أعرف لماذا سمي الحمار وحشيًا

mainThumb

09-04-2016 09:58 AM

أمضيت الأيام القليلة الماضية في متعة لا أعرف اسمًا أو وصفًا لها، سوف أسميها «متعة الخلق» فقط لغرض التحديد. ساعات من مشاهدة أفلام وثائقية عن حرمة الكائنات والمخلوقات في البر والجو وأعماق البحار. وفي هذه الأعماق مئات، وربما ألوف، وربما ملايين، وربما مليارات «الأنواع» التي تقضي حكمة الخلق أن تعيش تحت المياه، بآلاف الأشكال وملايين الألوان، ومنها سمك يحمل منفردًا جميع ألوان الطيف.
 
 
وكدت أدمع وأنا أرى قردًا أبيض، ضخم البنية، يقبّل مولوده في حنو هائل. وتأملت كيف تحرس النمور جراءها في وكر معين، وتدربها على البحث عن قوتها ولا تتركها إلا وقد تأكدت من أنها بلغت سن الصيد. ورأيت طيورًا تصنع أعشاشًا لصغارها فوق الأغصان في هندسة جميلة، دقيقة، صحية، بيئية، خفية عن الأعداء، في مهارة فائقة.
 
 
ورأيت دبًا صغيرًا يهاجم أفواجًا من الفقمة، لكن هذه استدارت عليه وأصابته بجرح قاتل. ماذا فعل؟ ذهب إلى مقربة وحفر لنفسه حفرة على مقاسه واستلقى فيها، ينتظر موته بعيدًا عن أي إهانة. موت الدببة والمعتدين لا يحزن. لكني تمنيت لو لم أرَ مشهد ذلك الحيوان الأكثر نبلاً من البشر.
 
 
ورأيت صحراء قاحلة بلا نهاية في أميركا الشمالية، وكثبانًا ورمالاً تنهك الحيوان في عبورها. حر حارق، وفضاء خال، ورمال بيضاء بلا زرع، بلا نبات، بلا شجر، بلا حياة. ثم فجأة تهطل مطرة هطول، وتحفر المياه لنفسها مسرى يعدو بسرعة، وتوحل الرمال ويصير لونها داكنًا، وبعد أيام تخضر الصحراء وتنبت الزهور بألوان مثل مهرجان للأطفال، وتنتشر في الأرض الحارقة حياة بألف لون وألف ألق.
 
وشاهدت القطب الشمالي على أبواب الربيع. ثلج وجليد وخواء أبيض. ثم يأتي الربيع ويذوب الثلج في الأعماق وتخضر الأرض على مدى الأرض، وتصل الطيور المهاجرة في موعدها قاطعة آلاف الأميال بأجنحتها المجردة.
 
 
وشاهدت حمارًا وحشيًا يقتل، رفسًا بقدميه، الجرو الذي وضعته «زوجته» لأنه شك بأنه ليس ابنه. عبثًا تدافع الأم عن الوليد. الآن عرفت لماذا سمي وحشيًا. ليس بسبب خطوطه، بل بسبب همجيته. «جريمة شرف» مثل التي تحصل في السويد عندما يرفض الأب العربي زواج ابنته من وحش سويدي، فيجتمع عليها مع أشقائها ويذبحونها عند العتبة، ويسلم الشرف الرفيع.
 
 
صحيفة  "الشرق الأوسط"


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد