يُؤْتى الحَذِرُ من مَأْمَنِه

mainThumb

30-07-2022 03:19 PM

في صباح يوم ربيعي مشرق لطيف النسمات ذهب الحاج سويلم الى مكتب المهندس العماري هويمل الذي رحب به ايما ترحيب واطلعه بكل حفاوة على مخطط البناء الذي تم انجازه بالمصادقة عليه من البلدية.
سر الحاج سويلم ايما سرور فالرسومات تشير الى أن المنزل سيكون كما أراد ابنه الذي يعمل خارج البلاد فوكل والده بمتابعة ورشة البناء وتدبر امر البناء من بحث عن مهندس امين وبنّاء امين!
عندما جلس الحاج على كرسي في مكتب المهندس شاهد ان الجدران مغطاة بشعارات الأمانة وكذلك آيات قرانيه تحث على التقوى والحديث النبوي الشريف الذي يحض على اتقان العمل . لفت انتباه الحاج عبارة على لوحة مزركشة بأنوار تخفت ثم تتوهج :" اليد الأمينة ثمينة فان خانت هانت"
قال الشيخ : سأوكل المهندس بالأشراف على البيت ومتابعة سير البناء فيبدو من شعاراته انه صادق أمين ! وفوق ذلك فهو جار ويعرفه منذ زمن!
قال سويلم: يا سيادة المهندس اريد منك ان تشرف لي على البناء ومتابعة سير البناء فانت كما تراني رجل طاعن في السن وليس لدي من يتابع اعمال البناء والوفاء بمتطلبات البناء ولوازمه
انفرجت اسارير المهندس قائلا : انا أخدمك بعيوني ياعم! انت جار لنا وصديق للوالد ! لا تشغل بالك فسوف اتابع البناء خطوة خطوة
اتفق الحاج سويلم والمهندس هويمل على ان يأتي الأخير بالبَنّاء الذي سينفذ مخطط البِنَاء.
وتم الاتفاق والتقى الحاج سويلم البنّاء مُخْلِص: رجل في الخمسينيات من عمره يرتدي بدلة عسكرية مستهلكة ويعلو جبينه بين عيبنه زبيبة تشير الى كثرة السجود في قيام الليل بالإضافة الى لحية معافاة كقنوة النخلة المتعثكل اما شاربه فيبدو انه استعمل مزيل شعر كيماوي لِحَفّه ، وفي كل جملة لفظها طَعّمَها بأحد اسماء الجلالة : الرحمن الرحيم اللطيف الخبير ..
بهر الحاج سويلم بورع المهندس وورع البنّاّء قائلا في نفسه الطيب لا يجلب الا طيبا. وبعد تناول القهو والشاي طلب المهندس من سويلم سبعة الالاف دينار دفعة أولى لشراء الحديد والاسمنت
بعد ظهيرة ذلك اليوم : وصلت شاحنة تحمل أكياس الاسمنت تلتها شاحنة تحمل قضبان الحديد
تم تفريغ الحمولة في موقع البناء الذي كان يبعد عن منزل سويلم حوالى كيلو متر في قطعة ارض سهليه مزروعة بأشجار الزيتون خالية من المباني والطريق الموصل اليها كان ترابيا !
سر العم سويلم بو صول مواد البناء بعد تجريف الأساس للمبني فغداً سيباشر في البناء!
لم يستطع الحاج سويلم النوم الا قبيل الفجر لشدة فرحه باليناء الجديد !
وبعد ان صلى الفجر اخذته سنة من النوم ولم يفق الا عند الساعة الثامنة على صوت شخص يناديه يا حاج سويلم يا حاج سويلم
نهض متثاقلا يفرك عينيه : مين؟؟
أجاب الصوت أنا : مخلص"
قال تفضل . خير ان شاء الله
قال: مخلص من اين يأتي الخير ياحاج
الحديد والاسمنت سلامة تسلمك ، مافيه لا حديد ولا اسمنت!
صدم الحاج : لكنه صرخ : انت متأكد ... كل شيء مسروق ... هيا لنذهب الى الموقع وارى بنفسي!
انطلقا يتهاديان نحو الموقع
لقد تأكد الحاج سويلم من صِدْقِ مخلص. اتصل بالمهندس الذي حضر سريعا، وصل مذعورا واخذ يتمتم :" أبناء الحرام ، مجرمين ، ما فيه امان في البلد ... الحق ليس ع الحرامي بل الحق على من يترك ماله سائبا دون حارس فقد صدق المثل القائل : المال السائب يعلم السرقة!"
قال المهندس يا حج سويلم : الله يعوض عليك : حضّر سبعة الالاف دينار أخرى . سأتصل بمحل مواد البناء واطلب منهم ان يرسلوا لنا طلبية بدل ما فقدنا!
وأضاف يا حاج سويلم يجب ان تعيّن حارسا حتى لا تتكر ر السرقة ، والحارس عندي براتب شهري بقيمة 400 دينار!
قال الحاج سويلم فوضت امري لله و تم تعيين الحارس ... وفي اليوم التالي احضرت المواد وبوشر بصب الأساس...
بعد أسبوعين طلب المهندس لوازم بناء من حديد واسمنت ورمل واحجار بناء بقيمة عشرة الاف دينار ...
احضرت المواد ... لكن في صباح اليوم التالي
وجد الحارس مكتوفا و على فمه لاصق ،وقد سرقت جميع مواد البناء التي احضرت بالأمس!
حضر المهندس ومعه الحاج سويلم واخذ المهندس يكيل الشتائم للحارس ... الذي كان يرمق المهندس بابتسامة صفراء!
لاحظ الحاج سويلم ان المهندس يبالغ في شتمه للحارس ... فقال في نفسه وراء الاكمة ما وراءها...!
طلب المهندس مبلغا آخر فسلمه إياه الحاج سويلم قائلا :العوض بوجه الكريم!
غادر المهندس لكن الحاج سويلم عقد جلسة استشارية مع زوجته الحاجة " طانة" فقالت له انا اشك ان من استأمنتهم هم اللذين يسرقونك ... لم لا تذهب الى مركز الشرطة دون علم البنّاء والمهندس وتسرد لهم ما جرى ....
ذهب الحاج سويلم الى مركز الشرطة وخبرهم بما جرى مقدما معلومات كافيه عما جرى وعن الموقع. احيلت القضية الى قسم المباحث : قرا الضابط المكلف بمتابعة القضبة تفاصيل الشكوى بدقة وخلص الى ان هذه الشكوى يربطها عمل مشترك مع ما سبقها من شكاوى فجميع السرقات وقعت في المواقع التي يشرف عليها المهندس هويمل!
بعد ظهر ذلك اليوم افرعت شاحنتي تريلا مواد البناء في الموقع ....
واستمر العمل في الموقع في اليوم التالي
وعندما حل الظلام وخيم الصمت فوق هاتيك السهول بدد الصمت بعد منتصف الليل هدير شاحنتين تسيران على الطريق القادم من الناحية الأخرى ... توقفتا وقد اطفئت انوارهما .... ساد المكان حركة وجلبة تحميل قضبان الحديد واكياس الاسمنت وحجر البناء ... ورشة ليلة متكاملة ....
وبين الأشجار كانت اشباح تتقافز بخفة. سمع صوت ينادي : تمام يا مهندس هويمل البضاعة تم تحميلها: في تلك اللحظة أضاءت السماء طلقة تنوير وصوت جهوري : مكانك لا تتحرك المكان محاصر!
القي القبض على المهندس والعصابة التي معه -كانوا عمالا من خارج البلاد!
تبين من التحقيق :
المهندس هويمل اغرى العمال اللذين يعملون عنده في ورشة أخرى في الصباح بان يدفع لهم اجر مماثلا في الليل عند نقل البضاعة !
المهندس هويمل اتفق مع البنّاء مخلص على أن يرسى عليه اعمال بناء الورشات التي يشرف عليها ويتعهد ببنائها مقابل سكوته عن سرقته مواد البناء من الورش الأخرى وبذلك لا يخسر شيئا أي انه عندما يتعهد ببناء مسكن او عمارة فانه يحصل على المواد اللزمة بسرقتها من الورش التي يشرف عليها وبذلك لا يضطر الى دف اثمانها عملا بالمثل الشعبي :"من لحاها وسقّي لها" بل يكسب المزيد من مقاولات البناء التي ينفذها باقل التكاليف -اقل مما يأخذها غيره !
الحاج سويلم وامثاله: هم ضحية الاستغفال والخداع والتظاهر بالتقوى وهم ضحايا من يأتمنون على ارزاقهم
وصدق من قال: "يُؤْتى الحَذِرُ من مَأْمَنِه!"


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد