حكاية

mainThumb

31-08-2022 03:29 PM

قصد أبو الزلف لندن في إجازة قد تدوم شهرين . وضع قبعة مكسيكية وارتدى نظارات سوداء وكان ممسكا غليونا يضعه بين شفتيه وعندما يخرجه من فمه كان يسمع قائلا : أنا عظيم ... انا عظيم... يقهقه أحيانا بلا سبب ، ثم يصمت ، وتنهمر الدموع على وجنتيه ، فقد تركت تارة يبكي وتارة .. يرحب بالضيفان بصوت عال : الله حيْهم الله حيهم ... تفضلوا... تفضلوا .. اقلطوا أقلطو.. لقد ازعج المسافرين في الطائرة ... بحركاته الغريبة وقهقهته .... حطت الطائرة في مطار هيثرو... وخرج مسرعا وأستقل سيارة ليموزين ... وصل الى مستقره في لندن الذي ارتاده مرات عديد ة في رحلات سابقة. نقد السائق الأجرة... لكن السائق اخذ يشتمه .. لقد أعطاه اجرة التاكسي فقط دون إضافة اكرامية "البخشيش".
اشارت عقارب الساعة الى الثامنة ليلا حسب توقيت لندن. القى أبو الزلف نظرة عبر نافذة الفندق ، فشاهد انوارا ذات ألوانا بهرجية شتى!
كان وحيدا لكنه جلس عند طاولة حجزت له شخصيا ولشخص آخر. لقد اختار العشاء بعناية من خلال رسالة للمطعم الأسبوع الماضي.
سأله المباشر عن الضيف الاخر
" قد لا تراه قبل ان تأتي القهوة " أجاب أبو الزلف، فَقْدِم له وحده الطعام.
لكن ربما لاحظ الأخرون الجالسون حول الطاولات الأخرى ان ذاك الشاب كان غارقا في مناجاة نفسه بحديث أحادي مسموع اثناء تناول عشاءه على مهل .
فقد قال وهو يحتسي طبق الشوربة:" أرسلت في طلبك هذا المساء " .واصل قائلا " لأني اريدك ان تقدم لي خدمة طيبة. و في الحقيقة ،أنا مُصّرٌ على ذلك "
لم يَبْدُ أي شيء غريب على ذلك الشاب سوى حديثه لنفسه بصوت مسموع مخاطبا كرسيا فارغا. من المؤكد انه كان يتناول عشاء طيبا يتمناه أي رجل عاقل.
وبعد ان قدمت له خمرة أصبح اكثر طلاقة في حديثه الذاتي الذي أفسده إفراطه في احتساء الخمرة.
قال مخاطبا الكرسي الفارغ امامه:" أتعلم أن لدينا معارفاً مشتركين . التقيت ليلة امس الفرعون "سيتي" ملك طيبة- مصر القديمة ! واظن انه قد تغير قليلا منذ ان عَرَفْتكما ببعض أنت وهو ، فقد أصبح جبينه منخفضا قليلا لا يصلح لملك! أما "خوفو" فقد هجر البيت الذي شيّده كي يستقبلك فيه.. ولدي يقين انه على مدى سنين طويلة قد أعدًّه واستعد للقائك . وانا واثق انه لم ولن يعاملك أحد بكرم الضيافة الذي اعددته الليلة لك! فقد حجزت هذه الطاولة قبل أسبوع لي ولسيدة كان من المفروض أن تأتي معي! وبما انها لم تأت، فقد دعوتك لتناول العشاء معي، تلك السيدة رائعة الحسن والجمال رغم انها ربما لا تبلغ جمال "هيلانة طروادة "التي كانت أجمل امرأة في الكون! ألم تكن هيلانة أجمل امرأة في الكون؟ ليس فقط عندما عَرَفْتَها لكنك ربما وجدت ضالتك في كليوبترا التي عرفتها في ريعان شبابها!
فأنت لم تعرف الحوريات ولا الجنيات ولا آلهات الجمال من قديم الزمان، وهذا ما لدي لك !
صمت الشاب حين حضر المباشرون الى طاولته. لكنه أخذ يبربر عندما ابتعدوا عنه واستدار نحو الكرسي الخالي مخاطبا:
" اتدري؟ لقد رأيتك هنا في لندن اول أمس عندما شاهدتك في سيارة متجهة الى حي "لودغيت هيل " لقد مضت سيارتك مسرعة. فلندن مكان رائع لكن يسعدني جدا مغادرتها! لندن هي المكان الذي التقيت فيه المرأة التي حَدَثْتك عنها! فلو كانت في مكان غير لندن لما كتب لي ان ألقاها، ولما أتيح لها الكثير بالإضافة لي كي تسلي نفسها . فهذا امر سلبي وايجابي.
و توقف عن الكلام محدّقا بالمباشر وطلب فنجال قهوة بعد ان وضع باوندا في كف النادل مؤكدا : "لا تفسد القهوة بإضافة مسحوق الهندباء( العلت اليابس)"
حين أحضر المباشر القهوة وضع الشاب قصاصة من جريدة قديمة في فنجال القهوة ومضي يخاطب الكرسي الخالي :" لا اظن انك تأتي الى هذا المطعم كثيرا ، ربما تريد الآن ان تغادر، آمل اني لم اخذ كثيرا من وقتك وأخرجتك عن مسارك ‘ فهناك الكثير امامك لتفعله في لندن."
وبعد ان تناول قهوته تعثر برجل كرسي خالٍ وطاح أرضا ، وانحنى فوقه طبيب ، كان يتناول عشاءه في المطعم، انحنى فوق جسد الشاب و أخبر مدير المطعم القَلِقْ انه الضيف- الطبيب النفسي، الذي كان الشاب يخاطبه أثناء انتظاره.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد