النكبتان

mainThumb

22-05-2016 09:33 AM

نكبة الطائرة المصرية الحزينة نكبتان. الأولى قدرها، الثانية ما لحق بها من تحليلات ومحللين، كتابة وصوتيات ومخيلات وعلما في فك الألغاز وضرب المندل. كل ذلك قبل أن يتأكد شيء عنها، وقبل أن يعثر على قطعة حزينة منها، وقبل أن يتبلغ أهل الضحايا أن أحباءهم لن يصلوا إلى المطار حيث ينتظرون في الموعد الذي نزع عن لوحة الوصول بعدما أدرك الجميع أن البحر قد ابتلع الجو.
 
 
 
كان نصف العالم يتابع أخبار الطائرة لحظة بلحظة، ولهفة بلهفة، والمحللون يحللون. كل واحد يجزم ويحسم بما لديه، ومعظمهم لم يقم برحلة من قبل. البعض حمّل الإرهاب المعروف، لكن بعضهم الآخر لم يستثنِ أحدا من أعداء مصر وخصومها: تركيا مثلاً.
 
 
 
فكر قليلاً: تركيا غاضبة من مصر والعلاقة سيئة بينهما، فماذا تفعل أنقرة في هذه الحال؟ تكلف إرهابيًا في اليونان بإطلاق صاروخ على الطائرة الآتية من باريس إلى القاهرة لحظة مغادرة الأجواء اليونانية إلى المصرية.
 
 
 
إيه نعم. إيه نعم. والطائرات الحديثة لا تعفى من التحليلات. بعد يومين على اختفاء «الطائرة الماليزية قبل عامين» ظهر صحافي لبناني على التلفزيون وسحب من جيبه خريطة خطفها ومكان إخفائها، مؤكدًا، جازمًا، يكاد يقسم على ما يعرف، إلا أن محاوره لم يطلب منه ذلك، بل ترك الموضوع لعشرين دولة وأمة وأسطولا تقوم بذلك، إلى جانب الصحافي العائد من مقهاه.
 
 
 
جميع خبراء الطيران العالميين الذين سئلوا في موضوع الطائرة المصرية لم يزيدوا كلمة واحدة، أو يحذفوا كلمة واحدة من رد علمي خلاصته احتمال أو اثنان، وربما ثلاثة، أما الحقيقة نفسها ففي الصندوق الأسود، لأن الكارثة لا شهود فيها، والحقائق لا تبنى على النظريات ولا على الاشتباه ولا على الحظ العاثر الذي يضرب مصر.
 
 
 
الرجل الذي تحدث بلغة ومصطلحات وتعابير وقواعد الطيران، كان وزير الطيران. وأيضا الرئيس الفرنسي، الطرف الآخر في القضية، مطارًا وضحايا. ووزير الدفاع اليوناني المعني جغرافيًا بخط الكارثة ومحادثات الطيارين. لكن في تلك الساعات الكئيبة طغى ضجيج «المحللين». وألحقوا الإهانة بالموت.
 
 
 
صحيفة الشرق الأوسط


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد