استطاعت مبادرة زمزم - التي تتحول إلى حزب سياسي حاليا - أن تخرج من شرنقة المناطق الرمادية في الطرح ، حددت زمزم بوصلتها بوضوح،زمزم من طين هذا الوطن وتعمل لهذا الوطن قامت بترسيم علاقتها مع مؤسسة القصر بخطاب واضح لا يشوبه شائبة وتكلمت بوضوح بان القصر ورأس النظام هو الضامن للسلطات في هذا البلد ، حددت موقفها من الديمقراطية بصورتها الغربية بوضوح وأنها تؤمن بالديمقراطية والتعددية إيمانا مطلقا دون تحفظات لديها، بوصلة واضحة حول المرحلة الانتقالية والتي ترى أن الأردن يعيشها حاليا وان مفهوم التشاركية لا المغالبة هو الأصل في هذه المرحلة التي قد تمتد لسنوات حتى تتحول الدولة إلى الاستقرار الديمقراطي حينها يكون دور المغالبة وحكم حزب الأكثرية ، لم تماري في موقفها من تسخير الايدولوجيا الدينية في العمل السياسي ورفضتها بالمطلق وتبنت مدرسة البرامج على مدرسة الشعارات موقفها واضح من دور المرأة ودور الشباب وطرق ووسائل الإصلاح زمزم عالجت المربعات والخطابات الرمادية إلى الوضوح بكل شفافية وجرأة وخطى ثابتة .
استطاعت زمزم أن تحقق انجازا لافتا من خلال اللقاء التحضيري الذي عقد في قصر الثقافة مساء السبت الماضي كثافة الحضور وتنوع الحضور والنخب السياسية كان مؤشر أولي على قدرة زمزم وإمكانية النجاح ، إلا أن زمزم الآن أمام تحدي كبير جدا لن تخرج منه إلا إذا تجاوزت في بناءها الحزبي حاجز 5000 عضو كحد ادني من شتى الثقافات والمناطق والطبقات الاجتماعية قبل أن تشارك في أي عمل عام أو تنطلق في تطبيق أي برامج لها وهذا التحدي هو الذي يجب أن يؤرق القائمين على زمزم ويشغل حيز كبير من عملهم .
تبدو الجامعات ومدارس الثانوية البيئة الخصبة والتربة السخية التي يمكن أن تتمدد بها زمزم لتمد هذا الحزب الوليد بالروح والطاقة والنجاح والدافعية والاستمرارية إذا ما أرادت زمزم أن تنهض بمشروع وطني جامع ينقذ الأردن من الحال التي يعيشها ففي شباب الجامعات الحماسة والعزم وشدة الإيمان بالأفكار وسعة الأفق والثقافة والتخطيط للمستقبل .
بدايات التأسيس تفرض على زمزم اليوم أن تتحول بمعظمها إلى قسم للتنظيم والتعبئة الحزبية قسم يعمل بلا كلل ولا ملل بجدول زمني محدد في الوصول إلى الحد الادني للانطلاق لأي عمل عام في المجتمع بحد أدنى لا يقل عن حاجز 5000 عضو عامل ونشيط .
قد يكون من الأفضل لزمزم مرحليا فتح المقرات الخاصة بالحزب أمام كل جامعة أردنية من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب وتحويل المقرات الحزبية إلى مقار للتنظيم والتعبئة الحزبية وتكوين الأسر الحزبية من الجميع طلاب والطالبات ، اسر وخلايا حزبية تنعقد بشكل شهري وفق تسلسل تنظيمي يضمن الارتقاء والتأهيل السياسي بالأعداد المنضوية تحت هذا الحزب وتكون الانطلاقة الأولى للعمل العام في زمزم من باحات الجامعات واتحادات الطلبة ثم التدرج خلال عقد كامل للمشاركة في كل المواقع السياسية في هذا البلد .
قد لا يفوت صناع القرار في زمزم أن المشاركة في الانتخابات البرلمانية في الخريف القادم قد يكون له مضار أكثر من المكاسب إذا ما كانت قواعدها الحزبية تحت حاجز 5000 شخص، وان أي إخفاق في تحقيق مكاسب مؤثرة في مجلس النواب سوف يعمق الانطباع والتفكير القائم عند كثير من المترديين والجالسين على مقاعد الانتظار بأن مصير زمزم سيكون مصير الوسط الإسلامي نخب سياسية معزولة عن القواعد الشعبية وهذا فخ على زمزم أن تعيه وتتجنبه فالانطباع الأول أكثر انطباع مؤثر ويرسم النجاح والفشل ويحدد المصير والمستقبل عادة .
زمزم اليوم يتعلق بها مصير تجارب الانفتاح والتنوير التي تخوض معارك شركة مع المدارس التقليدية المحافظة التي تقعد للخطاب المنغلق المتخوفة والمتوجسة والمخونة لكل ما هو حولها ومشككة فيه .
إن نجحت زمزم نجح المشروع المدني الإصلاحي وتقهقرت المدرسة التقليدية وكان لنجاحها شرارة نور سوف تنتشر في بلاد الشرق عموما بعد أن نجحت في دولتين من المغرب العربي تونس والمملكة المغربية .