عندما قرأنا أسماء من قتلوا في الحملة الأمنية الأخيرة فوجئنا بأنهم أردنيون وأبناء عائلات لها حضورها في الوطن، تملكنا الاستغراب لحظات والدهشة كذلك، لكن السؤال الذي بات يلح على كل متابع لهذا الأمر: أين دور المجتمع والدولة في حماية الشباب؟ .
أين دور العشيرة والأسرة المدرسة والجامعة والمركز الأمني؟ ألم يتعرف أحد فيما مضى من أيامهم وهم بين أهليهم إلى أنهم ينزلقون صوب الهاوية؟ ألم يسمعهم ذووهم وجيرانهم وهم يتحدثون ولو بصمت عما يدور في خلدهم؟ ألم يجدوا في أغراضهم وبعض تصرفاتهم ما يثير دهشة أو يفتح باب الاستغراب؟ ....
أسئلة كثيرة يمكن أن تطرح لكنني اليوم في مقالي هذا لا أدق ناقوس الخطر فقط – كما في مقالي السابق: الأردن خط أحمر والمساجد صمام أمان- ولكني ألوح بالاتهام لمجتمع بكامله يعيش فيه أفراده ولا يشعر بعضهم ببعض، وألقي باللائمة على أولئك الذين يتصدرون الجاهات في الصلحات والعطوات العشائرية لأقول لهم أين أنتم من هموم مجتمعاتكم وآهات أبنائكم وهم ينسلون من عباءة الوطن ليكونوا خارجين عن اللحمة بعيدين عن شرف العروبة وميثاق الإسلام. أين أنتم وهم يحتفلون بصمت بموت آخر مشاعر الرجولة في نفوسهم وحسن الجوار وطيب المعشر تجاه من يساكنونهم ويشاركونهم الماء والهواء والتراب؟ أين أنتم...؟
أين نحن جميعاً منهم؟ أين الدعاة الذين ينمقون الكلمات ويظهرون على الشاشات؟ أين المعلمون الذين يقولون أنهم حملة مشاعل الحرية والتنوير معاً؟ أين الأجهزة الحكومية بمختلف اختصاصاتها من اقتفاء أثر أولئك لا من أجل أن يضعوهم في السجون ولكن من أجل أن يعيدوهم إلى رحابة الحياة وفسيح الإنسانية؟ أين هي الأجهزة الحكومية التي تعمل ليل نهار ليس فقط لإحباط مخططاتهم بل إلى تحويلهم إلى جنود للوطن ودرء الفتنة وقتل الغدرة قبل أن يفكر أولئك بأن يكون في ذلك الصف أو ذاك؟...اليوم ونحن نقدر للأجهزة الأمنية بكافة طواقمها ما قامت به من حرفية واقتدار نتيجة سهر وتعب ومراقبة وتعقب، أقول كذلك لهم: إن ثغرة في منظومتنا الأمنية اتسعت حتى وصل الخارجون على الدين والعرف إلى شبابنا الذين ولدوا منا ورضعوا حليب أمهاتنا وأكلوا خبزنا ودرسوا على نفس مقاعد دراستنا، وشموا هواء إربد العليل وعبير الأردن الجميل، وتنسموا ذكريات اليرموك العذية والكرامة الشذية. نعم إن الخرق الأمني كان كبيراً لو استطاع أولئك أن ينفذوا عملياتهم، لكن الخرق الأكبر والأخطر هو : كيف وصل (الدعاة على أبواب جهنم) إلى ابنائنا أولئك؟ كيف اخترقوا دفاعاتنا المحصنة بالدين والعرف والأسرة والعشيرة والأجهزة الرسمية؟ ....لن استطرد كثيراً...ولا احترف اللوم كما لا احترف التنظير، ولكني أقول: لا بد من مراجعة المنظومة الوطنية لا المنظومة الأمنية، لأنه لا يوجد ما يسمى بالمنظومة الأمنية بعيداً عن المنظومة الوطنية، فدور الأسرة والعشيرة والحي والمجتمع والمدرسة والمركز الأمني والجامعة والحكومة وكل شيء...حتى المارة في طرقاتنا يجب أن يتحملوا المسئولية، لأنه حتى للطريق على المارة حق، ومن حقه إن نميط الأذى عنه، فما بالكم إذا كان الوطن هو المهدد والمعني بالخطر....أقولها وللمرة الألف: لا بد من مراجعة المنظومة الوطنية في التعليم والتربية والعيش الكريم والكرامة!!! فلن يتمكن الأعداء من اختراق حصوننا إذا ما تم تأمينها بالصورة المناسبة....فيا سيد البلاد كما عودتنا وأنت حامل مشعل الكرامة والحرية لأمة...الوطن كله يناديك لتحمل مشعل التجديد والتصويب لهذه المنظومة، حتى تصبح أكثر شمولية وأعمق أثراً في بناء جيل الشباب، وقود معركة التحرير والبناء والتنمية، لأن الخطر الداهم لا ينفع معه قولة القائل: يا ريت....حمى الله الأردن تراباً وشعباً وقيادة....وكل بلاد المسلمين...وأدام نعمة الأمن والأمان...