صفر

mainThumb

12-05-2020 10:49 PM

لست مثقفا كثيرا بعلم الوبائيات ونقل العدوى وانتقال الأمراض وطرائق انتشارها ، لكن مع تقديري المتواضع ان المرحلة الحالية تتطلب التعايش مع المرض ، اي كيف نحمي أجسادنا والمجتمع من الإصابة بالفيروس؟ ، خاصة إذا ادرك الجميع انه لا يوجد لغاية الان لقاح لمرض كورونا او علاج يخفف من أعراضه نهائيا.

هي حقيقة يجب أن يخطط لها بتكتيك معين من صانع القرار ، حتى لا تبقي الدولة رهينة التجارب والتقييم والمراهنة على النجاح وحتى لا يبقى المواطن حبيس الفردي والزوجي ورهن الاعتقال والمخالفة والغرامة ، وبصورة ثانية ان عملية تسجيل حالة صفر ليس هو اعلان نهاية المرض او اعلان الانتصار عليه فعليا ، لأن الفايروس ما زال حيا وبمتاز بخصائص خطيره عن غيره من حيث وسائل وسرعة الانتشار، كما هو حاصل في دول قريبة للاردن.

إذا ان المسألة تتطلب الان تكاتف الجهود كافة للخروج بوصفة مجتمعية يتقيد بها الناس في عملية التباعد الاجتماعي بكل ما تعنيه الكلمة، وترسيخ القناعه لدى المواطنين بان التباعد سبيلهم الوحيد الى النجاة، وهو طريقهم الوحيد للوقاية من عدم الإصابة بفيروس كورونا، والا فإن المرض موجود وأسرع ما ينتشر وينتقل بين البشر .

معادلة صفر لا تعني الخروج من عنق الزجاجة، وان البلد أصبح نظيفا تماما من الجائحة وفي منأي عن الاصابة كرة أخرى، بل على العكس من ذلك فإن هذا المرض افضل ما يشبه بالعدو الخفي او المتربص بالإنسان واي ثغرة او تهاون يدخل منها ، وخير مثال على ذلك عندما سجلت المملكة قرابة ثمان ايام متتالية حالة (صفر)، وأعتقد الجميع واطمأن بانه تم الخلاص من كورونا ، الا انه سرعان ما تبددت احلام الناس وعاد المرض بالانتشار السريع من خلال سائق الشاحنة ، وهو شخص واحد نقل المرض الي اكثر من 50 شخص وما زال الحبل على الجرار، والكخفي أعظم. كما والأهم تسبب أيضا بانتكاسة كبيرة لجهود الدولة، وتسبب كذلك باحباط الناس واثار غضبهم واثار جنونهم ، وقامت الدنيا ولم تقعد ، واستدع الأمر نزول الحكومة الي الشارع والظهور على وسائل الإعلام لجبر خواطر المواطنين، وتهدئة الشارع وتقديم المسوغات وتبربر الإصابة، والاعتذار، وتضارب التشخيص للموضوع .


وَيستطيع صاحب القرار والناس كذلك القياس على هذا الخطأ وما تبعها من أمور .


وهنا اعتقد ان الانتكاس سببها طريقة الحكومة في التعامل مع المرض ومن جانب اخر طريقة تعاطيها في نقل المعلومة والتحول من حالة الاستنفار الي حالة الاسترخاء والتباهي وقلب الموضوع من أزمة الي ظهور غير مبرر في َبعص المحطات.

وبمعنى اخر ان على الحكومة مسؤولية كما على الناس في نفس الدرجة ، إيجاد طريقة معينة من أجل التعايش مع المرض، لان هذا الوضع قد يستمر شهور وسنوات مع الوباء أخذه في نصب عينيها الحفاظ على سلامةَ وصحة وحياة الناس.


فقد استطاعت كثير من الدول التعايش مع أمراض مشابهه او كانت اقل خطرا وفتكا في حياة الناس، مثل حال الانفلونزا الموسمية او فلونزا الخنازير او الطيور ، كما تؤكد التقارير الطبية الى الان؛ إذا الخلاص من هذا المرض ليس باستدامة تعطيل مؤسسات الدولة في ظل عدم وجود لقاح لغاية اللحظة؛ وإنما هي التوافق على طرائق باعادة الحياة إلى طبيعتها مع اشتراطات وقيود على بعض السلوكيات والتصرفات المجتمعية، مع ضرورة اقتناع المواطن بأن تعاونه والتزامه وتحمل مسؤوليته تجاه الحد من انتشار المرض والقضاء عليه امر واجب دينيا وأخلاقيا ووطنيا ولا سبيل النجاة غير ذلك؛ لان طرق السلامة محدودة الاختيار والاخرى منثورة بالشوك ، والا فإن المواطن من يتحمل تبعات وأضرار واثار عدم الالتزام ومواصلة تعطيل دوائر الدولة وعجلة الحياة العامة وهو بالفعل من تحمل الفاتورة ، وخاصة إذا علمنا بأن الدولة الاردنية لا تستطيع المقاومة كثيرا لظروف اقتصادية جمة ، ولقلة الموارد والمداخيل او بلغة اخرى عدم استثمار ها بطريقة مثلى .


إذا فإن عملية تسجيل حالة صفر نرجوا ان لا تكون كسبا للوقت او لغايات تسجيل نجاحات بقدر ما هي تحمل وصفا للمسار وتحمل للمسؤولية بامانة واخلاص وبكل شفافية؛ لان المرحلة الحالية لا تحتمل سوى الشفافية كوسيلة للصراحة وايضاح الأمور على طبيعتها للناس، وغير ذلك أن التاريخ لن يغفر لاحد. وهنا لا أحد ينكر الجهود الكببرة التي بذلت في هذا المجال والسيطرة على المرض وهي مبعث اعتزار وفخر للأردنيين والعرب جميعا.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد