أيغادرنا أكتوبر دون أثرٍ جميل؟

mainThumb

28-10-2020 10:34 AM

قبل عامين وفي مثل هذه الأيام كتبت مقالا بعنوان "هونا علينا يا أكتوبر"، كنت أناشد فيه هذا الشهر أن يخفف ما يحمله بين نسائمه من حنين، حيث تصحو فيه رائحة الشتاء كل صباح، ونتوق فيه للنوافذ الباردة، للأكواب الساخنة، للطرقات المبللة، للذة التراب الممزوج بقطرات المطر، لدقدقات البَرَد، لِحُلُمٍ بِكرة ثلجية نذيبها في وجه أحدهم، وأيضا إلى خرابيش نرسمها على ألواح من الزجاج المغطاة بالأبخرة المتكاثفة.

ولكن، ها هو أكتوبر قد شارف على الانتهاء، ولم يراودني هذا الحنين، ولم أشتم رائحة أي شيء، ولم تتوق نفسي لأي مشهد، وكأن ذاكرتي فارغة، بل وفارهة بذات الوقت بثقل حملها.

فما بالك يا أكتوبر لم توقظ في حنايانا أي مواطن ساكنة؟ أهي الظروف الراهنة التي فرضتها هذه الجائحة اللعينة من حالت بين أحلامنا وما من المفترض أن تحمله لنا معك؟ أم أن الخلل فينا نحن وقد مات بداخلنا كل شيء، أو أننا فقدنا الإحساس بلذة أي شيء.

فقد أصبحت وجهتنا كل صباح نحو قراءة ما تراكم علينا من أخبار خلال السويعات القليلة التي غفونا بها، وهي في تسارع مرعب، أشعر أنه لم يعد يفاجئنا شيء، بتنا نستقبل أي خبر مُفجع وكأنه خبر عادي، وأي خبر مُفرح كذلك أصبح خبرا عاديا، كلا النوعين في نسق واحد، وكأنه غير مبرر لنا أن نفرح لهذا أو نحزن لذاك.

وقد أَختصِرُها بأنها حالة من "اللامألوف" نعيشها هذه الأيام، حتى قهوة الصباح بات لها طقوس أخرى، ولم يعد لقطعة الحلوى بجانبها أي معنى، كل شيء تغيّر، حتى نحن تغيرنا مع أننا نردد عبارات ندعي من خلالها غير ذلك.

لا ترحل يا أكتوبر قبل أن تُصلح الحال، فَكُثُرٌ هم غيري من يُعوّلون عليك آمالا بأن تنفض غبار ما يجري عن كل أرجاء الكون، عن أرضه، وبحره، وسمائه، عن ما تقنصه أعيننا بحدتها، وما تحلله أدمغتنا بتفكيرها.

أرجوك، دعنا ندخل شقيقك الثاني بما يليق بعائلة تشرين، فتماما أنتما عائلة الحنين، ولن نقبل مروركما دون ذلك الأثر الجميل الذي تتركانه في ذاكرتنا دورة كاملة من العام.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد