طفلي مشروعي الخاص

mainThumb

23-12-2019 11:39 PM

لم تدرك والدتي في تسعينيات هذا القرن ما سيؤول إليه العالم ما بعد الألفية، كانت تستيقظ صبحا لتعد لنا الخبز اللذيذ والحليب ولم تكن تبخل علينا في  نهاية كل أسبوع أن تقدم لنا الكعك المنفوش  الذي تعده لنا صباح يوم الجمعة.
 
كان  يومنا العادي منظما ما بين الاستيقاظ صباحا، والذهاب للمدرسة وبعد العودة للبيت نتناول طعام الغداء وبعد ذلك فترة برامج الأطفال على التلفزيون الأردني كنت في كل يوم أنتظر هذه الفترة بفارغ الصبر حتى أعيش لحظات جميلة مع عائلتي وأمي التي تكون المشاهد الأول حتى نعيش اللحظات مع ماروكو، وأكون قوية مثل الشجعان الثلاثة، أنتظر مغامرة جميلة من مغامرات سبيستيان مع بل وأن أكون صحفية وناقلة للأخبار مثل ساندي بل وأن أبحث عن حل جذري لمعاناة سالي...
رغم كل الكتب التي كان يبتاعها والدي ورغم الواجبات المدرسية واللعب في الحارة شكلت تجربة فترة الأطفال في التلفاز نقطة تحول في مسيرة حياة أي طفل على الأطلاق في ذلك الزمان...
اليوم نحن في تسارع تكنولوجي لا مثيل له وفي تسارع إقتصادي وإجتماعي لم يسبق له مثيل أيضاً...
 
أن تربي طفل اليوم هو مسؤولية كبيرة، هل أترك هذا الطفل يشاهد التلفاز، أو يستخدم الهاتف، أو أتمشى فيه في الشارع  نجلس لبرهة في الحديقة تحت ظلال الزيزفون والسرو... هل أتركه يلعب في الحارة، "حجلة، طميمة، بيت بيوت"، أم أشتري له ألعاب تعليمية؟ . هذه الأسئلة التي تدور في فلك كل أمرأة شابة وهي تقلب السوشال ميديا بحثا عن مساعدة من قبل هذه المربية؛ أو تلك الصفحة،من قبل تلك السيدة التي ربت طفلها على تعلم القراءة وخرائط العالم في عمر  مبكرة، أو تلك التي تعلمت المنتسوري أو غيره.. تنظر برهة لطفلها وبرهة أخرى لزوجها المشغول في تقليب التلفاز وتقول لنفسها كل هذا يقع فقط على عاتقي أنا.
 
مزايا أطفال الألفية
 
هذا الجيل صعب لما لديه فرط حركة، وتربيته صعبة، انه جيل عنيد، إتكالي، غيور، لا يسمع الكلام، لا ينام في وقت محدد، لا يأكل جيدا، لا يمشي جيدا، هذا الجيل يفضح في الزيارات.
هذه الألقاب وغيرها تطلق على جيل الألفية ولكن هذه الألقاب لم تطلق على أمهات هذا الجيل، الذين تربوا من قبل أمهاتهن أين الخلل؟ هل الخلل في الأمهات أم في الأطفال؟ 
 
الأمهات المبدعات المسيطرات
 
الأم سبايدر  التي تعلمت كيف تسيطر على أطفالها وحولت طفلها إلى بطل تحلم أمهات هذا الجيل في إنجابه و تربيته بهذه الطريقة، فالأم سبايدر تمشي مع طفلها خطوة خطوة في جو عائلي رائع تستطيع هذه الأم أن تسيطر على كل مشاكل أطفال الألفية حيث يأكل هذا الطفل في أوقات محددة؛ وينام أيضا في أوقات محددة  يصحو صباحا لتناول الأفطار في أجواء هادئة،! وينعم بالركض خارج المنزل في دول هادئة، هذه الأم لا تحمل بالغلط أبدا بين الطفل الأول والثاني خمس سنوات أو أكثر...! تستطيع هذ الأم أن تجلس معه في حديقة خيالية ويستطيع هو أن يمشي دون أن يسقط في حفرة أو أن يؤذي نفسه أثناء الركض.
 
توفر له والدته الألعاب التعليمية التي يتجاوز ثمن كل لعبة ال 10 دولارات، وأن تعلمه أقسام الجسم من خلال نموذج يتعدى  سعره ال ٥٠ دولارا... ولديها الوقت الكافي لصناعة طفل تحلم به الأمهات أليس هذا الطفل هو مشروعها التجاري؟! ... سؤال يراودني لماذا جميع هؤولاء يسكنون في الخارج او في دول عربية ذات مستوى عال في المعيشة؟ 
 
كيف لنا أن نغطي الشمس بغربال؟ في عالمنا العربي يا سيدتي لا يوجد حدائق بهذه الروعة يستنشق فيها طفلي رائحة الزنبق والزيزفون، لا يوجد يا سيدتي  شارع خاص لعربات الأطفال، لا توجد النقود الكافية لإطعام الأطفال، لا لشراء الألعاب التعليمية كنا وما زلنا في الكثير من البلدان نصنع من أغطية العصائر لعبة جميلة ومن بواقي القماش طائرة تحلق في الأعالي.. 
 
سيدتي الجميلة نحترم مشروعك الخاص وطفلك الخارق فأنت لديك الوقت الكافي لقيادة مشروعك مثل الكثير من النساء العاملات اللاتي يهتمن بأعمالهن في مجال الخياطة وتعبئة الفوط الصحية والشبس، والتدريس، والتمريض وغيرها من المهن... ويتركن أطفالهن طوال النهار، فهؤلاء  الأطفال يبحثون فقط عن حضون أمهاتهم ولا يحتاجون لتعلم القراءة والكتابة في وقت مبكرة وهناك متسع من الوقت لتعلم كل ذلك ١٢ سنة دراسية كفيلة أن تعلم طفل القراءة والكتابة والعد والعواصم بمتابعة بسيطة لوالدته بعد الدوام.
 
سيدتي، ان أغلب أزوجهن لا يساعدون في  تحمل أعباء المنزل هي وحدها تعمل وتعمل وتصنع أطفال مستقبلين جميلين دون أن يراها أحد...
نصائحك الجميلة عن التلفاز أدركها التلفزيون الأردني في التسعينات وما زال هناك فترة محددة للأطفال من ساعة لساعتين والتلفاز ليس جهاز غبيا كما وصفته..
وكذلك الجهاز المحمول هو ليس غبيا نحن الأغبياء في استخدامه، الأسلام علمنا الوسطية في كل أمر وأمهاتنا علمننا المراقبة في كل أمر ولكن الدلع وعدم المسؤولية وعدم السيطرة هي من توصل أطفالنا إلى هذا الحد وانتشار الأمراض ليس "التلفاز، الهاتف" ...
 
علموا بناتكم المسؤولية فهي تجلس بمتابعتك بالساعات وتترك طفلها بالساعات حتى تشاهد البث المباشر الذي تقومين به، مشروعك الخاص أصبح يلبس أفضل الملابس، ويعيش في أفضل الأماكن؛ وطفلي وأنا نتحسر على طاولة في الخلفية؛ أو غرفة صغيرة تلمنا، أطفالنا اليوم يشاهدونك ويشاهدون أطفال قنوات الأغاني ويبكون  على الملابس والالعاب والمناظر الجميلة... فنحن إذا خرجنا من المنزل ممكن أن نسقط في حفرة إمتصاصية، وممكن أن نشتم فقط روائح الأدخنة السامة، إذا بقينا بالمنزل سنشاهد التلفاز ويتشاجر أطفالنا على الهاتف بسبب الملل والخوف من الخارج  الخوف من الحديقة من الحارة من الوطن من قصص التعدي على الأطفال.
 
الطفل السليم بحاجة إلى ضبط و إتزان في التعامل معه وهو بحاجة إلى "قلب مثل الدرب" كما قالت والدتي لي وكانت جدتي تقول لوالدتي " تربية الصبيان مثل كسر الصوان" مشروعك الخاص هو سبب تعاسة الكثير من الأمهات .. الأم التي تريد أن ترضع طفلها سترضعه بإرداتها هي وليس بنصائحك هو قرار يخرج من عقلها والله قال " هديناه النجدين" الرضاعة قرار والنوم قرار والأكل قرار والتربية قرار وصبر ومثابرة من قبل الأم والأب.
 
 أمهاتنا أيضا عانين جدا في تربيتنا... هل تصدقين أن أمي لم تشارك في مناسبة حتى كبرنا، في الساعة الواحدة ظهرا ومنذ ٣٠ عاما يكون الغداء على الطاولة هل تستطيعين القيام ب  ذلك.. كيف رتبت كل هذه الأمور بالفطرة من غير أن تلجأ لأحد ! أليست أم؟  
 
أمي كانت وما زالت تضحي لأجلنا نحن كما الكثير من الأمهات الفاضلات في الأمس واليوم  أمهاتنا صبورات قويات، ريتنا نأخذ القرار من داخلنا لنكن كذلك... نصيحتي البسيطة لكل فتاة ،"أمك مدرستك الأولى في التربية  إجلسي معها وقولي لها كيف ربيتني يا أمي وستتعلمين الكثير أعاهدك على ذلك".
 
شاركي طفلك واكسري الحواجز اسمعيه تحدثي معه دعيه يسرد الحكاية بعد أن تقرأيها عليه أول مرة .


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد