أيام جباريس

mainThumb

26-10-2022 08:12 AM

اتحدث عن أيام تعاود ذاكرتي كانها حلم وحسب ما تسعفني ذاكرتي:
تقوم الخربة على هضبة جبلية صغيرة الى الشرق من طوباس على مسافة عشرين كيلو مترا. وتتميز بهواءها الطلق خاصة النسمات العليلة صيفا. ويحدها من الغرب سفوح جبلية عالية : الى الشمال الغربي منها منطقة جبلية تسمى الشقفان يفصلها عن بيوت الخربة " خلة الشقفان" ذات التربة الحمراء الخصبة كانت الأمهات يستعملن تلك التربة لعلاج التهابات الأطفال " كالتسميط" .
أما الى الجنوب الغربي سفح جبلي يعرف بدار الوحلة يفصله عن الخربة خلة دار الوحلة الى اقصى الغرب شمال كروم الزيتون وتنحدر الخلة نحو الشرق حتى تعانق خلة " أبو زيادة" التي تفصل سفح جبلي يسمى "الجلمة " ( ام الشنانير ) التي يفصلها عن الهضبة التي تقوم عليها الخربة منخفض ليس واسعا لكنه صالح للزراعة خاصة الحبوب -يدعى هذا الواد "وادي حمد" الذي يمضي نحو الشرق ثم ينحرف نحو الجنوب حتى يعانق اول خلة " الرقة" ذات التربة الخصبة وغرب خلة الرقة هناك خلة تسمى : خلة الرابي" .
أما بيوت القرية فهي مبنية من جلاميد الصخر ومسقوفة باغصان الشجر وسقفها مغطى بالطين.
ومعظم البيوت مكون من غرفة واحدة تسمى " خشة" ام إن كان البيت كبيرا واسعا فيسمي " الخص" لكن هذا النوع محدود العدد . وهناك عائلات كانت تحبذ السكن في بيت الشعر الذي كان مكونا من شقين المحرم للنساء، واخر يسمى الشق للرجال يستقبل فيه الضيوف ، ويكون الشق في الجانب ا لأيمن من البيت ، وكان هذا البيت بنسج من شعر الماعز الأسود ,اذكر مجموعة من المرحومات الكبيرات في السن كن يغزلن الشعر في خيوط طويلة سوداء ثم يقمن بنسج شقاق البيت في أواخر الصيف بعمل دؤوب حتى يتم اعداد البيت للشتاء!
وكان المجتمع هناك مجتمعا ريفيا فلاحيا يعتمد على فلاحة الأرض إذ كان رجال القرية يخرجون مع الفجر يحرثون ويعودون مساءً.
وكان احد الحراثين حراثا عند والد زوجته، لكنه عندما يعود مساء ً يلتهم كمية كبيرة من فتيت الخبز بالعدس، أي ياكل لجن فتيت لوحده لكن كان لا يعاني من السكر او الضغط!
وان كان هناك مجموعة من الحراثين في مكان واحد فانهم كانوا يسلون بعضهم بالمواويل العتابا والفكاهات ووكان اخوان يحرثا معا لكن ا لاخ الاصغر سنا كان يحب مداعبة اخيه الأكبر فيغني ذاكرا اسم أخيه:
فلان بعده زغيّر ما يمنع راس الحصان
ما زغيرن ( صغير)الا يكبر ويكيد الشيخانِ
كان يفرح الناس في مناسبات الأعياد وكان معظمهم يتصفون بالكرم خاصة اكرام الضيف فكان قدوم الضيف مناسبة عظيمة يكرم فيها الضيف ومعظم سكان القرية كان يحتفظون بدلال القهوة جاهزا ، اما مستلزمات القهوة كحب البن والهيل فقد كانت تحفظ في جلد غزال يسمى الظبية او الخافة. اما دلال القهوة كانت مصهية على النار دوماً . وإن قدم الضيف من ديار بعيدة فيحتفى به احتفاء يختلف عن الضيف القريب او ابن البلد .فقد كانت تذبح له الذبائح وفوق ذلك يعد اهلة القرية كلهم معازيبا له ويتنافسون في دعوته. وكانوا يحذرون من التقصير في حق الضيف ويكررون حكاية ذاك الخرابي ( ساكن الخرب ) الذي لقي له صديقا بدوي في نابلس واصر على استضافته ، لا حبا به بل حبا بالولائم التي ستقام له من قبل اهل القرية : الحكاية على ذمة راويها
