هل الوسطية هي الحل لأزمة لبنان الرئاسية؟

mainThumb

15-09-2022 04:05 PM

بين الأماني والحقيقة فرق واسع وشاسع، بين التمني والواقعية فرق شاسع أكبر بكثير من الفارق الأول.

فلقد اعتدنا في لبنان ومنذ زمن أن تخط سطور خطابات مسؤولينا وحتى تغييريينا مؤخرا بتغليب الأمنيات والكلمات الطنانة التي في جزء كبير منها تصنف في خانة الشعبوية السياسية على حساب الواقعية السياسية والشعبية والتي تحتم مسؤولية تجاه الوطن والمواطن .

فكانت للأسف معظم خطابات الفترة الأخيرة و ما زالت في مربع اللاواقعية والهروب من الواقع التي كانت السبب في كل ما وصل إليه البلد من أزمات يضاف إليها عناصر كثيرة كالفساد والأجندات السياسية والشخصية وغيرها .

ما نسمعه اليوم من خطابات المطالبة برئيس "كامل المواصفات " ورئيس قوي ( التي سقطت الى غير رجعة ) ورئيس يقول" لاء" ورئيس صنع في لبنان ورئيس غير خاضع ، كلها في المعنى النظري صحيحة ولكن في المعنى السياسي اللبناني يعرف مطلقوها انها صعبة لا بل ممكن ان تكون مستحيلة .

ما يحكم هذا الاستحقاق ثلاثة معايير : الواقعية ، المثالية ، والوسطية .

ففي المعيار الأول أي الواقعية يمكن القول إن المطلوب رئيس على قياس لبنان لا رئيسا سركيسيا فلا البلاد بتوازناته الداخلية ولا بتوازناته الخارجية قادرة على إنجاب شيء مختلف على الأقل في المرحلة المقبلة .

لكن في واقعية لبنان الحالية هناك فريق ألا وهو حزب الله وحلفاؤه يسعى لتكريس سيطرته الكاملة على البلد عبر الاتيان برئيس جمهورية يضع البلد في سيطرة تامة لمحور هذا الفريق عبر نسف كل التوازنات الاخرى ويكرس فيها مجددا الشرعية العملانية لسلاحه عبر الشرعية الدستورية الموالية له .

هذا الفريق لديه ٦١ نائب واذا استطاع استقطاب ٥ نواب من التكتلات الاخرى كما حصل في جلسة انتخاب الرئيس بري ، هو قادر على ايصال مرشح لرئاسة الجمهورية ، اذا ما توافق الحلفاء على اسم محتمل الرئاسة وهو ما ينطبق على بعض الاسماء اذا ما قبل جبران باسيل بالسير بها كمرشح توافقي للمحور .

أما في المعيار الثاني اي "المثالية" فهناك فريق اخر وهو الفريق المناهض لحزب الله والطاقم السياسي الذي شكل وتشكل في فترة ما بعد الحرب الاهلية يريد رئيس مواجهة مثالي ، يعيد الاعتبار لموقع رئاسة الجمهورية التي فقدت الكثير من صلاحياتها بعد الطائف ويكون رئيس للمرحلة المقبلة في بلد يذوب في التحولات الجيوسياسية التي تعصف المنطقة والعالم ويكاد يفقد هويته ومقوماته الى غير رجعة .

ليبقى في تركيبة وتوازنات لبنان اليوم ، النموذج الثالث أي الوسطية ممكن ان تكون الحل الوحيد ، حتى وان خرج البعض للقول ان الوسطية لا يمكن ان تضع البلد على سكة استعادة الدولة الا ان الامثلة في السنوات الماضية في لبنان والعراق برهنت ان المواجهة لم تولد الا تعطيل والتدمير من دون حلول .

لا اتحدث هنا عن وسطية توافقية يحكمها الفساد ولا عن وسطية توافقية يحكمها التنازل ، ولا اتحدث عن الوسطية التي طلع بها الفرنسيون والايطاليون والتي اراد منها ماكرون ان يكون له دور في انطلاقة العهد حينها كما كان لسلفه جاك شيراك دور اساسي في تزكية مواقف الشهيد رفيق الحريري
اتحدث عن توافقية وسطية تأسيسية للمرحلة المقبلة عنوانها : لبنان اولا واخيرا تجنب البلد ويلات المنطقة والانقسام العامودي العالمي بين الشرق والغرب .

وسطية تشبه الى حد كبير الشهابية السياسية ، عندما تولى فؤاد شهاب سدة الحكم عبر منطق التوازن على قاعدة "لا غالب ولا مغلوب "والتي تأسس عليها النهج الشهابي بعدما كان هناك فريقان واحد يريد الذوبان في محيطه وبعده القومي العربي وواحد يريد الذوبان في امتداده الغربي . فتجلت وسطية شهاب عند توليه السلطة عام ١٩٥٨ بمشروع اصلاح داخلي كبير عملا بتعاليم بالتيار الفكري السياسي الانساني حين كان لبنان يواجه تحديات داخلية وخارجية بسبب صراع المحاور الاقليمية والدولية .

فنجح الرئيس الراحل بتحييد لبنان عن الصراعات في المنطقة من خلال التفاهم الشهير بينه وبين الرئيس المصري جمال عبد الناصر اثناء الاجتماع في خيمة على الحدود اللبنانية السورية بالاتفاق مع الاميركيين ، وكان ثالث رئيس بعد الاستقلال واول واخر رئيس للبنان بامتداده العربي والغربي .

إذا المطلوب والمقبول من باب الوسطية الواقعية في الحالة اللبنانية اليوم رئيس: لا أمريكي ولا إيراني رئيس يعيد وصل لبنان بالشرق والغرب ويطلق مسار الإصلاح الكامل والشامل، واإا ما استحال الوصول اليه فالفراغ آت لا محال بانتظار تخريجة خارجية واي حل آخر سيعمق ازمات البلد اكثر ويجعله في خندق مواجهة يستحيل معها ايجاد الحلول السياسية والاقتصادية والمعيشية المطلوبة لوضع البلد على سكة التعافي .

لذلك فإن النتيجة الطبيعية لهذه المعادلة لتسمية اي شخصية لرئاسة الجمهورية هو السؤال عن : اي رئيس يحتاجه لبنان بظل ازمات المنطقة والعالم السياسية والاقتصادية ؟ .

وهو السؤال الذي اذا ما سألنا للبنانيين فسيكون الجواب سهل جدا ، ان طرحناه على اي مواطن في الشارع او في المكتب او في الاغتراب او في مكان ، ما يريده اللبناني هو رئيس يعيد تركيب صورة " وطن " حقيقي بمعزل عن الاشخاص والزعامات والمشاريع والفلسفات السياسية ما يريده هو لقمة عيش كريمة واستشفاء وتعليم وضمان شيخوخة اي التي مقومات المواطنة والعيش الكريم ، ما يريده هو الامن والامان . مطالب بديهية ولكن مستحيلة التحقيق وليست فقط صعبة في بلد ذابت مؤسساته وهيبته واصبح منسيا الى حد كبير لولا خلافات حزب الله في الخارج وانجازات ابناءه في الخارج ايضا ليكون الداخل على الهامش .

المطلوب رئيس للداخل والخارج ، المطلوب رئيس للبنانيين وليس لفئة المطلوب رئيس للتأسيس وليس للتخريب .
لبنان مقبل على زوال اذا ما غلبت المصلحة الوطنية فوق المصلحة الحزبية والطائفية والمناصبية والاقليمية .

لبنانا او لبنانهم لا يهم اما ان نجمعهم اليوم تحت مسمى واحد بمؤتمر تأسيسي او برعاية خارجية او بتخريجة داخلية او سيكون مصير لبناننا مختلف تماما عن مصير لبنانهم.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد