حول مسودة قانون الانتخابات البرلمانية الأردني

حول مسودة قانون الانتخابات البرلمانية الأردني

10-09-2015 11:55 AM

مقدمة


وان كانت مسودة القانون الذي قدمته الحكومة الأردنية ضمن الحلقة الأخيرة من رزمة الإصلاحات السياسية التي وعد بها رأس النظام لا زالت في اللمسات الأولى وان أمامها مشوار تشريعي طويل حتى تكون قانون واجب التطبيق - فالأمر  يحتاج إلى  تقديمه لديوان الرقابة والتشريع لإبداء الرأي حوله وضبطه ومن ثم تقديمه عبر الحكومة إلى مجلس النواب  لتعديله وإقراره ومن ثم رفعه إلى مجلس الأعيان غرفة التشريع الثانية  لإقراره وفي حال عدم إقراره ورده لإجراء التعديلات عليه  لمرتين حينها يجتمع مجلس النواب والأعيان بجلسة مشتركة وبرئاسة رئيس مجلس الأعيان ويتم  التعديل ويتم والإقرار والتعديل بأغلبية ثلثي أعضاء النواب والأعيان  ومن ثم يرفع للملك للمصادقة عليه ونشره في الجريدة الرسمية  وبعدها يكون ساري المفعول بعد انتهاء  المدة المحددة بمتن هذا القانون .


(1)     كلمة السر


القائمة النسبية المفتوحة هي كلمة السر في هذا القانون حيث أن هذا القانون بعيد كل البعد عن قانون 89 كما توهم البعض وهو اقرب إلى قانون الصوت الواحد لكنه قانون الصوت الواحد للقائمة الواحدة وليس للفرد، معظم القوانين تأخذ بالنظام المختلط  الفردي ونظام القائمة النسبية المغلقة أو المفتوحة ليكون الصندوق أكثر تعبيرا عن إرادة الأمة ، في حين أن القانون الحالي ذهب إلى القائمة النسبية المفتوحة ومنع الترشح إلا من خلال القائمة  وجعل آلية التصويت باختيار قائمة واحدة من ضمن القوائم وبعد ذلك يختار المقترع أي من الأسماء التي وردت من القائمة التي اختارها حصرا سواء اختار كل تلك الأسماء أو بعضها ويمنع عليه اختيار أسماء من قائمة أخرى ، وتم استثناء مقاعد الكوتا الدينية والعرقية من شرط الترشح عبر القائمة  إذ بإمكان هؤلاء إن يترشحوا بشكل فردي على الكوتا المخصصة لهم.


جرى تعديل على القانون من مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة باشتراط أن لا يقل عدد المرشحين على القائمة الواحدة عن 3 أشخاص .


وكما جرى وضع القانون بشكل مفاجئ على لائحة القوانين المدرجة  للمناقشة في الدورة الاستثنائية  وهذا يعطي مؤشر على أن مراكز عليا في الدولة تدعم نص المشروع وتريد إقراره.


ما هي القائمة المفتوحة ؟.


لتوضيح هذا الأمر نأخذ مثال للحديث حولها ، مدينة اربد في  شمال المملكة تم تخصيص لها  أربعة دوائر انتخابية  بمجمل عدد 17 مقعد ، نأخذ الحالة على دائرة قصبة اربد التي تم تخصيص لها 6 مقاعد وعليه كل من يريد الترشح على هذه الدائرة أن يشكل مع آخرين بقائمة انتخابية واحدة لا يقل عدد المرشحين فيها عن ثلاثة يخوضون المنافسة الانتخابية من خلالها وفي جميع الأحوال أن لا يزيد عدد المرشحين في القائمة عن 6 أشخاص وهي عدد المقاعد المخصصة  للدائرة .


لنفترض أن القوائم التي ترشحت 7 قوائم لخوض هذه الانتخابات بأسماء مختلفة وبرامج مختلفة وبأعداد مختلفة بما لا يقل في القائمة الواحدة عن 3 مرشحين ولا يزيد عن 6 مرشحين في جميع الأحوال .


لنفترض انه صوت في الدائرة الأولى القصبة كالمتوقع في كل انتخابات 200,000.00 ألف مقترع  وحازت الكتلة الأولى على 75 ألف صوت ، وحازت الكتلة الثانية على 50 ألف صوت ، وحازت الكتلة الثالثة على 35 ألف صوت وحازت الكتلة الرابعة على 15 ألف صوت وحازت الكتلة الخامسة على 12800 صوت وحازت الكتلة السادسة على 8500 صوت وحازت الكتلة السابعة 3700  صوت .


يتم تقسيم 200,000.00 صوت على عدد المقاعد المخصصة للدائرة وهي 6 مقاعد فتكون النتيجة .33,333.00 صوت ، فـ يتم إعطاء مقعد لكل من حقق هذه النتيجة  ويتم توزيع المقاعد على النحو التالي .


الكتلة الأولى تحصل على 2 مقعد والكتلة الثانية تحصل مقعد واحد والكتلة الثالثة تحصل على مقعد واحد.


يبقى 2 مقعد من المقاعد المخصصة للدائرة يتم توزيعها على الكتل التي اجتازت عدد 33,333.00 صوت ويتم التنافس بين الكتل بعدد الأصوات المتبقية الأقرب إلى جبر الكسر وهنا يذهب المقعد الخامس للكتلة الثانية إذا تملك16,667.00 وهو العدد الأقرب لجبر الكسر فتحصل على مقعد إضافي فيصبح الكتلة الثانية 2مقعد ، أما المقعد السادس فيذهب للكتلة رقم الأولى والتي  تملك عدد أصوات متبقية 8,334.00 وهو العدد الأقرب إلى جبر الكسر من الكتلة الثالثة التي تملك عدد أصوات متبقية 1,667.00 أما باقي الكتل التي حصلت أصوات اقل من.00 33,333 ألف تكون خارج  السباق الانتخابي.


هذا النظام يجعل كرت الدخول أو يمكننا أن نطلق عليها العتبة الانتخابية مجازا مختلفة ومتحركة من دائرة لدائرة أخرى - مع أنها ليست عتبة بالمعنى القانوني إذا أن العتبة الانتخابية تعني نسبة الحسم وأصوات القوائم التي لا تحقق نسبة الحسم تذهب للقوائم التي تجاوزت العتبة  بنسبة مئوية لما حققته من أصوات وهذا غير موجود في هذا النظام  - ففي مثالنا المذكور العتبة الانتخابية أو كرت الدخول هي  16.6 % من عدد المقترعين فيما لو كانت  للدائرة الانتخابية 8 مقاعد وصوت 155 ألف صوت سوف يكون كرت الدخول العتبة الانتخابية  .19.375.00 صوت وهو ما يشكل 12.5% من عدد الأصوات المقترعة في هذه الدائرة  ، إذ أن كرت الدخول آو العتبة الانتخابية سوف تكون مرتبطة بزيادة عدد المقترعين وعدد المقاعد وتتناسب معها طرديا وعكسيا .

(2)    كيف سيكون المشهد الانتخابي

الحياة الحزبية في الأردن حياة متواضعة جدا فلا يوجد حقيقة أحزاب لها امتداد قواعدي إلا حزب سياسي واحد وهو حزب جبهة العمل الإسلامي ليس لأنه يملك برنامج انتخابي تحمله الجماهير لتحقيقه بل لأنه امتداد لجماعة الإخوان المسلمين  شبه المنحلة قانونيا والتي يزيد عمرها عن سبعين عام في الأردن و التي تتبنى القضية الفلسطينية وتضعها على رأس سلم أولوياتها مما أعطاها قوة جماهيرية داخل المخيمات والمدن الكبيرة التي يقطنها  المواطنين من أصول فلسطينية  .

ضعف الحياة الحزبية وتواضعها يعود إلى  تفريغ مدن الإطراف من القوى الحزبية عبر عمل المؤسسات الأمنية المنظم خلال عدة عقود باعتبار مدن الأطراف والعشائر الخام للأجهزة الأمنية بجميع تشكيلاتها بالإضافة إلى تفريغ المخيمات من كل القوى الحزبية الأخرى  بعد إحداث السبعين وتفريغ الجامعات من الحركات الطلابية السياسية مما أدى إلى عزوف الشباب بشكل عام عن الحياة الحزبية كون المناخ العام للعمل السياسي غير مشجع وبذات الوقت انحسار المد اليساري في كل المنطقة العربية بعد منتصف الثمانينات وبداية التسعينات .

