الإصلاح السياسي في الأردن خطوة للوراء ؟

 الإصلاح السياسي في الأردن خطوة للوراء ؟

16-05-2016 09:58 PM

نجح النظام الرسمي في الأردن بكل أجهزته  في تجاوز الموجة الأولى من الربيع العربي التي اجتاحت  الشارع ‏الأردني  ، ذات الاحتجاجات التي انفجرت في عواصم  الربيع العربي انفجرت في عمان إلا أن النظام الأردني ‏استطاع تخطيها بهدوء وحذر وقد ساعده في  ذلك عدة عوامل أهمها  قدرة النظام على امتصاص غضب الشارع ‏من خلال  طريقة التعامل الأمنية الناعمة مع الاحتجاجات  والتغيير المستمر لرؤساء الحكومات لتخفيف احتقان ‏الشارع   وأخر واهم هذه العوامل استثماره للازمة السورية ومخيمات اللجوء إعلاميا في التخويف من  الربيع ‏العربي  حيث استطاع تسويق فكرة الأمن كأولوية لدى الشعب على أية أولوية إصلاحية سياسية أو اقتصادية  .‏
‏(1)‏ جرعة إصلاح ‏
 
قدم الأردن الرسمي  حزمة من الإصلاحات السياسية على الدستور في عام 2011 بعد أن شكل  لجنة ‏مكونة من معظم القوى السياسية لتعديل الدستور  والتي قاطعها التيار الإسلامي،  إذ استطاعت اللجنة أن ‏تحقق حزمة جيدة من الإصلاحات  كان أبرزها حول  منع مزدوجي الجنسية  من تسلم المناصب القيادية ‏العليا ( نواب ، وزراء ، الوظائف التنفيذية الأولى )، في الدولة وتم إنشاء  المحكمة الدستورية للبت في ‏دستورية القوانين التي  يتم تشريعها، إلا انه تعديل بقي بعيدا عن المساس بتركيبة النظام ولم يستطيع ‏تحويل شكل الدولة  من النظام الشمولي إلى الملكية الدستورية  .‏
 
على وقع هدوء الشارع الأردني بعد انحسار موجات الاحتجاجات استطاع النظام الأردني عبر البرلمان ‏الموالي له أن يقر مجموعة من التشريعات التي تقدم  خطوة بسيطة على طريق الإصلاح السياسي فكان ‏أهم  تلك  التشريعات تشريع اللامركزية الأقاليم  وقانون الانتخابات  المحلية "البلدية " وقانون ‏الانتخابات البرلمانية  .‏
 
 
‏(2)‏ خطوة للوراء ‏
 
جاء شكل قانون الانتخابات البرلمانية الذي يرسم شكل المستقبل السياسي للدولة باهت من حيث قدرته ‏على انجاز حياة حزبية مدنية متقدمة إذ انه  اعتمد القوائم النسبية المفتوحة  بشكل منفرد ولم  يتضمن ‏العتبة الانتخابية التي تخرج صغار الأحزاب والقوائم من اللعبة السياسية،إلغاء العتبة سيحرم أي حزب أو ‏تكتل سياسي من الوصول للأغلبية التي يمكن أن يشكل من خلالها حكومة برلمانية أو حتى الوصول إلى ‏كتلة معارضة مؤثرة للحكومة  القادمة ويجعل من البرلمان القادم برلمان معلق في المفهوم السياسي  ‏مما يعني  الاستمرارية في ذات النهج في تشكيل الحكومات مع جرعة مخففة من الرقابة والمشاغبة ‏تحت القبة لا تؤثر على سياق وطريقة العمل السياسي التقليدي في الأردن  .‏
 
 
ما قدمه الأردن الرسمي في  التعديلات الدستورية عام 2011 عاد عنه بعد أن هدأت  جميع ارتدادات ‏الربيع الأردني  وأعاد الحرس القديم  تموضعه  وامسك بمفاصل الدولة وأحكمت القبضة الأمنية  يدها ‏على الشارع من جديد .‏
 
في عجالة  ودون سابق إنذار أو إعلان  دفعت حكومة عبدالله النسور قبل اقل من شهر وفي أيامها ‏الأخيرة التي تعيشها حزمة من  التعديلات الدستورية إذ عدلت  من النصوص وجعلت تعيين رئيس ‏المجلس القضائي  وقائد الجيش  وقائد الدرك  وقائد الأمن العام  بيد الملك بعد أن كانت بتنسيب من ‏مجلس الوزراء ومصادقة الملك  فيما تم إلغاء المادة التي  تمنع على مزدوجي الجنسية  من تولي ‏المناصب القيادية  .‏
 
البعض يتفهم جمع المزيد من السلطات بيد الملك  إذ يراها في سياق أن رأس النظام يستعد  للذهاب ‏للحكومة البرلمانية  التي لا يعلم كيف سيكون شكلها بعد انتخابات الخريف القادم  وان  هذه المناصب ‏الحساسة يجب أن تبقى محصنة ومستقرة ولا  تكون بيد تجربة وليدة وخصوصا أن الأحزاب الأردنية في ‏معظمها هي امتداد لحالات حزبية خارجية وقلما تجد حالة حزبية وطنية ، ويمكن هنا استثناء حزب ‏المؤتمر الوطني الوليد " زمزم " صاحب الأجندة الوطنية فاقعة اللون ذو الخلفية الإسلامية والفكري ‏المدني البحت.‏
 
‏ فيما  يرى البعض الأخر أن هذا التعديلات جاءت نتيجة طبيعة لمقدمات العهد الجديد الذي سيكون به ‏ولي العهد  الشاب الأمير حسين بن عبدالله على رأس النظام خلال سنوات قليلة وان الملك الأردني يسعى ‏إلى تسليم  الملك لابنه الشاب وتكرار التجربة  القطرية وانه يريد تسليم  القائد الشاب ملكية أكثر ‏استقرار  وهذا ما ذكره في مقابلاته الصحفية في الصحف الغربية  " بأنه سيورث ابنه ملكية بغير الشكل ‏الذي تورثها هو  من والده الراحل " .‏
 
فريق أخر يرى أن التعديلات  الدستورية التي تم إقرارها بشكل سريع جدا وخلال أيام هي خطوة للوراء ‏على طريق الملكية الشمولية  وردة بينة عن طريق  الإصلاح والملكية الدستورية  والتي تشرئب نفوس ‏النخب السياسية لها كمدخل آمن ووحيد للإصلاح السياسي  .‏
 
جميع النخب السياسية تجمع على أن التعديل الدستوري الأخير فيما يتعلق برفع الحظر عن مزدوجي ‏الجنسية من تولي المناصب السيادية جاء من اجل  تهيئة البيئة  لتولي الدكتور باسم عوض الله رئيس ‏الديوان الأسبق  للحكومة القادمة إذ يوصف بأنه صاحب العلاقات القوية مع دول الخليج وانه الأقدر على ‏جذب الاستثمارات  ورؤوس الأموال إلى الأردن وظهر ذلك في الإعلام جليا إذ رافق العاهل الأردني في ‏زيارته الأخيرة إلى السعودية دون أن تكون له صفة وظيفية رسمية  . ‏
 
باسم عوض الله اسم ثار حوله الجدل كثيرا في عام 2009  وأثيرت حوله  ضجة كبيرة في الربيع ‏العربي  إذ يشار إلى انه المهندس الرئيسي في برنامج التخاصية والتحول الاقتصادي وتحويل النمط ‏الاقتصادي للدولة إلى نمط الجباية، برنامج تحول اقتصادي خسرت بموجبه الدولة بالخصخصة معظم ‏مؤسساتها التي كانت ترفد الخزينة بالأموال وبنفس الوقت تفاقمت مديونية الدولة لتصبح 32 مليار ‏دولار أمريكي  لهذا العام نتيجة لتلك التحولات الاقتصادية وبعد سنوات تقشف عجاف على الشعب  قادها ‏رئيس الحكومة الحالي عبدالله النسور مرحلة تقشف أحدثت تضخم اقتصادي كبير كانت نتيجته تآكل  ‏الطبقة المتوسطة لصالح تمدد الطبقات الفقيرة وظهرت شريحة الطبقة الاقتصادية المعدمة  .‏
 
‏(3)‏ صراع ضروس داخل أجنحة الحرس القديم ‏
 
طفت في الأسابيع الأخيرة موجة من الصراع  الموجه ما بين سدنة الحرس القديم  والذين ورثهم النظام ‏الأردني الحالي من العهد الملكي القديم من أيام الملك  الحسين الراحل وبين الحرس القديم  الذين جاءوا ‏مع العهد الملكي الجديد وعلى رأسهم باسم عوض الله  .‏
 
ظهر هذا الصراع من خلال التراشق الإعلامي غير المباشر ما بين أنصار كل  فريق  والذي  بدورهم ‏يحاولون التأثير على القواعد الشعبية للانخراط ودمجهم في هذا الصراع  الدائرة بينهم ، فيما بدأت ‏تظهر على السطح آثار هذا الصراع  بثوب التناقض  الديمغرافي  الموجود في الأردن.‏
 
‏ فيما يحاول الحرس القديم  تيار العهد الملكي القديم إظهار أنفسهم بشكل غير مباشر بأنهم حراس ‏مصالح  المواطنين الشرق أردنيين السكان الأصليين للاردن،  يحاول أنصار تيار الحرس القديم العهد ‏الجديد ( الصلعان ، أو شخصيات الديجتال ) كما وصفهم  رئيس الحكومة السابق الروابدة  إظهار أنهم ‏حماة مصالح المواطنين من غرب النهر .‏
 
لا شك أن هذا الصراع بدأ ينزل على القواعد الشعبية نتيجة للتناقض الديمغرافي الموجود في الأردن منذ ‏فتنة عام 1970 المعروفة بأيلول الأسود ، فيما تبقى بعض النخب يقظة لهذا الصراع وخطورته وتنادي ‏بتجنب استخدام الشعب وقود في تلك المعركة  الشخصية بين أجنحة الحرس القديم شعب ليس له بهذا ‏الصراع ناقة ولا جمل وان استخدام الشعب وقود في تلك المعركة يضر باللحمة الوطنية في هذا الظرف ‏الدقيق .‏
 
 
‏(4)‏ هل الأردن جاد في الإصلاح السياسي ؟
 
من يمسك االسلطة في الأردن حاليا ويتحكم في مفاصل الدولة هم رجال الحرس القديم  بشقيهم العهد ‏القديم والعهد الجديد وجميع هذه التيارات مؤمنة بان الحالة السياسية التي  يعيشها الأردن هي الحالة ‏الأمثل للحياة السياسية  الأردنية وان  الأردن  تحل مشاكله بالتخلص من الحالة الاقتصادية التي  يعيش ، ‏وان الإصلاح السياسي يمكن أن يعقد الحياة الاقتصادية خاصة في مراحل العبور السياسي والمراحل ‏الانتقالية وهذا ما لا يتحمله الأردن حاليا  .‏
 
من واقع رصد أطروحات أصحاب القرار حول الإصلاح السياسي فان الأردن ذاهب  بلا شك إلى جرعات  ‏مخففة جدا من الإصلاح السياسي  ولسوف يعتمد في  عشريته القادمة على محاولة إصلاحات اقتصادية ‏كأولوية لديه  إصلاحات تسير على نهج  الاستجابة إلى متطلبات صندوق النقد الدولي واستجرار مزيد ‏من  الاستثمار العربي الخليجي على وجه الخصوص  لتخفيض معدلات البطالة التي تقر الحكومة أنها ‏بلغت 14% في حين تتحدث أوساط إعلامية على أن البطالة تجاوزت حد 25%  إلى 35% بين الشباب ‏‏.‏
 
‏ المقاربة التي يعمل عليها سدنة الحرس القديم بشقيهم لن تحصن الأردن  في أي موجات احتجاجية ‏أخرى قادمة  وخاصة أن موجبات ومحركات الموجة الأولى للربيع العربي لا زالت قائمة بل أنها تفاقمت ‏وتعمقت نتيجة لسياسة التقشف الاقتصادي  وإحكام القبضة الأمنية من جديد  .‏
 
يبدو أن النصائح  التي  تقدم بضرورة إجراء  إصلاحات سياسية هادئة واستثمار هدوء الشارع  ‏والذهاب للإصلاح  المتدرج بعيدا عن ضغط التوتر الذي  يمكن أن ينفجر بأي لحظة لا تلقى الأذان ‏الصاغية من الحرس القديم  .‏
 
تاريخ الأردن السياسي الحديث  يعلمنا أن المزاج الأردني ليس له مقدمات  قبل الانفجار وأحداث 1989  ‏في معان خير شاهد على هذا المزاج المتقلب  لكن  بالتأكيد أن الأردن سيكون أمام موجة احتجاجات ‏جديدة  للمطالبة بالإصلاح إذا ما بقيت وتيرة الإصلاح في  حالة نكوص أو جمود على ما هي عليه الآن ، ‏فهل يسمع صناع القرار لذلك ويقدموا  الإصلاح في مناخ هادئ أمـ أنهم سيمارسموا مزيد من التعنت ‏ونشهد انفجارات شعبية في الشارع من جديد ؟


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد