المتابع للأحداث والمستجدات على الساحة الأردنية لا يملك وهو يرى نتيجة الأحداث التي مرت في المنطقة وأسموها زورا بالربيع العربي ونجا منها الأردن رغم تخبطه سياسيا ، ويصاب المتابع بالحيرة فكيف تم استثناء الأردن من تلك الأحداث ولم يستفيد شعبنا من النتائج إلا ما هو أسوأ ولم يحدث إصلاح حقيقي يشعرنا بأننا في دولة مؤسسات والعكس تماما هو ما حدث ،.
فقد عقب أحداث المنطقة نوعا من التشدد الرسمي وعلو الأصوات المطالبة بالقمع والإرهاب بحجة حماية الوطن على حساب صوت العقل والمنطق رغم أن شعبنا كان سباقا لما يسمى الربيع العربي لطلب الإصلاح والديمقراطية وهناك انتفاضة 17 نيسان الشهيرة عام 1989م ، وانتفاضة الخبز والغلاء عام 1996م ، واعتصامي الموانئ الشهيرة في حزيران وآب عام 2009م ، وما بينهم ولم تتوقف المطالب بالإصلاح والتغير الديمقراطي بطريقة أو بأخرى .
ولكن لماذا فشلنا في الأردن ونجح غيرنا ، رغم أن الثمن الذي دفعته تونس مثلا بإزالة أكبر نظام قمعي عرفته المنطقة كان غاليا ومصر التي أزالت نظام مبارك ورغم الصعوبات لكن يزال الحراك المصري المطالب بالإصلاح والأفضل حاضرا وثورة 25 يناير وتصحيحها في 30 يونيو أكبر دليل حيث وضعت مصر على أول الطريق الإصلاحي وفي النهاية لم تذهب تضحيات الثوار أدراج الرياح ورغم الملاحظات هنا وهناك .
ويبقى السؤال لماذا نجح غيرنا وفشلنا ولم يتحقق حتى الحد الأدنى من الإصلاحات الأردنية المطلوبة شعبيا وزيادة في المأساة زادت القبضة الأمنية والتغول على كل المؤسسات المدنية والأسباب كثيرة والنتائج أوضح من شمس آب اليوم ، ولعل من أبز فشلنا أننا بانتفاضة 17 نيسان قبلنا التغير الشكلي واستطاعت حكومة الظل القمعية أن تلتف على خياراتنا الديمقراطية وتجعل إقالة حكومة الفساد الرفاعية في ذلك الوقت وكأنه غاية ما نريد ونهدف وبعد ذلك وعندما أردنا ممارسة الديمقراطية من خلال الحرية لمؤسسات المجتمع المدني الأحزاب والنقابات والصحافة حرة وغير ذلك، وجدنا أن من قاد المرحلة العرفية هم أنفسهم من يتولى قيادة المستقبل الديمقراطي المطلوب وهذه جريمة بحق الوطن والمواطن حيث أن قادة المرحلة العرفية لا يمكنهم تغير جلودهم بين ليلة وضحاها ومن تعود على القمع والإرهاب لا يمكن أن يكون ديمقراطيا .
وهكذا فشلنا ,أصبحت مؤسسات المجتمع المدني مخترقة وديكورا المستفيد الأول منها هم أنفسهم دعاة القمع والإرهاب والرأي الواحد ، وبذلك كتبت مؤسسات المجتمع المدني خاصة الأحزاب السياسية شهادة وفاتها السياسية بيدها عندما أصبحت تمول من الحكومة ناهيك عن ممارسة الديمقراطية الغائبة داخل تلك الأحزاب نفسها والأسباب كثيرة تحتاج لمجلدات ولا مجال لذكرها هنا .
وكيف أخطأت تلك الأحزاب ولماذا وصلت إلى ما هي عليه، وعندما هبت رياح التغير في المنطقة تهاوت تلك الأحزاب وإذا هي مجرد يافطات باستثناء التيار المتأسلم الذي كان حليف النظام التاريخي والذي أصبح له حسابه خارج الحدود وهناك حالة عداء بينه وبين الوطنية والقومية والديمقراطية اعترف بها قادته ومفكريه على مستوى المنطقة وأكدتها مسيرتهم على أرض الواقع .
وغياب الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني بشكل عام أفرزت للأسف على الساحة ما يسمى بالنشطاء حيث بعضهم سياراتهم ومحروقاتهم تأتيهم هبة من النظام وآخرين كتبة تقارير حيث تكاثروا كالفطر وطفحوا على حياتنا السياسية طيلة أحداث المنطقة وبعد ذلك اختبأوا في جحورهم في انتظار الأوامر الجديدة ولعل السياسة التي يمارسها هؤلاء النشطاء وللأسف بدعم بعض الدهماء من الناس والمزاجية في التعامل مع قضايا الوطن جعلت لدى المواطن حالة من اليأس السياسي ونجدهم ينشطون لصالح هذا عندما يكون محسوبا عليهم أو على جهة متنفذة ونجدهم في مجال آخر كالأرانب خاصة إذا كان التنكيل بمناضلين حقيقيين على أرض الواقع .
واسمح لنفسي بإزعاج القراء الأعزاء أن أذكر ما حدث معي شخصيا عندما تعرضت للقمع والإرهاب والتنكيل برزقي ودفعت الثمن غاليا على ضوء اعتصام مؤسسة الموانئ الشهير ولم أجد من نشطاء العقبة مثلا من وقف معي باستثناء عدد من الشخصيات المحترمة النقابية التي لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة ، في الوقت الذي نجد النشطاء إياهم أصبحوا صقورا لقضايا أخرى هامشية أو تافهة بشكل أكثر دقة .
لذلك فالخطأ والعيب ليس في النظام وحكوماته دائما ومن يتصدرون العمل العام في وطني للأسف أغلبهم دون المستوى المطلوب إذا أردنا بذلك استخدام لغة الدبلوماسية .
وعلى هذا الأساس كان لينين القائد السوفيتي الشهير محقا قبل ثورة 17 أكتوبر عندما منع قبل الثورة الدخول والخروج من الحزب الشيوعي لمدة عامين حتى تمكن من إزالة كل المتسلقين والطفيليين وكتبة التقارير من الساقطين .
وعلى ذلك نؤكد أن تقدمنا مرهون بإزالة الزوائد المتطفلة على العمل العام وغير ذلك سنبقى كالذي يزرع في البحر وينثر في الهواء ويحصد في العدم ، ودمتم ودام الوطن .