القانون الحالي هو قانون الصوت الواحد للقائمة الواحدة وليس للمرشح الواحد وبعد أن تم نشر توزيع المقاعد على المحافظات سيكون المشهد الانتخابي والتشكيلة البرلمانية والخارطة النيابية اقرب للمشهد التالي :-

لن يخرج اليسار الأردني بأكثر من مقاعد لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة محمولين على أسس عشائرية في مدن الجنوب وخاصة في الكرك ، فيما سوف يستأثر حزب جبهة العمل الإسلامي التابع لجماعة الإخوان الأم الشبه منحلة قانونا  بنصيب مؤثر لن يتجاوز في جميع حالاته 20 إلى 25 % من عدد المقاعد فيما سيكون لباقي الأحزاب ذات الجذور الإسلامية كزمزم تحت التأسيس والفضيلة تحت التأسيس والشورى وحزب حكماء الإخوان تحت التأسيس وحزب الوسط 5 إلى 7 % من المقاعد في أحسن حالاتهم كونهم  يتنافسون على أصوات المتدينين في المحافظات الكبرى إلى جانب حزب جبهة العمل المتجذر شعبيا عبر جماعة الإخوان الأم فيما تذهب بقية المقاعد للقوى العشائرية .

التنافس في المحافظات الكبرى سوف يكون بين القوائم التابعة للعشائر بتنسيق الأجهزة الأمنية والقوائم التابعة لحزب جبهة العمل الإسلامي ، ومن المؤكد أن حزب الجبهة سيكون الأقوى في تلك المحافظات ولكن سيكون للعشائر أيضا نسبة قد تقل أو تزيد عن النصف بقليل في تلك المدن  وخاصة في اربد والزرقاء ذات الثقل العشائري المؤثر أيضا .

مدن الأطرف الجنوبية والشرقية سوف تكون المنافسة فيها تقليديا بناءا على القوائم العشائرية وسوف يبقى العمل الحزبي خارج إطار التأثير إلا من مسحة يسارية خفيفة في الجنوب وخصوصا مدينة الكرك ووجود إسلامي معقول في مدينة العقبة  .

استحوذت المدن الكبرى الثلاث اربد الزرقاء عمان على 59 مقعد من أصل 130 مقعد وهو ما يشكل 45 % من عدد المقاعد ووفقا للقائمة النسبية المفتوحة لو استحوذ أي حزب على 50 % من عدد المقترعين في تلك المحافظات وهذا من الصعب بمكان لن يخرج بأكثر من 23% من عدد مقاعد مجلس النواب .

البرلمان القادم سيكون برلمان معلق سياسيا بالمعنى القانوني لا يملك به أي حزب آو قوى أغلبية برلمانية سيكون للقوى العشائرية نصيب الأسد وسيكون لحزب العمل الإسلامي الكتلة الأكثر تنظيما تحت القبة مع وجود خليط من المقاعد الإسلامية الأخرى  ونكهة ملونة من الأحزاب اليسارية والوطنية .
سوف يشهد البرلمان القادم على الغالب تشكيل حكومة برلمانية ائتلافية  حقيقية ناتجة عن التحالفات الحزبية والعشائرية وفق برنامج يتم صياغته تحت القبة  وان عجزت  المعارضة الإسلامية بكل أطيافها عن المشاركة في تشكيل الحكومة مع العشائر سوف تواجه الحكومة المُشكلة بدونهم تيار معارض قوي يجعلها تعمل بشكل حذر جدا مما يحسن الأداء الحكومي بشكل عام .

(3)    ما للقانون وما عليه

لا شك بان أي قانون أو أي مشروع سياسي لن ينال إعجاب الجميع حتى أن قانون الانتخاب الرئاسي الأمريكي  والذي افرز لأمريكا عظماء القادة في عمر دولتهم يواجه الآن موجة من الانتقاد والاتهام بالرجعية وعدم العدالة وهذا شان أي جهد بشري لكن يمكن القول بان أهم ما في القانون من ايجابيات أو سلبيات تنحصر بالتالي :-

أهم ايجابيات القانون

يعتبر القانون خطوة على الطريق الصحيح  في استعادة  الحياة الديمقراطية والتخلص من قانون الصوت الواحد الفردي.

القانون لن يعطي أي غلبة لأي من القوى السياسية  تمنحها الانفراد في الحكم  في ظل هذا الوضع الداخلي المتأزم وثقافة سنوات من تخويف الجميع من الجميع وهذه خطوة ضرورية مرحليا على طريق التدرج في الانتقال الديمقراطي ونشر ثقافة الشراكة السياسية كمرحلة أولى ومقدمة لحكم من يملك الأغلبية بعد نضوج باقي الأحزاب السياسية الأخرى .

القانون منح المقترع اختيار أي من المرشحين في القائمة التي صوت لها  فجمع بين الانتخاب على أسس التأييد الشخصي والتأييد البرامجي ، اختيار المقترع من القائمة من يريد من المرشحين سوف يجعل  فرص كل المرشحين في القائمة متساوية  للظفر في المقاعد  البرلمانية التي سوف تحصل عليه القائمة وبذلك نتخلص من المرشح المستأجر الذي يكون محلل ومعزز لفوز رأس القائمة فقط كما هو في القائمة النسبية المغلقة  .

القانون راعى معيار الجغرافيا والديمغرافيا في ذات الوقت وجاء تقسيم الدوائر معززا لذلك إذا منح تقسيم الدوائر المدن الكبرى الثلاث عمان واربد والزرقاء  45% من أعضاء المجلس  في الوقت الذي قدمت التقسيمات التطمينات لصانع القرار في الحافظ على الهوية الأردنية للدولة واستبعاد شبح الوطن البديل .

القانون جاء أكثر اهتمام في تغليظ العقوبات على الجرائم الانتخابية من تزوير أو استخدام المال السياسي  وذلك يساهم في تعزيز نزاهة الانتخابات .

أهم سلبيات القانون

القانون لم يشترط في القائمة المترشحة أن تكون حزبية لذلك  لن يكون القانون بيئة خصبة للفرز الحزبي البرامجي وستكون الأغلبية في المجلس للقوائم العشائرية المناطقية الغير برامجية .

القانون وضع شرط لمن أراد الترشح أن لا يحمل جنسية دولة أخرى ولم يقل دولة أجنبية ، قانون الجنسية الأردني فرق بين الجنسية العربية والجنسية الأجنبية مما سيثير مشكلة قانونية وجدلية ستصل إلى أروقة القضاء للطعن في صحة  ترشح المواطنين الأردنيين من حملة الجنسية الفلسطينية ( البطاقات الصفراء )بعد أن اعترفت الأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية كعضو مراقب .

القانون قدم نقلة نوعية وخطوة كبيرة على طريق الإصلاح بعد أن تنضج الحياة الحزبية لكنه بالتأكيد لم يصل إلى الحد الذي  يتم من خلاله تداول السلطة بين الأحزاب في المستقبل إلا إذا تم تطويره واشترط أن يكون تشكيل القائمة بمرجعية حزبية فقط بحيث لا يمكن قبول القائمة إلا إن كانت تمثل حزب سياسي  .

وجود الكوتا النسائية والكوتا الدينية والعرقية  يمكن أن يعرض القانون للبطلان الدستوري  وهذا يهدد استقرار وديمومة المجلس ويجعل البطلان سيف مسلط على رقبة المجلس ودوره الرقابي والتشريعي إلا إذا عرض على المحكمة الدستورية قبل إجراء الانتخابات وتم إجازته  .

اخطر ما في الأمر ان القانون جعل تقسيم الدوائر وتوزيع المقاعد من اختصاص مجلس الوزراء وهذا يجعل الخارطة الانتخابية متغيرة من دورة لدورة حسب ما يقرره مجلس الوزراء مما يفقد الحياة السياسية استقرارها والانتخابات البرلمانية قدرتها على التأثير وصنع التغيير  .

من كل ذلك يمكن القول بان القانون جيد مرحليا ويمكن أن يعتبر خطوة أولى يمكن البناء عليها في وجود مستقبل سياسي متقدم للأردن لكنه قانون يحتاج تطوير يضمن تقدم الحزبية البرلمانية متزامنا ذلك مع فتح المجال لبناء حياة حزبية حقيقية تقدم ما يساعد هذا الوطن في الخروج من أزمته التي دامت عقود   .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد