مناجاة نفس

mainThumb

22-08-2022 03:34 PM

كم تمنيت أن يصدق قولي فعلي، كم تمنيت أن أكون داعية طاهر القلب واللسان والجسد، صافي النية، مخلصاً لله، خالياً من الشرك الخفي! أحاول مرات ومرات أن كون صادقاً مع الله أولا، ثم مع نفسي، ثم مع الناس.
لكن ذنوبي تراكمت ورانت على قلبي فنكتت فيه مرات ومرات حتى رانت على هذا القلب المهموم بحطام الدنيا الفانية فعقدت لساني عن قول الحق وكفت بصري عن رؤيته ومنعتني من الرجوع إليه. أما استحي مما أقول؟ فأنا اضمر ما لا اظهر! تعسا لي إذا ما جنيت مقت الله ،لأني أقول ما لا أفعل، فكبر مقتاً عند الله قولي. ,ا خيبتاه! إذا لقيت الصالحين المؤمنين ، فادعي الإيمان مخادعا الله ومخادعهم، وما دريت إني خادع نفسي أولا! وا حر قلباه! هذا القلب الذي فيه مرض فزاده الله مرضاً، وجعل على بصري غشاوة: فبإسم المجاملة ضعف إيماني، فعظّمت المخلوق وجعلت الخالق ، تنزه عن ذلك، أهون الناظرين إليّ! أظن نفسي مصلحاً وما شعرت أني مفسد! إذا لقيت أهل الإيمان لبست لبوس الخشوع، وإذا لقيت شياطين الإنس أقول لهم إني معكم إنما أنا مستهزئ . اطرب إلى البيض ويملك سمعي اليراع المثقب! ولا استحي على شيبي! أو ذا الشيب يطرب؟ ينطلق لساني يثير الغرائز إذا لقيت صَبِيّة ، أفوه لها بكل زخرف القول، ويأسر سمعي ولبي هزيم البارقات الخلّب .وفي اللحظة ذاتها أهرول إلى الصلاة مزاحما على الصف الأول حتى دون وضوء! و لا ادري مع أي زمرة سوف احشر يوم الحشر. فكم جريت مع الأرانب واصطدت مع الكلاب! أوحي زخرف القول إلى شياطين الإنس ويوحون إلي، واضحك مستغربا( استلقي على ظهري من شدة الضحك)، وما دريت أني اضحك اليوم قليلا وسأبكي كثيرا يوم أرى العذاب مناديا ولات حين مناص!
أسير مع الصالحين ولست منهم، أومن بما يحلو لي من الكتاب ،وانبذ جله وراء ظهري كأني لا أعلم! إذا سمعت قولي يعجبك، واشهد الله على ما في قلبي أني احبك مع أني ألد الخصام لك، وإذا توليت سعيت في الأرض فسادا، وذريت عرضك آكلا لحمك ميتا. واسعي في الأرض فساداً، فآتي هؤلاء بوجه وأولئك بوجه آخر، أثير الفتن طائفية وعنصرية و تطبيعية، وعاطفية مهلكا الحرث والنسل، وإذا قيل لي اتق الله أخذتني العزة بالإثم فتوليت مدبراً، وفي أذني وقر. ابتساماتي مطبوعة "بتشيز"(cheese) حتى أكسب الأصدقاء بابتسامة زائفة. لا أتقي الله فيما أقول ولا أحذر الثعبان الذي في فِيّ! أقول ما ينبغي لمن هو في مثل سني أن يقول! احسب العمل شعارا على جدار، والولاء أن آكل من صحن السلطان وأضرب بسيف غيره! وأن اشرب من البئر والقي فيها حجرا، وان اقذف الشجر بالحجارة طلبا للثمر، وأخون الوطن باسم التطبيع! أنادي بالحشمة وأنا عاري الجسد! أصلي في الصف الأول ومحارمي تريدي حجاب النعامة المستور الرأس وباقي الجسد عاري! فالمكشوف منهم أعظم من المخفي! فالصلاة عندي ضرب من المجاملة الاجتماعية لا تأمر بمعروف ولا تنهى عن فحشاء و منكر ! أظن أني الذكي وغيري غبي! أتعالم وادعي العلم ولا ينطق لساني إلا بسفاسف القول وزخرفه، لا علم ولا معرفة، إلا تفاهات كشجر الزقوم طعام الأثيم الذي لا يغني ولا يسمن من جوع! فلم أتعلم الدرس من السنابل! فوعيت الماء بماعون مثقب فبقى فارغاً كلما طرقه طارقا ملأ ضجيجه الأجواء! لا أقوم إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس! حملت الأسفار وما عقلت ما فيها، إن تحمل عليّ الهث ، وأن تتركني ألهث! ولا أحفظ ود الوفي!
لا أنام الليل يتجافي جنباي عن المضجع، لا تفكرا في خلق السموات والأرض، ولا قياما في جوف الليل اذكر الله خالياً، فتنهمل عبرة حرى تغسل ما ران على هذا القلب من ذنوب ومعاصي في حالكات الليالي! ولا داعيا لأسير آو مظلوم في زاوية مظلمة من زوايا الأرض! ولا لأني عضو من الجسد الواحد تداعى بالسهر والحمى لعضو آخر مكلوم! بله! لأن حطاما من الدنيا قد فاتني ، أو تحسرا على ما صرت إليه ، فبت كمن ساورته ضئيلة من الرقش في أنيابها السم ناقع! ابكي بكاء شاعر يتمنى عودة شبابه فيخبره بما فعل المشيب. يلتاع قلبي آسى و حسرة، فهذا زمان الإنفتاح ، وآسف على ما يفوتني فيه من متاع الغرور فألجئ إلى حيل الدفاع النفسي: أدعي خفة الدم مع أنه لا يقطر من "الكربال"، أقول لغو القول فأقهقه إعجابا بتفاهاتي!أقول بلساني ما تعجز عنه جوارحي، وما دريت أن كلمة تهوي بي سبعين خريفاً في الدرك الأسفل من جهنم!
كل هذا ، أبيْت اللعن، ابكيه واهتم له وأَنْصَبُ! لكن لا أبالي إن صليت بوضوء آو بغير وضوء! ونفسي العفنة بما أصابها من غرور تأبى أن تقف في الصلاة بجانب مسلم أفضل مني عند الله لأنه ليس من عرقي، و لأني اشرب الماء صفوا ويشرب غيري كدرا وطينا، ولأني احمل شهادة مفبركة في علم الخرط-Khartology – شهادة ابتعتها من دكان يبيع لمن هب ودب! و ما الضير في ذلك فالقط يحكي سَوْرَة الأسد . ومن" قلة الخيل تشد على الكلاب السروج" ، أظن نفسي عالما مع أن " أبو جهل" أعلم مني! ادعي الذكاء وانأ أحمق من عقرب! لم اهتم وانصب لشهادة يوم المحشر!
فيا أيتها النفس الأمارة بالسوء! ألم يئن لك أن ترعوي فتذعني للنفس اللوامة حتى تصبحي مطمئنة؟ فغدا ستعلمين علم اليقين بل عين اليقين بل حق اليقين: يوم تسلكين في سلسلة السبعين ويؤخذ منك بالناصية الخاطئة الكاذبة ،والقدمين فتغلين والجحيم تصلين، ثم في سواء الجحيم تُعْتَلين يومئذ إلى الاختبار! لن تعودي حتى وإن صرخت يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله! ولن يستجاب لك وان صرخت : رب ارجعون رب ارجعون!
فهيا يا نفس لبي نداء الحق واشهدي أن لا اله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فالإٍسلام يجب ما قبله وفري إلى الله فباب التوبة مفتوح ورحمته وسعت كل شيء!
فالله يستر عباده يوم القيامة وأرجو الله ألا أكون ممن يسألون في الدار الآخرة : ما سلقكم في صقر؟ فرحمته وسعت كل شيء وهو العزيز الغفور!


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد