قرى وادعة ونفوس هانئة ..

mainThumb

20-05-2016 09:42 PM

قبل  عدة عقود ، عاش الناس ضمن بلدات وقرى صغيرة ، وسكنوا البيوت الطينية أو الخشبية المتجاورة والمتلاصقة ؛ وبعض من هذه البيوت لا زالت موجودة وإلى اليوم في بعض الحواري القديمة لمدننا العريية الحديثة والتي كانت في الماضي القريب قرى وبلدات صغيرة  ...



تلاصقت البيوت في قرانا وفي بلداتنا القديمة ، وتشابكت الجدران والسقوف ، غكان سهلا” على الشخص القاطن للقرية أن يعبر على أسطح كل المنازل الموجودة في تلك القرية لمجرد اعتلاءه لسطح بيته ... !

 

ولكن هذا الشيء لم يكن يحدث أبدا” ؛ فكل إنسان التزم بحدوده  الأخلاقية والأدبية  ؛ والجيران متحابين ومتآخين وهم  على قلب رجل واحد ؛ يلتزمون بآداب الإسلام وبحافظون على العرف والتقاليد والعادة ، ويقدسون الجار والأهل  العشيرة ...

 

وبالرغم  من هذه المعيشة المتواضعة لسكان قرانا القديمة ؛ فالسعادة والطمأنينة والقناعة والمودة والمحبة والألفة كانت موجودة وملأت قلوب الناس في تلك الفترة الجميلة ؛ فلا حسد ولا تنافر أو ضغينة ...والغني يعطى المحتاج والمسكين ويطعم البائس والفقير   ... والفقير يدعو  لنفسه بالرحمة ، وبدعو للغني الطيب بالأجر العظيم وبالرزق الوفير ...

 

تلك البيوت المتلاصقة قللت كلف البناء المادي والبدني على الناس في القرية ؛ وتلك البيوت المتلاصقة جعلت المنازل كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا” ؛ فكانت منازل تلك القرى القديمة عصية على الزلازل والأمطار والسيول ... وهذا الترابط الموجود بين تلك البيوت المتراصة : كان إنعكاسا” حقيقيا” لنفوس الناس المتأخية والمتآلفة والمتراحمة ...  فكل فرح في القرية سيفرح له سكان القرية جميعا  ، وكل مصيبة في القرية سيواجهنا كل سكان القرية متوحدبن ومتعاضدين   ....

 

أما الضيف القادم لزيارة قريبه وصديقه الذي يسكن في تلك القرية  ، فهو ضيف على أهل القرية جميعا ؛ فهم يتتاوبون على إكرامه وعلى اطعامه في كل يوم„ وليلة  ...

 

( تهادوا ؛ تحابوا ) : حديث نبوي شريف حكم سياسات وتوجهات الناس في تلك الفترة  ... فالأم تهدي جيرانها الطعام بعد كل طبخة ، والجيران يعيدون الإناء والصحن مملوء” بأجود ما لديهم من الأطعمة ردا” للجميل والبادئ أكرم  ... فالود قابلوه بالود والمحبة بالمحبة والهدية بالهدية والإكرام بالإكرام والإحسان قابلوه بالإحسان ....

جيل سكن القرية وكانت سماته الغالبة هي الطيبة ؛ جيل أحسن الظنون وعاش البساطة والقناعة والرحمة  ؛ فهدأت قلوب الناس ، وارتقت نفوسهم وسمت أحاسيسهم وصدقت مشاعرهم فعاشوا الهناء والمحبة والإخاء والألفة ...

غرفة أو غرفتان متواضعتان تكفيان الأسرة ، وماعز أو ماعزين وبعض من الشويهات تطعمان الأسرة ؛ وقليل من الدونمات تغطيان حاجة البيت من الحبوب والحنطة  ...

ولكن حياة الناس اليوم مختلفة ومتبدلة ؛ حيث تغيرت مفاهيم المجتمعات وضاعت قيم كثيرة واختفت المبادئ والتقاليد والعادات  ، وتباعدت بيوت الناس وحجبت بينها الأسوار العالية ... ولكن المشاكل  والحسد والضغينة والفرقة موجودة وبكثرة ...
 

تنافس غالبية الناس على كنز الأموال وبأية وسيلة ، وتنافسوا على بناء البيوت وعلى تشييد الفلل والقصور وكأنهم المخلدون في الأرض ؛ وتركوا العلم المطلوب لعينه وذاته ، وطلبوا الشهادات لتحصيل المال والمتصب ، وطلبوا العلم الدنيوي والديني حتى يقال ؛ وقد قيل  ...!!!

 تنافسوا على نوعية السيارة وحداثة الموبايل ؛ وتنافسوا على كل شيء في هذه الحياة الدنيا ؛ ولكنهم اكتفوا بالمظاهر الدينية فقط ، وضيعوا العلاقات والروابط الإنسانية ؛ فخلت تفوس الغالبية من كل المشاعر والأحاسيس  والقيم ، فلا صداقات مجردة وبلا منفعة  ، فالمصالح تتحكم وتسير كثير من النفوس ، وهي المتحكمة بكل سياسات وتوجهات البشر ...

عندما سيطرت الدنيا على قلوب الناس وتحكم فيهم الوساس الخناس ؛ كانت النتيجة الحتمية هي : انتشار للعداوة وغياب للمحبة وإنعدام للألفة والرحمة  ...ناهيك عن التذمر الكثير والضنك والشكوى .... يقول تعالى :  وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ...

 

في هذا الزمان المادي الخداع والبراق ... من استطاع أن يغمض عينيه ليتجاوز دنياه اللعينة وبأقل الخسائر الدينية فليفعل ... ومن يطلق العنان لأمنياته ولأهواءه فإنه سبمضي العمر وهو يلهث ويبحث عن أوهامه وامنياته المتوارية والمتعاظمة في كل يوم   ...

 

 فحياتنا اليوم هي : متسلسلات مادية تمضي ولا تنتهي :  ( هذا المنزل واسع ولكن ذلك المنزل أجمل وأوسع ...  وهذه السيارة حديثة ولكن تلك السيارة أحدث وأجمل ،  وهذا المويايل حديث وجميل ولكن ذاك الموبايل هو الأحدث والأجمل   ... وهكذا هي حياتنا  اليوم ؛ فمن يسلم نفسه لأهواءه ولغرائزه فهو الأحمق  ، لإزه سيمضي عمره وهو يبحث عن سراب بقيعة .. حتى يدركه الموت وهو لا زال يجري ويلهث  ... فيجد الله أمامه ليوفيه حسابه ... فيقول بكل أسى وندامة : يا ليتني كنت ترابا ...



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد