سيكولوجية الجماهير (الجماعة)

mainThumb

04-06-2015 08:27 PM

سأتطرق في هذا المقال، الى موضوع مهم، قد يكون جديدا على البعض، وهو موضوع سيكولوجية الجماهير او (الجماعة). ومن باب أهمية الموضوع، فقد رأيت ان يكون هذا المقال ومقالات لاحقة، شرحا لفهم سيكولوجية الجماهير، وروح الجماهير، ودور القيادات في تحريك هذه الجماهير وتحفيزهم، او في تجييش الجماهير لصالح اطماعهم ومخططاتهم. واستخدام الجماهير كأدوات ضاغطة وقوية، وهنا اتحدث عن الجماعة التي تجتمع لأجل شيء معين، بغض النظر عن القضية التي تجتمع الجماهير من اجلها. 
 
   وباختصار شديد لتعريف الجماعة نستطيع ان نقول (انها عبارة عن مجموعة من الافراد بغض النظر عن عددهم او جنسهم فقد تكون جماعة من عشرة اشخاص، وقد تكون من مليون شخص). وبالرغم ان للجماعات أنواع وفئات ودرجات، ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: (جماعة العشيرة، او الطبقة، او الطائفة، او الحزب، او الرابطة، او الجماعة الدينية، او الجماعة الثورية، او المجتمع كاملا. الخ.) ولكي نفهم سيكولوجية الجماعة، فانه من الضروري الغوص فيها، لنفهم! ما الذي يجعل شخصية الجماعة طاغية على شخصية الافراد؟ وكيف يتجرد الانسان من شخصيته، حينما تؤثر عليه سيكولوجية الجماعة؟
 
   وبناء على ما ذكرنا أعلاه، فان سيكولوجيا الجماهير، تختلف باختلاف البيئة السياسية والاجتماعية والدينية والثقافية والاقتصادية. وتتأثر بعوامل عديدة أهمها "الوعي الجماعي" "والوضح الجماعي" في تشكيل روح الجماعة، وسيكولوجية الجماعة، والتي بدورها تلعب قوة ضاغطة في التغيير الإيجابي، او السلبي في البناء او الهدم. وعلى جميع الأصعدة، سواء كانت (جماعة في حزب او دولة او عشيرة).
 
     وقد عبر الطبيب والمؤرخ الفرنسي الشهير "جوستاف لوبون" عن ذلك في كتابه الشهير "روح الجماعة" عندما وصف الجماعة (بأنها تمتاز بوجود روح عامة تجعل جميع افرادها يشعرون ويفكرون ويعملون بكيفية تخالف تماما الكيفية التي يشعر ويفكر ويعمل بها كل شخص في هذه الجماعة لو كان منفردا).
   عندما يكون الاشخاص منفردين فأنهم يعيشون حياتهم اليومية بالشكل الطبيعي، وبشخصية وروح أخرى، غير تلك الروح والشخصية التي يعيشها في حال الانخراط في الجماعة. وفي حال انضمام الفرد للجماعة، فانه يصبح كشجرة في غابة او كخلية في جسم مكون من ملايين الخلايا، لا يستطيع ان يتصرف عكس روح الجماعة، والا تم رفض ذلك الجسم.
    وعلى حد تعبير الفيلسوف البريطاني "هيربرت سبنسر" صاحب الكتاب الشهير: رجل ضد الدولة (لا يوجد حد وسط بين العناصر التي تتكون، وانما الذي يوجد هو مزيج منها جميعا، فتتولد بذلك صفات جديدة، كما يحدث ذلك في الكيمياء، إذا جمعت عنصرين مثل القواعد والاحماض، تولد اجتماعهما معا جسما جديدا ذو خواص جديدة، تخالف تماما خواص كل واحد من العنصرين الأساس).
 
   وهذا تعبير جميل وباعتقادي ان الكيمياء والانسان واحد في هذه الصفة، فالإنسان عندما ينخرط مع الجماعة، فانه يصبح انسانا اخر، او بتعبير اخر فأنه يشكل / يصبح عنصرا اخر، مكونا من عدد كبير من العناصر، لتشكيل مادة واحد وهي! "الشخصية الطاغية على الجماعة". 
 
    ونعطي هنا مثالا مبسطا على شخصية الجماعة (فعندما يخرج الناس لاحتجاج معين او مظاهرة معينة، فإننا نجد في تلك الجماعة المثقف، والمفكر، والمهندس، والطبيب، والأمي، وصاحب الاسبقيات، وسائق التاكسي، والسياسي والمؤرخ. ورغم ذلك فإننا نجدهم باختلاف عقلياتهم وعلمهم وعملهم، يتصرفون كجماعة واحدة وشخصية واحدة، وهذا هو جوهر الموضوع "روح الجماعة وسيكولوجية الجماعة" وبمجرد انضمام أحدهم للجماعة، فانه قد يهبط من سلم العلم او الثقافة والمدنية، الى شخص ساذج تابع للغريزة الفطرية، فنرى حماسته وشجاعته وسهولة تأثره بالشعارات او الألفاظ او الصور. وينقاد الى تلك الشخصية الطاغية في الجماعة، وقد يكون شخصا اخر، يختلف اختلافا تاما عنه من غير جماعة).
 
    وعليه فان الشخص منفردا بمعظم الحالات نجده لا يضحي بنفسه من اجل الاخرين، فالإنسان منفردا تغلب عليه صفاته واطباعه، ومنها الانانية وحب الذات. اما إذا انخرط نفس الشخص في الجماعة، تراه قد يضحي بنفسه ويتصدى للرصاص وقنابل الغاز، وأحيانا يلقي بنفسه الى التهلكة كي ينقذ الجماعة، فيصبح نفس الشخص الاناني محب الحياة، شهيدا من اجل روح وشخصية الجماعة.
 
    ومن الأسباب المهمة جدا على سبيل المثال وليس الحصر، في ولادة شخصية الجماعة، هي: ان الشخص حينما ينخرط في الجماعة، فانه يكتسب قوة تشجعه القيام بما لا يستطيع ان يقوم به منفردا، وذلك لان الجماعة لا تسأل عن افعالها لوجود العديد من الافراد، فلا يشعر الشخص ان ما يفعله سيجر عليه تبعات فعله، لأنه جزء صغير من كل كبير. والسبب الاخر هو الجاذبية والعدوى الجماهيرية، فبمجرد ان ينخرط الشخص مع الجماهير، فانه يكتسب الشخصية العامة الطاغية على الجموع. يتبع في مقالات لاحقة ان شاء الله....


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد