ثالوث الشر السياسي

 ثالوث الشر السياسي

18-03-2017 09:53 AM

تقوم فكرة السلطة على ركيزتين أساسيتين  أولها  إدارة موارد الدولة بتحقيق مصالح الناس من خدمات أساسية وثانوية وثانيها احتكار ممارسة العنف حيث تصبح السلطة الرسمية هي الجهة المتفردة التي  يمكنها استخدام العنف المقنن لحماية امن المجتمعات وسلمها  .
 
دائما ما يكون الهجوم  قاسيا من الطبقات المثقفة على حكم رجال الدين ، وحكم العسكر ، وحكم رجال الأعمال  ،  لكن أليس من بدهيات الديمقراطية أن تعطى الفرصة للجميع على قدم المساواة دون تفريق بين الناس ؟ ، ولما تسعى بعض النخب السياسية  استصدار قوانين عزل سياسي عرفية  تقصي بها شرائح اجتماعية من العمل السياسي ؟ ، هل هناك من خطورة حقيقية في ممارسة  تلك الفئات للعمل السياسي أم أنها أخطار موهومة لعزل تلك الفئات عن قيادة المجتمعات  ، لكن ما هي  إفرازات التجارب الحقيقية  لحكم تلك الشرائح في العمل السياسي.
 
(1) لماذا الرفض لحكم  العلماء ورجال الدين ؟ .
 
يقول الرافضين لحكم رجال الدين أن طبيعة الاهتمام والتكوين المعرفي للعلماء ورجال الدين هو السبب الرئيسي لرفض توليهم السلطة  إذ  ينطلق رجال الدين من الروايات التاريخية في حكمهم على الأشياء وبطبيعة تكوينهم المعرفي  فأنهم يدرسون التاريخ  ليستعيدوه ويعيشوه  لا لأخذ العبر والدروس منه،  كما أنهم في كل أمر مستحدث  يبحثون عن موقف من سبقهم من علماء ورجال الدين لتلك الديانة أو الطائفة ليطبقوا ما اجتهدوا به سابقا على ما استحدث أمامهم في العصر الحديث، و كما أنهم  بطبيعة تكوينهم التعليمي تضمر لديهم  نظرية نسبية الحقيقة  ويتعاملون مع طبيعة الأشياء على أنها حق وباطل وصحيح وفاسد ، إضافة إلى ذلك  للعلماء ورجال الدين سطوة اجتماعية  بما يملكونه من  شرعية دينية  لذلك  وصولهم للسلطة يترك الباب والمجال واسعا للفساد والترهل  إذ أن مع الزمن يصبح انتقاد ومعارضة برامجهم وأسلوب إدارتهم انتقاد ومعارضة  للإله  إذ لديهم القدرة أن يغلفوا أرائهم  بغلاف ديني ويسبغوا عليه إرادة إلهية ، بطبيعة التكوين السكيلوجي فان العلماء ورجال الدين ينموا عندهم الجانب العاطفي والروحي ويضمر عندهم الجانب المادي  و السلطة من حيث الأساس  هي تفويض إدارة موارد الدولة وتنميتها ولان اهتمام رجال الدين في الجانب الروحي  وتزكية النفوس فان إدارتهم لموارد الدولة وتصريفها سوف ينبني عليه ضعف في تلمس حاجيات الناس وحياتهم  .
 
يرى الرافضين لحكم العلماء ورجال الدين أن التجارب العملية أثبتت أن مجرد مشاركة رجال الدين في الحكم يترتب عليه مفسدة حياتية كبرى وكان شاهدا على ذلك  اقتراب رجال الدين من السلطة في أوروبا  إذ أنهم تحالفوا مع الاستبداد والإقطاع حتى جاءت الثورة الفرنسية على رجال الكنيسية بذات الدرجة على الاستبداد والفساد  ، كما انه في أواخر القرن الماضي  وبدايات هذا القرن صعدت في منطقة الشرق الأوسط  طبقة من رجال الدين الإسلامي للسلطة أو كانت قريبة منها  فأفسدت حياة الناس ومعاشهم  فاشتعلت الحروب الطائفية في المنطقة  إذ أن طبقة رجال الدين استطاعت أن تحكم السيطرة على  الدولة الإيرانية  فحولت  مقدرات الدولة  إلى  حامل  للواء الحروب الطائفية ونبش خلافات وضغائن دينية مر عليها  حوالي ألف وأربعمائة عام وحولت الدولة إلى ما يشبه الميليشيا المنبوذة في المنطقة  ، وهذا تكرر في العراق  إذ استطاعت الطبقة السياسية الدينية ورجال الدين القريبين منها العمل على إفشال العراق وتصنيفها على أنها من الدولة الأكثر فشلا في العالم وتحويلها لبؤرة صراعات طائفية  تصدر الإرهاب  وتزعزع استقرار الدول المجاورة والعالم ، وهذا ما حصل في أفغانستان  وحصل في سوريا بصعود تنظيم الدولة الإسلامية وممارسة الحكم بطريقة مبنية على روايات دينية وتاريخية مشوهة .
 
(2) - لماذا الرفض لحكم العسكر ؟
 
يرى الرافضون لحكم العسكر أن التركيبة السيكيولجية  للجنرالات العسكرية عاجزة عن إدارة الدولة وإدارة مصالح الناس وتنمية الموارد العامة  إذ  يتميز العسكر بعقلية  فردية تسلطية في التفكير معتمدا على مبدأ الطاعة في تسيير الأمور وعدم القبول بالنقد ومراجعة الأفكار والأطروحات ، كما يرون أن العقلية العسكرية تقوم على فكرة تقديس القيادة والرتب العليا من الجيش على اعتبار أنهم  يعلمون ما لا يعلمه الآخرون من أسرار ومعلومات عسكرية لا يطلع عليها الجميع  فتكون الطاعة والنزعة الفردية عالية التركيز في القرارات المتخذة  ، كما تتعامل القيادات والنخب العسكرية  مع الأمور من منطلق  الصداقة والعداوة  فإما أن تكون صديقا أو خصما وعدو ، فالمنافسة محصورة  بفكرة (أنا أو هم) فلا تحتمل غير ذلك ، كما يرون أن طبيعة الأنظمة العسكرية  تلغي علامات التميز الفردي  وتجعل الأكثر قدرة على الصعود هو الأكثر قدرة على الانضباط  والولاء والسمع والطاعة  لذلك تنشا نخب قيادية من الطبقات الأكثر ولاء للقيادة على النخب القابلة  للتميز الفردي، إضافة إلى أن التركيبة الشخصية للعسكر تدفعهم للجوء إلى اقصر الحلول باستخدام القوة والحسم العسكري في حل الخلافات  فالحسم  بالقوة هو السبيل الوحيد للتعبير عن الرأي واثبات صحته وهو مبدأ يتنافى كليا مع مبدأ  التعددية وتداول السلطة وتعدد وجهت النظر ونسبية الحقيقة، الحكم العسكري عادة ما يفرز أنظمة حكم مكونة من طبقة أقلية سرعان ما تتزاوج مع الطبقات المخملية أو الارستقراطية ويبدأ من ذلك مشوار الفساد  .
 
الأمثلة العملية على عدم قدرة الأنظمة العسكرية على إدارة موارد الدولة في العالم العربي  كثيرة فلا تكاد تجد إلا عدد قليل من الدول العربية التي لمتحكم بالأنظمة العسكرية ، المثال الصارخ على الحكم العسكري ما جرى في مصر إذ استمر الحكم العسكري ولا زال مستمر منذ 70 عام والبلاد تتراجع في كل الميادين سياسية واقتصادية واجتماعية  كذلك الأمر في السودان إذ وصل الأمر إلى تقسيم  الدولة إلى شمالية وجنوبية وكذلك الأمر في اليمن إذ  أسس العسكر لتقسيم اليمن إلى اليمن الشمالي واليمن الجنوبي حتى من كان حذرا جدا من  حكم  العسكر وكان يبعدهم عن السلطة  كالراحل الحبيب أبو رقيبة وقع في شراك العسكر وقربهم  من السلطة وأشركهم بها  قبل أن ينقلبوا عليه  بانقلاب عسكري ابيض.
(3) لماذا الرفض لحكم رجال الأعمال ؟.  
 
 طبيعة منطلقات ونظرة رجال الأعمال  تختلف عن منطلقات ونظرة الساسة وقادة الدول  فرجل الأعمال ينظر إلى الجمهور كمستهلك مستهدف ببضاعته وينظر إلى مؤسسات الدولة كسلعة وكيف يمكن  له أن يحقق من موقعه الكسب ويعظم أرباحه،  كل التجارب العملية تشير إلى أن مجرد  دخول  رجال الأعمال إلى السلطة أو حتى بمجرد تقارب رجال السلطة من رجال الأعمال  فان شيطان الفساد يكون ثالثهم  إذ  يتفشى الفساد  وخصوصا استثمار الوظيفة ويتحول شغل المنصب إلى أشبه بحالة انتداب عضو مجلس إدارة  للشركة للقيام بمهمة معينة في المنصب الحكومي ، كما أن دخول رجال الأعمال إلى السلطة  يشبه حالة الإصابة بالايدز الاقتصادي لجسم الدولة إذ  يغزوا الفساد الدولة من الداخل ويمنع قدرتها على الدفاع عن نفسها ويوظف قدراتها في نشر الفساد لا مكافحته  ومواجهته ، كما أن دخول رجال الأعمال إلى  السلطة يسهل عملية التصرف بنواتج الفساد المالية من تهريب للأموال أو غسيل لها وإعادة  ضخها  مرة أخرى بثوب مشروع .
 
التجارب العملية لدخول رجال الأعمال إلى السلطة مريرة ، فمثلا الأردن كان حريص على إبعاد رجال الدين والعسكر ورجال الأعمال عن السلطة  استمر في الأولى والثانية لكن في العشر سنوات الأخيرة استطاعت طبقة رجال الأعمال اختراق السلطة والوصول إلى القرار فبيعت مؤسسات الدولة  كما تباع السلع التجارية وظهرت الطبقية الفاحشة كما وانعدمت الطبقة الوسطى وطغى تسونامي الطبقة الفقيرة وانفجر المديونية العامة لتقفز إلى  أكثر من 14 مليار دولار أمريكي  في أخر أربع  سنوات  فنتج  تضخم  اقتصادي عمل على تأكل الدخول  وعاش الناس في ضنك وضيق اقتصادي ، ذات الأمر تكرر في مصر قبل الثورة  إذ دخلت طبقة رجال الأعمال إلى السلطة فنشأت طبقة أقلية سياسية اقتصادية فحكمت مصر فعليا وتكدست بيدها ثروات الدولة المصرية فسرعت سقوط  النظام ، و هي ذات الطبقة التي دعمت الثورات المضادة وحرضت عليها وقدمت لها كل ما تحتاجه  حتى تنجح وتم إلغاء المسار الديمقراطي وتم إعادة الحكم العسكري المتزاوج مع رجال المال .
 
نعم صحيح أن الديمقراطية تعني أن تسمح للجميع أن يمارسوا العمل السياسي وان الجميع له ذات الفرصة على قدم المساواة إلا انه حق يجب أن يبقى مقيد بان يمارس العالم ورجل الدين السياسة بصفته  الشخصية لا بصفته الدينية ومن حق العسكري أن يمارس السياسة  لكن بصفته كمواطن بعد تركه للخدمة العسكري وان لا يسخر القوة العسكرية ومقدراتها لحسم صراعاته  السياسية إذ يجب أن تبقى الجيوش موجودة لهدف واحد وهي حماية امن الدولة الداخلي والخارجي   ومن حق رجل الأعمال أن يمارس السياسة لكن بعد أن تكف يده عن ممارسة العمل التجاري ويمنع من هذا الحق  بعد تخليه عن السلطة لعدة سنوات تضمن عدم استثماره لمناصبه التي شغلها .
 
تلك الفئات الاجتماعية عليها أن تكون مقتنعة من تلقاء ذاتها انه من الخطأ عليها ممارسة العمل السياسي وهي تحمل ازدواج الصفة وان يصل المجتمع إلى قناعة مهمة انه إذا ما أرادت  تلك الفئات ممارسة العمل السياسي فعليها أن تتخلى عن صفتها الأخرى وان تجاوزت فانه سيكون هناك وعي اجتماعي كفيل بعزلها عن العمل السياسي والسلطة من الناحية العملية والاهم من ذلك هو وجود التشريعات التي تحمي الحياة السياسية من تلك الفئات وهي تحمل ازدواجية الصفة .
 
كاتب سياسي وحقوقي أردني 
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد