تطور ظاهرة الفساد في الاردن

mainThumb

25-06-2020 01:34 PM

لمْ تَكُن ظاهِرةُ الفَسادِ شائِعةً في المُجتَمعِ الأُردنيِ قبلَ نُشوءِ الدَولةِ الأُردنيةِ في مَطلَعِ القَرن ِالماضي.حَيثُ كانت مُجردَ ظاهرةً محدودةً تَتَسِمُ بالنُدرةِ ،وَيُعزَى السَبَبُ الرَئيسُ في ذلِكَ إلى الظروف ِالداخليةِ :مِنْ حيث التعداد السُكاني للمُجتمعِ الأُردني الذي لَمْ يتجاوز رُبع مليون نسمة في بادئ الأمرِ ،إضافةً إلى مَحدوديةِ المَواردِ ، َو ضَعفَ القِيّم المادية في المُجتمع آنذاك.


الجميعُ يَحيا مُستوى مَعيشي مُتقارِب ؛فَلا تَفاوتٌ طَبقيٌ واضحٌ بينَهم . البِلادُ لِأهلِها يَجنونَ ثِمارَها، وكل فَردٍ منهم يَعِرفُ حُقوقَه ولا يتعدى حُدودَه، لقد كان المجتمع الأردني يعتمد في معيشتهِ بالدرجةِ الأولى على الزراعة ِ،والثَروة ِالحيوانيةِ، وفِئةٌ قليلةٌ جدًا مِنهُ تَعملُ في مجالِ التِجارةِ. بِشكلٍ عام فإن الاقتصاد الأردني رغم إمكاناته المحدودة والموارد الشحيحة في الدولة، إلا أنه كان يتمتع بنوع ٍمن الاكتفاء ِالذاتي.


بدأت ظاهرة الفساد فعليًا مع مرحلة إقامة الدولة والإدارة والأجهزة البيروقراطية وذلك بعد الاستقلال ، وثمة علاقة بين ظاهرة الفساد ونشوء الدولة في العالم الثالث في بعض ادبيات علم السياسة ، وفي هذا الصدد فقد جادل عالم السياسة الامريكي الشهير صموئيل هنتنجتون (1927-2008) في الستينات من القرن الماضي بالفضائل الاقتصادية والاجتماعية للفساد، واشار الى ان الفساد يوفر فوائد اجتماعية واقتصادية لبعض الفئات المهمشة في المجتمع، وكذلك يساعد في النمو الاقتصادي من خلال التغلب على بعض العقبات البيروقراطية الدولة ،مما يؤدي الى دفع عجلة التطور والتحديث ، وان كان نأي الكثير من علماء السياسة والاقتصاد والدول المانحة اضافة الى مؤسسات مكافحة الفساد عن هذا الراي مفضلين اظهار المشاكل التي يسببها الفساد .

وبشكل عام يمكن القول ان ظاهرة الفساد كانت ظاهرة محدودة وممارستها من قبل فئة قليلة جداً من أصحاب النفوذ والسلطة، ولعل اول من تطرق الى ظاهرة الفساد في الاردن هو دولة الشهيد هزاع المجالي، والحقيقة أن هزاع المجالي من رؤساء الوزارات القلائل في تلك المرحلة والذي كان له موقف واضح بخصوص الفساد في الجهاز الإداري حيث يقول: ومشكلة الجهاز الإداري وضرورة تطهيره، مشكلة متمادية متقادمة العهد، عرض لها أكثر البيانات الوزارية، فما كانت حكومة جديدة تلي الحكم في هذا البلد، إلا وتبادر في بيانها الوزاري إلى القول بأنها عازمة على تطهير الجهاز الإداري، وهذا ولا شك دليل على أن هذا الجهاز قد امتدت إليه يد الفساد، في بعض أجزائه على الأقل...).

بالرغم من ضعف الوعي السياسيّ عند الأردنيين في مطلع القرن العشرين، أو بدايات نشأة الدولة الأردنية، فقد أدرك المجتمع الأردني من مثقفين ووجهاء وشيوخ عشائر أخطار الفساد وآثاره المدمرة، فاحتجوا عليه ودعوا إلى مكافحته.

لقد كان العمل والخبرة والمصلحة الوطنية أهم معايير إشغال الوظائف العليا في البلاد ولم يكن للمال دور في بروز الشخصيات الوطنية فعلى سبيل المثال فإن أشخاص مثل سعيد المفتي وفوزي الملقي وهزاع المجالي وسليمان النابلسي وسعد جمعه قد تولوا أعلى الوظائف في الدولة الأردنية ولكن لم يصل أي منهم إلى موقعه نتيجة ثراء، ولم يحاول أي منهم وهو في موقع المسؤولية الإثراء بطريق غير مشروع، لا بل إن بعضهم قد توفاه الله وهو مدين للبنوك، فالنزاهة والاستقامة والحفاظ على المال العام كانت هي القاعدة، والفساد هو الاستثناء، على النقيض تماماً ما نشاهده هذه الأيام حيث يجمع رجال السياسة بين الثروة والسلطة، لا بل أن الثروة أصبحت الطريق نحو السلطة والمسؤولية، فأصبح -والحال هذه- الفساد هو القاعدة، والنزاهة والاستقامة هما الاستثناء.

وتعطينا مداولات أعضاء مجلس النواب الأردني في تلك المرحلة معلومات ذات أهمية عن نظرة رجال الدولة للوظيفة العامة، لذلك لا غرابة أن نجد على سبيل المثال عضواً بارزاً في المجلس النيابي السابع مثل نجيب ارشيدات أثناء مناقشة البيان الوزاري لحكومة السيد وصفي التل يقول: (إن الإنصاف يضطرني أن امتدح الحكومة رئيسها ووزراءها على نزاهتهم إذ لم أسمع ولم يخبرني أحد بأن أحداً منهم قد مد يده وأخذ قرشاً واحداً بالباطل). لم يمتلك خالد الذكر وصفي التل قصرا منيفا يضع فيه قاصات ليخبئ فيها ثروات او وثائق.

لقد آمن وصفي التل بأن الحكومة أداة الإصلاح الرئيسة في الدولة، ولذلك شرع بإصلاح الإدارة الحكومية، وألف لجنة برئاسة الدكتور خليل السالم، وزير الشؤون الاجتماعيّة’ ووزير الدولة لشؤون رئاسة الوزراء، لدراسة الإصلاح الإداري في أجهزة الدولة، واستصدرت الحكومة قانوناً أقره مجلس الأمة، يعطيها صلاحيات واسعة تتجاوز الصلاحيات الواردة في قانون الخدمة المدنية، بحيث أصبح بإمكانها إعفاء أي موظف من منصبه، إذا ثبت ضعف كفاءته أو فساده، ونال الإصلاح، أو التطهير – كما كان يسمى – مختلف أجهزة الدولة وأمانة العاصمة، واستطاعت الحكومة بين آذار وأيار 1962 الاستغناء عن حوالي مئتي موظف، وأعلن وصفي في أيار 1962 إيقاف عملية التطهير.

لقد كان هناك اعتقاد عام لدى النخب السياسيّة وكافة أفراد المجتمع بأن الفساد موجود ولكن على نطاق ضيق جداً، وأن مكافحته تكون عن طريق الحكومة باعتبارها صاحبة الولاية وأداة الإصلاح الرئيسة، وحتى تصبح هذه الأداة فاعلة ومؤثرة لا بد من تطهير أجهزتها من العناصر الضعيفة والفاسدة.

ويُعدّ دولة السيد أحمد عبيدات من الأردنيين القلائل الذين كان لهم رأي مخالف، فقد جاء أحمد عبيدات من أسرة عادية من الطبقة المحدودة الدخل، ولم يكن من أبناء الزعماء والشيوخ، ولقد حاول الخروج على السياسة الأردنية التقليدية التي كانت تتعامى عن الفساد، فحاول عبيدات، لأول مرة، أن يمارس الولاية العامة وشنت حكومة أحمد عبيدات هجوماً على كبار الساسة الفاسدين وأساليب تعاملهم مع المال العام، وأعلن مبدأ من أين لك هذا؟ ولكن حكومته لم تعمّر طويلاً حيث شكل أحمد عبيدات حكومة في 10 كانون الثاني 1984، وأقيلت الحكومة في 4 نيسان 1985، بالرغم من الجهود التي حاولت حكومة أحمد عبيدات بذلها سواء على صعيد مكافحة الفساد أو ضبط الإنفاق وترشيد الاستهلاك. وللحديث تكملة باذن الله .


اكاديمي وكاتب ومفكر اردني



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد