الذات الحقيقية

mainThumb

18-05-2015 03:42 PM

في مقالنا السابق، تحدثنا عن الذات الاصلية للإنسان والانا المزورة الفارغة، حيث يلعب المجتمع المحيط في تلك الانا دورا كبيرا في تحديدها وصقلها، من خلال ثقافة الوهم والبقاء للأقوى، تلك الثقافة التي تعبر عن الانا المزورة الفارغة التي تخرج من حناجر قائليها وتذهب ادراج الرياح.

 ولقد وجدت ان هذا الموضوع يستحق الاهتمام، ومن باب الإفادة والاستفادة قررت ان أبحر والقارئ في بحر الذات، فكلنا يبحث عن أصله واصالته الحقيقية التي باتت ضائعة مع الجهل وتائهة بين يدي الاستهتار بالذات العميقة، التي لا بد لنا ان نستعيدها كي تكون لنا هوية ويكون لنا مبدأ.

        وفي هذا المقال سنبحر في الذات الاصلية للإنسان، التي تحدد ماهيته وهويته، كما تحدد (البوصلة) الاتجاهات الأربع، فمن الضروري ان يكون للإنسان بوصلة تحدد اتجاهاته وسلوكه وتاريخه ووجوده في الحياة، ومن اهم الأمور في ضبط بوصلة النفس وتحديد الذات، هي معرفة حقيقة وجوده ومعرفة واقع وجوده. فالحقيقية غير الواقع، وفي أي زمان يعيش ومع من يعيش وكيف يعيش ولماذا يعيش. فالوعي الذاتي بهذه الأمور يسهل إيجاد الطريق الصحيح في البحث عن الذات وخلقها وفرضها على المجتمع والتاريخ. وهذا كله يساعد على استخراج المنابع المدفونة والطاقة الجبارة التي منحنا الله إياها، تلك الشعلة الألهية الموجود في كل انسان على هذه البسيطة.
    
     وفي هذا السياق لا بد لنا ان نميز بين (المحسوسات) (والملموسات)، فالإنسان السطحي الذي يعيش حياته بجسده وشهواته وحقيقته المزورة ولهثه وراء السراب والايمان بالأشخاص وبيع النفس، هو من يؤمن فقط بما يراه ويلمسه لا بما يحسه وبما لا يراه، فداخلنا هو عالم اخر، عالم لا نراه بل نحسه ونشعر به، والمحسوسات هي مخلوقات الله التي لا يراها ولا يشعر بها الا من يبحث عن ذاته. فالأنسان الذي يبحث عن ذاته هو الذي يبحث عما لا يراه، ويشعر به في عقله وقلبه وروحه وجسده حينما يتمرد على واقعه ونفسه، ويبدأ رحلة البحث عن الذات التي لا تنتهي، ذلك الشخص هو من يبحث عن نفسه في بحر مظلم، وفي اعماقه شعلة الهية لا تنطفئ. فالأنسان الذي لا يبحث عن ذاته ولا يخلق لنفسه وجود وهوية وبوصلة، فأنه يتعرض مع الوقت الى الفساد حتى أعماق اعماقه، وبالاهتراء، والجهل والغفلة، وتكرار ما هو مكرر، وعبادة التقليد والوهم، ويكون سجين نفسه غير متحرر، مقيد قيد العاجز الخاضع الى شخصية غير شخصيته وروح غير روحه، الا وهي كيف يحدد المجتمع حياتك وكيف يريدك الناس ان تعيش لا كيف تريد انت ان تحيا. وذلك هو اشد أنواع الطغيان، فيكون الشخص مقيدا بسلاسل المجتمع والوهم، والخوف من التمرد على النفس وشق الطريق للبحث عن الذات.

وعلى حد تعبير المفكر على شريعتي رحمه الله ان (العمر الحقيقي لكل انسان هو تاريخه وليس عمره الحقيقي، أي سنوات حياته، فليس الانسان شجرة بدأت منذ يوم ان ولدت، بل هو شجرة مدت جذورها في أعماق تاريخها، تتغذى منه دائما وحتى لحظة الموت).

       وقول الله تعالى في كتابه (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ). فهذه الآية أحد الأمثلة العظيمة والتي يتناساها الكثير من الناس اننا خلائف الله في ارضه وفي كونه العظيم. فكل شخص في هذا الكون هو مهم ومهم جدا، ولأننا مهمين فكلنا خلقنا لسبب ورسالة عظيمة، ولذلك فلا بد لنا ان نكون أصحاب رسالة، وليس مجرد ارقام على البطاقات البلاستكية نكون صالحين وقت التصويت في الانتخابات، وغير ذلك تنتهي صلاحيتنا. (انت وانا) أكبر واهم شيء خلقه الله في الكون انت ايها الانسان سجدت لك الملائكة، وتسخر لك الكون كله. قيمتك في هذا الوجود هي قيمة كبيرة وعظيمة ان وجدتها.
    
وهنا نأخذ مثالا اخر في القران الكريم حينما اقسم الله سبحانه بالنفس في سورة الشمس حيث قال سبحانه (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا. فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا. قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا. وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا) فتلك النفس لا نراها ولكنها موجودة، وهي مخلوق كأي مخلوق خلقه الله تعالى.

يجب علينا ان نتنبه الى ان الوجود الحقيقي للإنسان هو بادراك حقيقته وبحثه عن ذاته ووجوده، وباعتقادي انه من خلال رحلة البحث سيكون الانسان قادر على التأثير والتغيير، وخلق التاريخ والهوية والمبدأ الحقيقي لنفسه، فلا نريد ان نكون كالقبور المزينة بكل أنواع الورود ومحاطة بالأشجار وداخلها مظلم.

يقول جان بول سارتر فيلسوف وروائي فرنسي (ان الله خالق هذا الوجود، وأننا بأنفسنا نصنع الوجود الحقيقي، لان الوجود الحقيقي من صنع يد الانسان نفسه، الوجود الحقيقي هو ماهيتي وهويتي الإنسانية ورسالتي وشخصيتي).



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد