الحياة، فهذا الوجود يكون من تكوين الانسان واكتشافه لنفسه في جميع مجالات الحياة، حاله كمن يغوص في البحر ليستخرج اللؤلؤ من الأعماق، فلا يمكن ان يستخرجه من سطح البحر. فهذا الجانب الذي يحدد مكانته في ذاته وفي المجتمع ومع ربه.


ذكر المفكر والعلامة د. علي شريعتي رحمه الله في كتابه (العودة الى الذات)، ان اصحاب الذات الاصلية كالطفل الذي يولد ولا يستطيع ان يعبر عن نفسه الا بعدد من الأصوات والحركات، ومع مرور الزمن يكبر الطفل ليكون له صوت واحد يعبر به، وشخصية يتميز بها. وفي هذا التشبيه الجميل للأشخاص الذين يعيشون في مجتمعات يكون لهم صوتهم الخاص بهم وشخصيتهم وفكرهم وموهبتهم الاصيلة التي يتميزون بها.    


وفي القران الكريم في سورة الزمر يقول الله تعالى (ُقلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ).


اننا بحاجة الى العودة الى الذات واكتشافها والتي تفتح شخصية الإنسان على ‏الافاق الرحبة في الحياة بأسرارها العميقة، وامتداداتها البعيدة، ورحابها الواسعة، وقضاياها ‏المعقدة، وشؤونها المتنوعة، وحساباتها الدقيقة، بحيث نملك من خلالها وضوح الرؤية للأشياء، ويجب علينا ان ننبذ فلسفة ومسلكيات الانا المضخمة التي تقوم على وهم من الخيال والظلام والتي تتبدد لحظة اصطدامها بالحقيقة، حقيقة ان الكثير من الناس يعيش حياة دون حياة، أي حياة دون ذاته الاصلية التي تعبر عنه وتميزه، وتجعل منه عنصر بناء في المجتمع، تلك الذات التي يعتز بها لتكون شعلة متوقدة. والاهم من ذلك كله ان نسأل أنفسنا كل يوم، من انا؟ وما دوري في الحياة والمجتمع؟ وما هي ذاتي الحقيقية؟



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد