يشهد الوضع في سورية توتراً غير مسبوق، فأعين العالم شاخصة على ادلب، ويتساءل كثيرون عن هذا الصراع العنيف على ادلب وتمسك اردوغان ومرتزقته بقرار عرقلة دخول الجيش السوري ادلب وتحريرها من التنظيمات المتطرفة و جماعات معارضة أخرى تعمل تحت واجهات إسلامية، وذلك عبر توفير التدريب والسلاح لها.
الهجوم التركي على الشمال السوري مغامرة كبيرة ونتائجه أكبر وأخطر،طبيعي أن يكون هذا هو خيار أردوغان، فالهزيمة قوية وعنيفة والضربة قاسمة للظهر خاصة في ظل خطاب إعلامي من أن الجيش التركي منتصر وسيدخل الشمال السوري قريبا!! وإذا بالجيش يتلقى خسارة كبيرة ويفقد أهم معاقل له في عملياته العسكرية، في هذا الوقت، لا تزال المساندة الغربية لتركيا محصورة في الإطار الكلامي، من دون خطوات فعلية تعبّر عن نيات دعم جدية.
في هذا السياق تمكّن الجيش السوري من استعادة السيطرة على كامل مدينة سراقب الإستراتيجية، وبالتزامن مع السيطرة على المدينة، استعاد السيطرة على بلدة حزارين المجاورة، بالإضافة إلى بلدتَي كفرموس وكوكبة، وفي الوقت نفسه أعلن الجيش الروسي أن وحدات الشرطة العسكرية التابعة له دخلت سراقب، لضمان الأمن وحرية حركة النقل والمدنيين على الطرق السريعة M4 وM5 ويُعدّ الإعلان الروسي الأخير مؤشراً إلى تقدّم المفاوضات بين موسكو وأنقرة. إذ من المستبعد أن تكون روسيا قد نشرت شرطتها العسكرية في سراقب من دون إبلاغ تركيا بذلك والتوافق معها عليه.
على خط مواز، أردوغان يستبق قمته المرتقبة مع الرئيس بوتين في موسكو بأملٍ في وقف إطلاق النار في إدلب غدا الخميس فضلاً عن تسوية العلاقات المتأزمة فيما بينهما، والمتتبع للشأن السوري والدولي يدرك مدى أهمية هذه الزيارة التي كانت مدفوعة بعدد من الاعتبارات أهمها: تأكدت أنقرة أن الرياح لا تتحرك في صالحها، وأن نتائج الحرب في سورية لم تحقق أهدافها.
لكن لوهلة، وقع أردوغان المتجه بآمال كبيرة إلى روسيا بفخ روسي محكم الصنع وعلى وجه الخصوص، الدعم الروسي للجيش السوري في مواجهة الإرهاب، الأمر الذي أراد أردوغان له أن يتوقف، وهو الخلاف الذي اعتبرته تركيا بمثابة إعطاء الرئيس الروسي ظهره لمصالحة مع أنقرة، لتتبعه المزيد من الخلافات بشأن سورية والمواقف والتصريحات التركية المعادية لروسيا، الأمر الذي وصل بالعلاقات الروسية التركية إلى حالة غير مسبوقة من التوتر، وفي هذا التطور الجديد أعلنت الرئاسة التركية عزمها على إعادة تقييم ومراجعة العلاقات التركية مع موسكو.
قد يكون من المبكّر الحديث عن تفاهم قريب بين روسيا وتركيا في المسألة السورية، في ضوء التناقض الكبير بين إستراتيجيتهما في هذا البلد، خاصة بعد أن فقدت تركيا المبادرة في سورية، وتراجع دورها هناك.
وموقف موسكو من الأزمة السورية الذي لم يتغير أبداً، وهو الموقف نفسه الذي ذكره مراراً وتكراراً كلّ من: الرئيس فلاديمير بوتين، ووزير خارجيته، بقولهم "ندعم سورية في الحرب ضدّ الإرهابيين".
وفي الاتجاه الآخر أخطأت تركيا في قراءة إنسحاب القوات الروسية من سورية ومدى جديّتها في استمرار المعركة لمكافحة الإرهاب ، بذلك شعرت تركيا ضعفاً كبيراً، فقد ظنت تركيا أن التوغل في الشمال السوري سيكون عبارة عن انكسار وهزيمة للجيش السوري وهكذا راكم خطأ التقدير سلسلة طويلة من الخيارات الغير صحيحة، والتي كان لها أثر مباشر في كسر هيبة تركيا ودورها المؤثر في المنطقة.
في ظل هذه التغيرات الميدانية التي تجري فيما يتعلق بالحرب على الإرهاب، فإن السوريين باتوا اليوم على مقربة من إعلان نصر إستراتيجيٍ لا سيما بعد تحرير سراقب والقرى المحيطة به، هذا الإنتصار سيكون نكسة للقوى المتطرفة وللسياسة التركية في سورية، لذلك أصبحت أنقرة تجد نفسها اليوم أمام واقع مُغاير رسخه الدور الروسي في سورية والمنطقة بأكملها، فالتدخل العسكري الروسي في سورية قلب المعادلة في سورية، و إستطاع الجيش السوري إسترداد المناطق القابعة تحت سيطرة جبهة النصرة والقوى المتطرفة الأخرى
واختم بالقول: أصبح الشعب السوري قادراً على رمي الرايات السوداء، ورفع بدلاً عنها العلم السوري الذي يجمع كل السوريين ، لذلك فالأيام القليلة القادمة من شأنها أن تحمل المزيد من المفاجآت والتطورات، مما ينذر بأن المنطقة مقبلة على تغييرات كبيرة.