من اليرموك: فرص وتحديات

mainThumb

16-06-2015 10:24 AM

كُشف عن كثير من الآثار العميقة للهيب العربي، على المستوى الاقتصادي في المؤتمر الذي عقدته  كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية في رحاب جامعة اليرموك بعنوان التحولات الراهنة: فرص وتحديات"، فبعد دراسة لعدد من الظواهر السياسية والاقتصادية والاجتماعية  في الوطن العربي الذي شهد وما زال عددا من  التغييرات السياسية العميقة نتج عن بعضها آثار مدمرة على  الشعوب العربية، التي شملها ما يسمى بالربيع العربي بصورة مباشرة أو غير مباشرة -تطلّب الالتفات إلى الآثار الاقتصادية على المدى القصير، والطويل لا سيما أن الانشغال بالأمور العسكرية ربما حوّل أو أجل تلمّس الآثار الاقتصادية المرعبة، وبالتالي، فإن الالتقاء بين الباحثين من دول عربية مختلفة  مفيد في تبادل الخبرات والمعرفة، ومناقشة التغيرات والقضايا الاقتصادية على الساحة المحلية والإقليمية والدولية، وتمكّن الباحثين من توقع المآلات الاقتصادية المستقبلية للتعامل مع متغيرات العصر، والخروج بتوصيات واقعية تحاكي المشهد السياسي الذي نشهده، واقتراح حلول  يمكن أن تقتنص فرصا تغيّر شيئا من الواقع المرّ.


شهد العالم  منذ نهاية القرن الماضي أحداثا متلاحقة  منها: العولمة، وأحداث 11 أيلول وما تبعها من الحرب على الإرهاب، والأزمة الاقتصادية العالمية، والربيع العربي وما ارتبط به من تزايد حركات التطرف التي أفضت  إلى ما يسمى بداعش والحرب ضدها،  وكل ذلك فرض وما زال يفرض على الوطن العربي ومنه الأردن تحديات كبيرة ذات أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية.


 عاشت غالبية الشعوب العربية زمنا طويلا بين مطرقة الفشل التنموي، وسندان الأطماع والمؤامرات والمصالح الخارجية،  مما أدى إلى  مديونيات عالية، أستثني من ذلك دول النفط لاسيما في ظل ارتفاع أسعاره في سنوات سابقة، فتضخمت ثرواتها التي ساهمت في التنمية، ورفاهية شعوبها، لكن يبدو أنها ستعاني هي الأخرى،  لاسيما في ظل تحركها ومشاركتها في عاصفة الحزم التي هي واحدة من نتائج اللهيب العربي.


فما هي  المآلات المسقبلية  للدول العربية بعد الخسائر المتلاحقة التي منيت  بها  وما زالت؟


 أظهرت دراسة أعدها بنك “HSBC ونشرتها سكاي نيوز العربية في 2013 أن انتفاضات الربيع العربي أفقدت دول الشرق الأوسط نحو 800 مليار دولار من الناتج الاقتصادي بنهاية 2014، وأوضحت الدراسة أن الناتج المحلي الإجمالي للدول السبع الأكثر تأثرا - مصر وتونس وليبيا وسوريا والأردن ولبنان والبحرين  سيكون أقل بنسبة 35%، مما كان سيسجله لو لم تحدث تلك الانتفاضات في 2011، مشيرة إلى أن نصيب الفرد من الدخل سيكون أقل بما يقرب من 68% مما كان يمكن أن يكون دون آثار الربيع العربي”.


وأكدت الدراسة أيضا أن "التدهور الشديد في الميزانية، والتراجع الكبير في موارد النقد الأجنبي، واستنزاف احتياطاتها منه نتيجة لخروج رأس المال،  وتراجع فاعلية الحكومة والأمن وسيادة القانون كل ذلك سيضغط بشدة على جهود صانعي السياسات في الدول العربية المتاثرة بشكل مباشر أو غير مباشر.


ومن مظاهر عمق الأزمة أيضا تزايد البطالة، فتؤكد المؤشرات الإقتصادية  بلوغ البطالة في سوريا 48%، وفي اليمن 17.3%( قبل عاصفة الحزم)، وفي تونس 16%، وفي ليبيا 15%، وهي مرشحة لارتفاعات أخرى.
 وتشير التقارير الصادرة عن مؤسسات اقتصادية ومالية، إلى عمق المأساة، التي تولدت في دول الربيع العربي، فمن النتائج المهمة للواقع العربي الحالي تزايد العجز في الموازنات المالية، وتكلفة إعادة إعمار ما خربته الحروب، فهناك من يقدر حاجة سوريا إلى 200 مليار دولار، و50 مليار لليمن  حتى الوقت الحاضر.


ويقدر “صندوق النقد الدولي” أن نمو الاقتصاد المصري خلال العام المنصرم يتراوح بين 2.3% إلى 2.7% وهو ما يدل على استمرار الاتجاه التراجعي، ومن ثم في الإيرادات العامة، مع زيادة وارتفاع تكاليف المعيشة، والمعاناة من عجز مالي كبير نتيجة لتزايد الإنفاق العام الناجم عن حرص الحكومات على استيفاء الاحتياجات الأساسية للسكان.


 ألحقت  الثورات العربية أيصا ضررا باقتصادات الخليج؛ إذ زادت  من اعتمادها على الإنفاق الحكومي الذي تموله إيرادات النفط، وهذا الأسلوب لا يمكن أن تتحمله إلا الاقتصادات الأكثر ثراء في الخليج، وهي قطر وأبوظبي والكويت" بينما الدول الأخرى التي تقل فيها نسبة الثروة النفطية إلى مجموع السكان قد تعاني من آثار الربيع العربي، فكيف سيكون حالها بعد عاصفة الحزم، وهبوط أسعار النفط؟!


التحديات كبيرة جدا، وأما الفرص فضيئلة، لكنها تبعث نورا من آخر النفق الحالك السواد، فالأمل معقود بتعقل الأطراف المتناحرة، والاكتفاء بما لحق الشعوب العربية من خسائر مؤلمة، وبدأ البحث الجاد عن الحلول السلمية لأزماتها،  ومراجعة سياساتها السابقة التي أدت إلى ثورات شعوبها، فكلفة الحروب مدمرة اقتصاديا مثلما هي مدمرة في المجالات الأخرى كافة، فلعل العودة إلى السلم، توقف النزيف، وتعيد البناء، وترجع رؤؤس الاموال المهاجرة، وتجدد الفرص لاستقطاب الاستثمار، ولنا في المانيا واليابان مثالان لبعث الأمل في نفوس الشعوب العربية.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد