الربا ومشكلة الطبقات الاجتماعية وسوء توزيع الثروة

mainThumb

18-04-2021 07:58 AM

يتكون المجتمع من ثلاث طبقات من الناحية الاقتصادية، طبقة الأغنياء والطبقة الوسطى وطبقة الفقراء، ويعتبر المجتمع السليم والمعافى هو المجتمع الذي تسود فيه الطبقة الوسطى على جميع هذه الطبقات، بمعنى أنها تمثل أكبر نسبة في المجتمع، فالطبقة الوسطى هي الطبقة المنتجة والمتمثلة في الطبيب والدكتور والمهندس والمزارع وأصحاب المهن والحرفيين والأيدي العاملة الذين يدفعون ويحركون عجلة الاقتصاد في كل دولة، وهي الطبقة المسؤولة عن الإبداع والابتكار والتطوير في الأفكار على أرض الواقع، ولكن، مع وجود الربا في المجتمع فهذا سيؤدي مع مرور الزمن الى التضييق على الطبقة الوسطى واتساع طبقة الفقراء على حساب الطبقة الوسطى، وبالتالي تعميق الانقسام المجتمعي بين الأغنياء والفقراء، ما يؤدي إلى سوء توزيع الثروة وزيادة لهث المجتمع وراء لقمة العيش لتأمين المأكل والمشرب والمسكن. 
 
الليبرالية الرأسمالية بقيادة آدم سميث تؤسس على الفائدة الربوية والاحتكار واحتكار القلة والمصالح الضيقة وقانون الطلب والعرض الذي يؤدي الى الانقسام الأفقي العميق بين الاغنياء والفقراء في المجتمع، الغرب تعامل بطريقة قانونية ذكية مع النظام الرأسمالي، وأستطاع أن يعالج وجود الربا في هذه الأنظمة، حيث أن الدولة بشكل قانوني تتكفل بتغطية مصاريف التعليم والمسكن والملبس والمأكل لجميع المواطنين المحتاجين، وبهذه الحالة قللت من المسؤوليات التي تقع على كاهل الطبقة الوسطى والفقيرة كما وأنها  فرضت ضريبة سنوية مرتفعة على أولئك الاغنياء، وبالتالي قللت من تضخم الطبقة الغنية وأدت الى تقليل الانقسام العميق بين هذه الطبقات، وأعطت مساحة أكبر للطبقة الوسطى على الإبداع والابتكار، وبهذا استطاع النظام الرأسمالي بإعادة توزيع الثروة والتحليق فوق مشكلة الطبقات الاجتماعية من ناحية إقتصادية وبقي متماسك ولم ينهار على مدار هذه العقود الماضية.   
 
الشيوعية الاشتراكية بقيادة ماركس نبذ نظام الفائدة واعتبره من اللصوصية وأسس نظامه على الحاجة ومبدأ الإنتاج والاستهلاك الذي يؤدي بنا إلى كبت الاختلافات الفطرية الفردية وزيادة المركزية المتشددة وتعميق البيروقراطية والتعقيدات الإدارية المؤدية إلى زيادة تكاليف الإنتاج. ماركس بدأ بمرجعية خطأ، بدأ بالاشتراكية التي تسعى الى مجتمع لا طبقي، فهو يتناقض مع نفسه أولا ومع المجتمع والكون ثانيا، ماركس لا يريد أن يعترف بالطبقات ووجودها ويريد أن يلغيها ويجعل الناس متساوية وهذا مستحيل ويتعارض مع الفطرة الفردية والانسانية، لذلك انهار النظام الاشتراكي وعاد ليتقمص ويتتبع أثار النظام الرأسمالي.  
 
الاقتصاد الإسلامي بقيادة محمد عليه الصلاة والسلام اعترف بوجود الطبقات بين المجتمع ولم يحاول الغائها إنما تعامل معها بميزان العدل وليس المساواة، وأسس نظامه على تحريم الربا بين الناس والاعتماد على البيع والشراء والإنتاج والمشاركة في الأرباح والخسائر، وتعزيز الجانب النفسي والروحي من خلال تعظيم قيمنا وديننا وعاداتنا الحسنة ووجود عقد اجتماعي يتشارك فيه جميع أطياف المجتمع ويكون أساسه مبني على أصالة القرآن الكريم وعلى معاصرة التطور والتقدم واحترام الإنسان، فالإسلام يعترف بوجود الطبقات الاجتماعية ولكنه يتعامل معها بميزان عادل بحيث يقلل من هذا الانقسام بين الأغنياء والفقراء من خلال فرض الزكاة السنوية على أموال الأغنياء للفقراء ويحث الفقراء على العمل والإنتاج، ومن جهة أخرى الدولة الإسلامية مسؤولة مسؤولية مباشرة عن تأمين حاجات الفقراء الأساسية من بيت مال المسلمين، وبذلك يحافظ المجتمع المسلم على توزيع الثروة و تداخل الطبقات واقترابها من بعضها البعض ويحفظ الطبقة الوسطى من التآكل، فينمو المجتمع المسلم ويزدهر ويعلو في سياق آيات القرآن الكريم ونحو قدر الله الجميل. 
 
ولكن يبقى السؤال يطرح نفسه بحسرة وألم، هل المجتمعات العربية والدول الإسلامية هي فعلا اسلامية أم أنها علمانية؟ واذا كانت اسلامية هل اقتصادها اسلامي منسجم مع دينها أم أنها علمانية تقوم على الفصل ويكون اقتصادها بالتالي ربوي؟ وإذا كانت ربوية هل استطاعت أن تعالج هذا الانقسام العميق بين الطبقات الاجتماعية وعملت على توزيع الثروة كما فعلت الرأسمالية أم أنها عززت هذا الانقسام ودخلت في دائرة الأنانية والإحتكار؟


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد