صادفته ذات مرة وهو يركض هنا وهناك في إحدى ازقة عمان القديمة تملأ وجهه اللهفة والخوف على الوطن وقد كان يحمل بيديه النحيلتين علما اردنيا ويلف رقبته التي تحمل راسه المليء بالوعي بشماغ اردني عتيق يحميه من البرد ويوضح رسالته الني يحملها .
كان ذلك في إحدى المسيرات الشعبية التي خرجت قبل عدة سنوات وللصدفة فقد حملت واياه يافطة صغيرة كتب عليها : من اجل تراب الاردن خرجنا .. لخصت هذه اليافطة القصيرة بحجمها الكثير من المسائل بيني وبينه وقربت المسافات لانها بالفعل عبرت عما يدور بخلدي وخلده بل لقد استطعنا ان نزيل الكثير من الحواجز والفروقات والخلافات التي صنعوها لنا لنبقى فرقاء لا نلتقي شمالي وجنوبي ووسطي وبدوي وفلاح وغيرها من تلك الشروخ التي تهاوت امام اخوة الدم والهم والوطن الذي كان يجري بعروقنا ..
تخرّج راني الزواهره الذي له من اسمه نصيب ( راني من رنا وهو الشخص الذي يقوم بالصعود للاعلى او الوقوف فوق الشيء المرتفع) من الجامعة الاردنية قبل سنوات بتقدير ممتاز وكان يحلم بان يأخذ فرصته في الحياة وان يصنع لنفسه ولوطنه مستقبلا كان يراه ويحلم به ولكنه إصطدم بواقع مرير مؤلم فالوظائف والفرص في هذا الوطن لاتخضع فقط للكفاءة والابداع بل تحتاج لاكثر من ذلك بكثير وكان يتألم حينما يرى بام عينيه ويسمع عن ابناء مسؤولين يتم تعيينهم في وظائف وهم طلاب على مقاعد الدراسة في اوروبا وغيرها بينما هو وابناء وطنه من ابناء الحرّاثين ممن لا ظهر لهم كانوا ينتظرون سقوط الفتات من ايدي هؤلاء القوم الذين اتوا على كل شيء احيانا كثيره كان يذهب للجامعة وهو حتى لا يمتلك ثمن مايسد به رمقه بينما كان يرى ابناء الحيتان يركبون افخر انواع السيارات وتدفع التزامالتهم المالية عبر شيكات قبل بداية السنة.
كان يقول في داخل نفسه انها من اموال الشعب ومع ذلك فلقد كان يقول داخل نفسه دائما وابدا الحمد لله انني انتمي وانتسب لعائلة فقيرة عفيفة وليس لعائلة فاسده غنية .. ما ميز راني عن زملاءه وماجعله انسان مكان احترام وحب من كافة من عرفه انه كان شابا بدويا يافعا يتقد وطنية وانتماء لتراب وطنه الاردن وكان اذا ذكر اسم الاردن لمعت عينيه واهتزت مشاعره واصابته حماسة كبيرة فلقد كان الاردن يعني له كل شيء .. وكان هم الهوية الوطنية الاردنية وحمايتها من العبث اهم المرتكزات التي ساقته للخروج للشارع مثلما كان يخشى على فلسطين المحتلة من ان يتم طمس اسمها وتصفيتها بالكامل ضمن مخططات مشروع الوطن البديل الذي تسعى لتنفيذه الصهيونية العالمية والمتصهينيين معها فقلت في نفسي لو لم تكن من حسنة للحراك الاردني إلا انه عرفني على راني الزواهره فهذا يكفي ....
اليوم راني الزواهره يحاسب على وطنيته واخلاصه لوطنه ويتم نبش دفاتر قديمه لايذائه بعد ان تم الزج به في السجون حيث انهى محكوميته منها قبل مدة قصيرة وقد نسي هذا المسؤول الذي يعتقله ان الشهيد وصفي التل رحمه الله تعالى والذي يمثل لراني الزواهره الرمز والهوية قام فور استلامه لمنصب رئاسة الحكومة بحرق جميع ملفات المواطنين الامنية لتحريرهم من الخوف والمساومة والابتزاز وليبدأوا مسيرة البناء ولا ادري ماهو المطلوب من راني الزواهره ورفاقه هل هي مسألة كسر عظم واستبسال بالإيذاء ام انه هنالك من يدفع ببلادنا من داخل اجهزة الدوله للمواجهة والتصادم مع ابنائها المخلصين .
انا ارى انه هنالك ايدي خبيثه تعبث في الوطن وتسعى للخراب ولا ترتاح وهي ترى اي شكل من اشكال التقارب والحب والتفاهم بين جميع الاطراف هذه الايدي السوداء ترتفع اسهمها بازدياد الشرخ ويزيد فسادها واستيلائها على المقدرات والنحر بهوية الوطن وايذاء اهله وبالتالي تمكنها من كل شيء حتى لو تدمّر كل شيء فقد غيرت هذه الفئة الضالة المتطفلة بوصلة اصحاب القرار داخل الدولة الاردنية ووجهتهم الى الجهة الخاطئة من المشهد وصوّرت لهم ان امثال راني الزواهره ورفاقه هم العدو الاول وان سجنهم وايذائهم وملاحقتهم يخدم البلاد والعباد وان اللصوص والفاسدين والطرداء اصحاب اللون الرمادي هم المخلصين واصحاب الشرعية والوطنية .. اليست مفارقة عجيبة ؟؟؟!!!!
اتمنى ان اجد مسؤول وطني يفهم كلامي ويأخذه على محمل الجد وان يعي ان امثال راني الزواهره ورفاقه داخل السجون هم ابناء وطن يستحقون ان يوضعوا على الاكتاف لا داخل المعتقلات والزنازن وان يعطوا فرصا للبناء فالاوطان لن تنهض ابدا ما دامت تقتل زهورها بايديها ..
مواطن اردني من إحدى شعاب هذا البلد الصامد