في آخر حلقات الأستاذ الكبير وفقيد الصحافة العربية والعالمية محمد حسنين هيكل التي سجلها مع قناة cbc الرئيسية ضمن عدة حلقات ممتدة مع الإعلامية المعروفة لميس الحديدي والتي حملت عنوان (مصر أين والى أين) وحواره الطويل (تجربة حياة) مع قناة الجزيرة التي لم تكتمل بسبب الأحداث الأخيرة ، تلك الحلقات وغيرها من إمضاءات هيكل ستبقى علامات مميزة ومضيئة لهذه القامة الكبيرة التي فقدناها والتي احترمت نفسها وأجبرت كل من اختلف أو اتفق معها على احترام صاحبها .
كثيرة هي دروس الأستاذ الكبير وفقيد الصحافة العربية والعالمية للأجيال ولكل صحفي في بلاط صاحبة الجلالة ، لقد استمد الأستاذ الكبير مصداقيته من الجماهير العربية بالأغلبية الساحقة وفي العالم من خلال أسلوبه المتميز الرشيق حيث كان يخاطب الجماهير ببساطتها وليست النخب السياسية بتعقيداتها حيث بعضها عفا عليه الزمن ولكنه استمر لحالة التصحر السياسي الذي يعاني منه وطننا العربي الكبير .
لم تخن الشجاعة الأستاذ الكبير يوما وقال (لا)، في الوقت الذي صمت الجميع في كل العهود والعصور ، ورغم أنه ابن ثورة 23 يوليو ومؤرخها والمشارك في انجازاتها والمحذر من إخفاقاتها ولكنه في نفس الوقت أول من أشار لتجاوزاتها حتى في عهد الزعيم جمال عبد الناصر الذي كان فقيدنا الكبير أقرب المقربين إليه وأطلق على تلك التجاوزات عبر زاويته الشهيرة (بصراحة) تحت عنوان (زوار الفجر) في جريدة الأهرام التي كانت إحدى أهم الصحف في العالم مبيعا بعد أن رأس تحريرها فقيدنا الكبير عام 1956 م .
وبعد رحيل الزعيم جمال عبد الناصر لجوار الله وقف الأستاذ الكبير لجانب خليفته أنور السادات حتى نهاية حرب أكتوبر والذي اختلف مع السادات في طريقة أدائها رغم أنه أي الأستاذ من كتب بيانها العسكري والخط الاستراتيجي لتلك الملحمة ولكنه اختلف مع السادات على كيفية إدارة نتائج تلك الحرب وأثبتت الأيام وبأحرف من نور صحة ما حذر منه الأستاذ الكبير والجريمة التي اقترفها أنور السادات التي لا زالت الأمة وفي مقدمتها مصر تدفع ثمنها حتى اليوم.
لقد كان الأستاذ الكبير محمد حسنين هيكل رحمه الله أهم القامات السياسية والإعلامية في وطننا العربي والعالم أجمع ويحسب للأستاذ تسجيله الأمين لأحداث المنطقة وحماية تاريخ أمتنا العربية ومصر تحديدا من التزوير .
فقد أجمع الكثير من المهتمين بالشأن العام وحتى المختلفين مع الأستاذ من المنصفين بأنه لولا الأستاذ الكبير لتم تشويه أهم المحطات السياسية في وطننا العربي الكبير وخلال مسيرته الطويلة الممتدة لأكثر من سبعة عقود اختلف معه الكثيرون خاصة من كتبة السلاطين والبترودولار واتفق معه الأكثر ولكن أجمع كل منصف من الفريقين على احترام قامته وقيمته حتى أصبح يضرب باسمه الكبير المثل .
وما أكتبه هنا ليس رثاء للأستاذ الكبير ولكنه لمسة وفاء لمفكر ومؤرخ وصحفي وأديب ساهم في صناعة وعينا السياسي ، وكاتب هذه السطور الفقير لله يدين للأستاذ الكبير بتوسيع فكره ومعرفته وثقافته على امتداد ثلاثة عقود من الزمن ، وأعتقد أن التاريخ سيقف طويلا أمام هذه القامة التي فقدتها الأمة العربية والإنسانية ، وكان رحمه الله كلما تقدم به العمر زاد عطائه السياسي والأدبي والفكري .
لقد رحل وهو في الــ93 من العمر ولكن عندما كان يتحدث تشعر أنك أمام ذاكرة أمة فقد وصفه المؤرخ والبروفسور المعروف ( ستيفن رانسيمان) بأن التاريخ لدى الأستاذ الكبير محمد حسنين هيكل له آذان وعيون .
رحم الله فقيد الأمة العربية والإنسانية وذاكرتها التي لا تموت الحاضر الغائب محمد حسنين هيكل الذي اختاره الله لجواره وسيكون في رحاب صديقه الحاضر الغائب الزعيم جمال عبد الناصر .
تعازينا الحارة لأسرته ولكل الصحافة الحرة في وطننا العربي والعالم أجمع ،فقد كان الأستاذ الكبير فقيد الجميع .