مرثية

mainThumb

25-04-2016 09:26 AM

.. ولأن الرثاء أصدق أغراض الشعر ، لما فيه من صدق وألم وتألم ، ‏ولتجرده من المصلحة الدنيوية الزائفة ، فإنه يستهوي شريحة واسعة ‏في مجتمعنا .. ولأنني من هذا المجتمع فقد استهوتني هذه المرثية ، ‏ولأنه لا مفر أمامي فقد تركت ما حولها من مغريات وأخذت أقرأها كلمة ‏كلمة فطاب لي التلذذ بالألم .. وكنت أتوقف عند كل كلمة ، وعند كل جملة ‏، وعند كل معنى لأزداد تلذذا وتألما ..‏
 
وكنت أتوقف عند كل كلمة ، وعند كل جملة ، وعند كل معنى ..يسقط في ‏حفرة .. أنينك .. القاع .. الراية المنكسة .. النجم الذي هوى .. والنجم ‏الذي انزرع لموتك في السماء ( كما تقول الأساطير اليونانية ) آخر ‏الجياد على الأرض .. والكبوة القاتلة .‏
 
والحقيقة أن المرثية لم تترك جملة همّ نبيلة إلآ وأتت على ذكرها ولم ‏تترك تعبيرا من تعابير الأسى والحزن إلاّ وأثبتتها ..هذه المرثيات وإلا فلا ‏حين انتهيت من قراءتها ، نظرت إلى أعلى ساهما فإذا بصورة الشاعر ‏تستوقفني طويلا  كانت الصورة ملونة وكان الشاعر يبتسم ابتسامة ‏عريضة ملأت صفحة وجهه ولأنني من المتلذذين بالألم وبكافة فروعه ‏أحسست بالغضب الشديد فهل ما قرأته كان زيفا ؟ ‏
 
وأنا أقرأ المرثية كنت حزينا فلماذا لا تتوافق صورة الشاعر مع حزن ‏الكلمات ؟ولكنها مجرد صورة .. وحتى لو كانت مجرد صورة أليست ‏تعبيرا عن حالة ما .‏
 
ربما لم يرسلها الشاعر مع هذه المرثية .. ربما أخطأ المحرر بوضعها .. ‏وحتى لو أخطأ .. هناك هوة سحيقة بين ابتسامة مشرقة وبين مرثية ‏تقطّع الأكباد حزنا وأسفا وهمّا ..لتكن ما تكون .. أليست كلمات المرثية ‏صادقة ‏
لا.. لقد اختلفت الصورة في ذهني الآن .. إن كلمات المرثية تعوم الآن في ‏ذهني كما لو كانت متناثرة على سطح بركة ماء مضطرب ، لم تعد كما ‏قرأتها أول مرّة .. هناك تنافر تام بين الشكل والموضوع .. أذكر أنني ‏قرأت ذات مرة عن الإنسجام والتوافق والمواءمة ولكن متى ؟ ربما والله ‏وحده العالم كان ذلك قبل أن نحرق في الذاكرة تاريخنا ، وما نشأنا عليه ‏وبعض الذي كنا نتشبث به .‏


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد