رحلتي مع الضيف كورونا

mainThumb

12-11-2020 07:10 PM

دعوني ببسم الله أبدأ حكايتي مع الفايروس المدعو "كورونا" الذي تجاوز حدود المنطق والعقل مع كل شخص طرق بابا عليه إلا "أنا"،  نعم؛ فإلا أنا لم يكن هذا الفيروس وبالا على صحتي وعائلتي وكل من خالطت، بفضل الله الذي لا يحمد على مكروه سواه.
 
ففي اللحظة الأولى التي علمت بها عن إصابتي،  ضحكت من كل قلبي،  ليس لأنني كنت متوقعة ذلك،  ولكن لأن في داخلي عشق كبير لروح المغامرة،  فدائما أفضل أن أجرب كل ما يمر به الكون مهما يكن ما يمر به،  وهكذا أنا،  أكره الروتين وتفاصيله إن لم يتخللها شيئا مغايرا يدخل الذاكرة بقوة ويكون له مكانا لا ينسى فيها.
 
وحيث التفاصيل،  فقد عدّا اليوم الأول بكركبته اللامعقولة، ودخل اليوم الثاني حتى تمكنت من بعض الإجراءات التي كان لابد منها، وصولا إلى اليوم الثالث من تاريخ إصابتي حيث طرق بابي والمفروض أنه لا يُطرق،  فالكل من حولي متخوف على نفسه، وإذ بالباب "أمي وأبي"..  يال عظمة الوالدين! فأي حروف أكتبها عنهما هنا "يكفيني ما عشتُ" وضمني،  "ويكفيني ما عشتُ" وضمتني، وأنا لم أقاوم حضنيهما أبدا، هي لحظة تتوقف فيها كل أنواع التفكير،  إنما كان يقيني بالله أنه لن يضرهما بسبب هذا التصرف،  وها قد عدا شهر على إصابتي والحمدلله لله هما والكل بخير. 
 
والآن جاء اليوم الذي كنت فيه لوحدي تماما مع هذا الفايروس حيث شعور الوحدة والعزلة والحجر،  فكرت مليّا ماذا أفعل؟ كيف أرحب به؟ وإذ بيدي تمسك هذا اللون وترسم صورة لطيفة له على المرآة،  حينها أديت عليه التحية،  ورحبت به معتذرة عن تأخري بهذا الترحيب،  وكان لطيفا ومقدرا لظرفي.
 
كم كانت اياما لطيفة بكل تفاصيلها.. حتى أن الفايروس كان خجولا معي، ولست أعلم ما السر وراء ذلك،  إنما أظن أن السبب بأنني لم أُشعره أبدا أنه كائن مخيف ومرعب،  فكيف ذلك وهو ضيف من ضيوف الرحمن، وقد كبرنا على احترام الضيف مهما كان وأيا يكن،  وإن تودون القول بأن هذا فايروس وليس ضيف؛  فاسمحولي أن أقول بأننا استقبلنا أقدارا أخطر وأمرّ  وتعايشنا معها ورضينا بها،  فلماذا الأمر يتوقف عند هذا اذا؟
 
وعودة إلى الفايروس،  ففي كل صباح،  عندما افتح عيناي يكون هو أول صورة أراها،  وما هي إلا ثواني معدودة حتى تضح الرؤية ويعود لي الوعي بأنني مصابة به فأبتسم وألقي بصباحاتي عليه المحملة بوردتي الأوركيدا والتوليب اللتان أحبهما،  فيرد بنفس العبارة،  بكل خجل؛ ثم أسأله عن أحواله وما إن كان يخبئ لي أي أعراض مفاجئة في جعبته، واستمرت الإجابة المصحوبة بابتسامة طوال الثلاثة عشر يوما "عندما ينتهي اليوم ستعرفين".
 
وخلال يومي كنت أحادثه عن كل ما أفعله، كنت أتشارك معه كل الأحداث،  وكأنه شخص يقيم معي،  وعندما أشعر بعارض غريب أسرع إليه وأسأله،  فيجيبني "اطمئني،  ليس بسببي".
 
وأخيرا جاء اليوم الأخير من فترة حجري،  وهو اليوم الوحيد الذي شعرت به بالخوف، حيث أنني عندما صبّحتُ عليه، وسألته عما يخبؤه لي في آخر يوم له معي؟ فعلى غير عادته أجاب بحزن "غدا ستعرفين"، غدا؟  أثارتني الإجابة،  "لماذا ليس اليوم"،  قلتُ في نفسي.
 
ومر اليوم الرابع عشر،  وجاء صباح اليوم الذي يليه،  فتحت عيناي وإذ بدموعي تسبقني،  لم أفهم السبب في حينها،  ولكن سرعان ما فهمت الأمر عندما نهضت متجهة إلي مرآتي وإذ بالفايروس قد غادرها تاركا لي قلبا أبيضا وعبارة "إطلبي منهم أن يسامحوني،  فليس الذنب ذنبي بما فعلوه بي"!
 
عدت للبكاء،  لقد عز علي رحيله حزينا، مكسورا،  فنعم..  ليس الذنب ذنبه بما طوروا عليه خلال التجارب، ولكن ما باليد حيلة،  جعلوه قاتلا لأصحاب المناعة أو المقاومة الضعيفة، والغايات كثيرة جراء هذا التصرف،  وهي ليست مضمون حديثنا. 
 
ولكن.. الآن،  كي لا تستغربوا حديثي،  ألا يمكن أن نقيس ذلك علينا نحن كبشر،  فمن منا عندما يشعر أنه غير مرغوب به في مكان ما، لا يزداد قلبه ظلمة ولا يصبح شخصا غريبا ومؤذيا،  ولا يعود يفكر  بشيء غير الانتقام؟
 
هذا تماما ما حصل مع ضيفنا كورونا، فكُرهنا له قبل دخوله بيوتنا وشعورنا بالرهبة منه جعلتنا نتوهم الأعراض ونشعر بالتعب والإعياء،  وهو لا ذنب له في أغلب الأوقات،  فالوهم الناجم عن الخوف دائما قاتل،  ولو كل منا فكّر بطريقتي، وتعامل مع الأمور دون خوف ومنح لنفسه فرصة التعرف عليها واستكشافها لوحده قبل إصدار الحكم أو القرار المقرون بما يتداوله الناس؛  فحتما حينها أننا سنجتاز أكبر بلاء وأقوى مرض، حيث دائما للإنسان حكم مسبق،  ودائما يتفاخر بعبارات التنمر دون وعي،  فيجرح بها شعورا بريئا لم تكن له يد ولا حيلة بما وجد نفسه عليه.
 
قد أكون تأخرت بمقالي،  ولكن كيف لي أن لا أوثق هذه التجربة،  وانا لست قادرة على نسيان أي لحظة من تفاصيلها، فبعد كل ذلك.. ماذا يعني أن يصحو إنسانا مسيحيا على موعد صلاة الفجر ليدعو لي بالشفاء؟  وماذا عن، أن يردني قرابة المئة اتصال (محلي ودولي) خلال يومين فقط؟ وماذا أيضا عن قضائي ساعات لأرد على أكثر من ٧٠٠ رسالة يطمئن بها مرسليها عن إصابتي وصحتي؟  وماذا يعني كذلك أن ألتمس رجفة الخوف في نبرات أصواتهم،  وأن أشعر بلعثمات حروفهم المكتوبة التي يحاولون إخفائها بعبارات المزاح والضحك،  ظنا منهم أنني خائفة ربما أو حزينة. 
 
لن أكمل، فقد أطلت.. ولكن سيكون للحديث بقية عما حصل بعد ذلك، إنما الآن.. ليكن ضيفك لطيفا،  ويرحل لطيفا،  كُن أنت أولا كذلك،  ولا تُقلّد أحدا أو تُردد له قولا أو فِعلا. 
 
صدقا نحتاج أن يكون كل منا نسخة نفسه فقط.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد