في السابع عشر من نيسان الجاري مرت على وطننا العزيز الذكرى الثامنة والعشرين لانتفاضة 17 نيسان المجيدة عام 1989م ، في ظروف متشابهة ، وكأن تلك الانتفاضة التي كان شعبنا سابقا لأشقائه في طلب الإصلاح والتغيير الديمقراطي ، وكانت انتفاضة وطنية حقيقية على الفساد والإفساد والاستبداد حامي كل تلك الآفات وان حملت عناوين ذات مفهوم معيشي كالاحتجاج على رفع الأسعار وزيادة المديونية وحكومات الفساد ، وطالبت تلك الانتفاضة بأن يكون الشعب هو مصدر السلطات كما ينص الدستور المهمش والممنوع من المداولة ممن يدعون الحرص عليه وحتى وهم موجودين بموجبه .
إذا شعبنا لم ينتفض يوما بأجندات خارجية كما تدعي السلطات دائما في اتهام كل تحرك جماهيري بأن خلفه أيدي خارجية ، و انتفاضة 17 نيسان انتفاضة أردينه وصرخة وطنية على وطن فقد بوصلته وسياسات قاصرة قادتنا للهاوية وقاع الطريق محذرة من استمرار هكذا نهج ، وسرعان ما استجاب النظام لمطالب الشعب الإصلاحية وأعلن ما عرف بالهامش الديمقراطي وان أفرغه من مضمونه وذلك بإعطاء رخص للأحزاب لممارسة العمل السياسي بموجب قوانين حددتها السلطة ذاتها ، وإلغاء ما عرف بالأحكام العرفية كما ادعوا وشهد الوطن في البداية حالة من الانتعاش السياسي وأفرز برلمان الحادي عشر وهو من أفضل البرلمانات في تاريخ الأردن بعد برلمان 1956م .
ولكن للأسف سرعان ما أفرغ كل شيء من مضمونه ، وإذا الأحزاب السياسية يراد لها أن تكون مجرد واجهات وشاهد زور ولا تحمل من المضمون إلا مجرد الأسماء ، وإذا من ثار عليه الشعب في تلك الهبة المجيدة يصبح بعد ذلك حكيم الحكماء ويورث الوزارة حتى لابنه بعد أن تقلد هو مجلس الأعيان وغيره ، علما بأنه هو الآخر ورث الوزارة عن أبيه ، وجرى تفريغ الانتفاضة المجيدة من مضمونها وعادت الأوضاع لأسوأ ما كانت عليه قبل عام 1989م ، خاصة بعد مأساة ومحنة ما سمي بالربيع العربي ونتائجه الكارثية .
تلك الأحداث التي حتى الاسم اسقط عليها من الخارج وتحديدا من الولايات المتحدة الأمريكية وهي ليست ربيعا ولا عربيا بل وكانت نتائجها المؤسفة ورقة قوية بيد أرباب المرحلة العرفية من دكاكين الظلام والإرهاب الذين يخشون الشعب وانتفاضته ويحاربون كل ذرة وعي والتشكيك بها حيث قويت شوكتهم وأصبح لهم نوادي وأحزاب وحتى نقابات ، فهل من صنع الصدف بأن معظم النقابات العمالية وهي أكثر المؤسسات جمودا رغم كثرة العدد ، حتى أن أحد ممن يسمون أنفسهم رموز لتلك النقابات أو الاتحادات متواجد منذ أكثر من ربع قرن ودوره مجرد إطفائي لمصلحة مشغليه.
اليوم وبعد 28 عاما على انتفاضة نيسان المجيدة نرى أن احتواء تلك الانتفاضة والسياسات الخاطئة أفرزت الكثير من الأمراض السياسية وزاد حجم الفساد والإفساد وارتفعت الأصوات المأجورة الباحثة عن دور وهؤلاء الذين نرى بعضهم يضع قدما هنا والأخرى في الاتجاه المعاكس والمديونية أصبحت خيالية والوطن بيعت مؤسساته ناهيك عن السيادة الوطنية التي أصبحت في خبر كان وما جولات وتدخل سفراء الغرب وعلى رأسهم السفيرة الأمريكية وسفراء فرنسا وبريطانيا بشكل خاص ، وأصبح هؤلاء وكأن كل واحد منهم مندوبا ساميا وسط كل هذا الانحطاط والتصحر .
وما نراه وقلوبنا على الوطن ونحذر من العواقب فلم يعد هناك شيء للبيع والمتاجرة والحالة المعيشية لأغلب شعبنا وصلت لصفر ، وهنا يجد الإرهاب والإجرام وخفافيش الليل مكانا لهم ، وتأتي كلمة الحق التي يراد منها باطل مستغلين هذا التصحر السياسي .
لذلك نحذر نيسان أخرى قد لا يكون للعقل بها مجالا ودورا وسيدفع الجميع الثمن ، وعندما تزور نتائج من يمثل الشعب ويأتوا بنواب ليس لهم علاقة بالوطن وأحزاب هامشية ، انظروا للسياسات القاصرة وماذا حدث في جماعة الإخوان المسلمين التي لا أتفق معها إطلاقا ولكن ما حدث بها من انقسامات ليس إلا بفعل أصحاب أجندات خاصة هدفهم تخريب هذه الجماعة التي سواء اتفقنا أو اختلفنا معها هي جزء من نسيج مجتمعنا ، وانظروا لكل الانتخابات البرلمانية ومن تفرز ممن مطلوب أن يكونوا صوتا للشعب وسلطته التشريعية ، انظروا لقوانين الانتخاب ذاتها والتي تعطي مناطق لحساب مناطق أخرى بالتمثل النيابي والهدف إيجاد برلمان الريموت كنترول .
احذروا من انتفاضة أخرى ومن غضب الشعب فقد بلغ السيل الزبى ، ولا عزاء للصامتين .