تسارعت تغريدات المتعلمنين منذ اللحظات الأولى التي أُعلن عن عملية دهم أمنية نفذتها قواتنا الباسلة في عروس الشمال، لتتهم الأردن بشعبه وناسه الطيبين بأنهم محاضن إرهابية ولا بد من تطهير الواقع من الإرهاب الساكن فيهم.
ولكن الحقيقة غير ذلك فالإرهاب طارئ على وطن عرف الحب والتسامح والتآلف والتشارك والتناغم بين كافة مكوناته لعقود مضت وأعوام خلت، حتى عندما نزفت بعض القروح الدامية في أوقات عصيبة وجدنا من يضمد الجراح ويداوي القروح بأيدي سحرية مسحت ما تبقى من غبار الرجعية في الفكر والفئوية في النظر، ليعود الأردن سليماً معافى كما عهدُنا به موئلاً للأحرار وخندقَ الدفاع الأول عن الأمة وعروبتها.
ولعل في كلمات البعض التي بدت تتشابك مع حالة مأزومة في المنطقة ككل يظن فيها الصائدون في الماء العكر أنهم وجدوا ضالتهم المنشودة وجاء الوقت ليمارسوا طقوسهم القهرية بطبيعة الأيدلوجيات الفكرية التي ينتمون لها بعيداً عن خطى الإسلام العتيد والقومية الرشيدة، فأخذوا ينبهون إلى المساجد على أنها بؤر خطر وأماكن تهديد، لكننا نرد عليهم فريتهم ونقول لهم إن المساجد هي صمام أمان لا مكان فيها للشر أو الكراهية أو الإرهاب.
لذا فإن العاقل الفاهم عليه أن ينظر بعين مبصرة وعقل رشيد أن هذه المساجد لا بد أن تولى عناية أكبر لأنها المكان الذي يقصده الغالبية الساحقة من المسلمين في جميع أوقات اليوم وعلى مدار الأسبوع، وذلك من خلال مراجعة المنظومة الدعوية والإرشادية التي تُتَبع في مساجد المملكة بشكل كامل، حيث إن الناظر في طبيعة العمل الدعوي في المساجد يجده يتمحور حول خطبة الجمعة والتي تفتقر في العديد من المساجد للكفاءات الحقيقية التي يجب أن ترتقي المنبر.
لذا نجد أشخاصاً لا وزن لهم في العلم ولا في المجتمع يقفون يوم الجمعة يقرأون خطبة هم أنفسهم لا يملكون آليات لتنفيذ بنودها، وعندما يعودون لحياتهم العادية لا يراهم الناس في الغالب ممن يطبقون هذا الهدي الذي تفضلوا به عليهم....
وهنا أجد نفسي كمواطن أردني وكمسلم غيور على ديني ووطني ومجتمعي أن أقرع ناقوس الخطر في وجه القائمين على عملية الإرشاد في المساجد من الذين يضعون الخطط ويرسمون التصورات، أن يستدعوا الجمع الغفير من علماء الأردن ويطلبوا منهم بشكل مباشر أن يعملوا على توجيه الخطاب الديني في المساجد، ذلك الخطاب الذي يكون بمثابة الدواء الوقائي من أفكار المتطرفين والمنحرفين والموتورين ممن يزعمون أنهم يحملون فكراً أو لهم اتجاه معين.
فعندما يرتقي العلماء المنابر سيغيب كثير من أولئك المتخفين تحت أستار الظلام، والذين لا يرون في الواقع إلا فرصة لتحقيق أطماعهم أو التنفيس عن أحقادهم وسط هذا المجتمع الآمن المطمئن...
لذا فإنني أناشد جلالة الملك عبد الله الثاني حفظه الله ورعاه أن يطلق هذه المبادرة وأن يضطلع بهذه المهمة الجسيمة –كما عهدناه دائماً- لأن أهميتها لا تقل بشيء عن أهمية الحضور الأمني والعين الساهرة، حيث إن تحصين العقول والقلوب أهم من تحصين الدروب والحدود، فالمواطن الواعي العارف المدرك المتمسك بمرجعياته الدينية من العلماء والمفكرين الأفذاذ، وقيادته السياسية الرشيدة هو بالفعل رمانة القبان –كما يقال- في استمرار الأمن وديمومة الازدهار، جنباً إلى جنب مع نشامى الوطن وحماة الديار، حمى الله الأردن عزيزاً مصاناً بعيدا ًعن كل الشرور، رحم الله شهداءنا الأبرار وأسكنهم فسيح جناته.