ذهب فلان الى نابلس والتقى صدفة بصديق بدوي قادم من شرق ا لأردن واصر عل استضافته وعندما استقلا الباص قام الضيف بدفع ا لأجرة عن الاثنين , وعند الوصول مساء الى البيت الخرابي ، قدم له عشاء لا يليق بضيف ، كان الطعام ملوخية مَرِقة وسلطة ، فقال الضيف: يا فلان " وخر المهروقة وقلّط المزلطة" تناول قليلا منها . وبعد ان رفع الزاد سال الضيف المعزب عن اقاربه فذكر له فلان فقال الضيف انه يحب أن يراه ، فذهبا اليه فوصلا بيته بعد العشاء ، كان الرجل يشكو من ذات ضيق اليد ، فقال لأبنه الكبير اذهب الى جيراننا أصحاب بيوت الشعر وقل لهم والدي لفاه ضيف وارجع .وفعلا ذهب الولد وعاد لكن كان يتبعه أثنان من أبناء الجيران يقودان خروفا ، ثم ذبحاه وحهزاه للطهي ، وارسل المعزب ابنه يعزم الجيران والاقارب وحضر جمع كبير ، وسر الضيف القادم من شرق الأردن واصر اخو الخرابي على ان يستضيف الضيف الذي دامت استضافته عند ربع الخرابي ، وفي كل عزومه كان الخرابي يحضرها فحقق غايته من دعوته للرجل ، واذا كان عند المعزب خروفا يعتنى به ويسمى الربوبة فانه يقري ضيفة بذبح تلك الربوبة للضيف رغم انه كان يربيها كي يضحي بها في عيد الأضحى . لكن في عرف الناس في ذاك الزمان " الضيف ضيف الله" فيكرم غاية الاكرام.
وما يبهج النفس خاصة انفس الأطفال هو تجمع الأقارب في أيام الشتاء حول الموقدة التي كانت عبارة عن حفرة ليست عميقة في وسط المضافة تشعل فيها النار من قرامي الزيتون والبطم ! ومما يطرب النفس وقع المطر على سقوف المنازل والناس جالسين حول النار وبعضم خاصة رعاة الغنم يخرج من جيب معطفه “الفطر " او حبات الحليان التي تشبه رؤوس البصل الصغير ( القنار) ويشويها في النار ، وبطبيعة الحال يقدمها للأطفال.
اما الأمهات فقد كن يعانين اشد العناء : يجب على ربة البيت ان تنهض قبيل الفجر وتخبز الخبز إما في الطابون او شراك على الصاج . ثم تعد الفطور لعائلاتها وتحضر زوادة لزوجها ليأخذها معه الى الحقل. وفوق ذلك عليها أن تحضر الحطب من مسافات بعيدة اما على حمار او على
رأسها . كانت تحمل حزمة الحطب بعد ان تضع قطعة قماش تسمى " اكليلة" كي تقي ر اسها من عودان الحطب!
كان قدوم الشتاء في جباريس مناسبة فرح عظيم خاصة للفلاحين الذين بذروا الحبوب عفيرا في الأرض أي قبل سقوط المطر ! وعندما يلمع البرق الأول في الليل كان شخص يصيح مبتهجا " شوفوا ناظ البرق " فيشيع الفرح في نفس الفلاح مبشرا إياه بحلول موسم الشتاء كان البرق بشارة للذين زرعوا الأرض عفيرا أي من العفر لأن الأرض الجافة ينبعث منها غبار عند حرثها جافة اما إن كانت مروية فلا يتطار منها الغبار لرطوبتها
اما عندما يلعلع الرعد و يتساقط المطر، فكنا اطفالا صغا را نفرح بذلك وننشد عاليا في مجموعة
يا رب تشتي يا رب خلي العجايز تنظب!
اشتي وزيدي بيتنا حديدي
وعمنا عبد الله ورزقنا على الله.
أما ان تأخر نزول المطر فكانت الصبايا الأكبر سنا يجمعن ا لأطفال الصغار ، ويًجُبْنً ازقة الخربة ليلا ينشدن الغيث :
با الله الغيث ياربي تسقى زرعنا الغربي
تسقي زرع أبو يوسف بيته للكَرَم دايم!
وعند المرور من امام المنازل كانت النسوة ترشق ا لأطفال بالماء
كان الفلاحون في أواخر الصيف وبداية الخريف تحديدا يجهزون عدة الحرات استعداد للشتاء! فأول شيء يتأكد منه ان عود الحراث المصنوع من سيقان الشجر و يقوم بجدل ما يسمى بالشرعة أو يعد اكليلا عبارة أكياس خبش تحشى بالقش وتوضع حول رقبة الحيوان حتى تحمية من الإصابة بسبب خشب النير الذي هو عمود الخشب لربط الدابتين معا حتى يسيرا بخط متواز عندما يجرا عود الحراث. ومن الأشياء التي يقوم بها الفلاح هي حسم السكة إذا كان يأخذها الى الصانع( النوري أبو علي) ويحد له السكة ثم يجه الأدوات الأخرى كالمنساس ( عصا يحث بها الحيوان على مواصلة جر المحراث وكذلك كان يجهز البرج والناطح والبلعة ( وغير ها من لوازم ) وكان البعض يستعملون المقرعة بدل المنساس خاصة إذا كان يحرث على " كديش " كي يقرعه بالسوط!
كان الطعام غذاء طبيعيا لا معلبات ولا أكل جاهز " لا شاورما ولا بيرغر .اما القهوة فهي مشروب الغانمين كانت تصب بفنجال صيني ليس كرتونة وقهوة عدنية و من المشاهد : النساء كبيرات السن وهن يخضين اللبن حيث تعلق المرأة الشكوة على ركابة ثم تبدا بخضها لمدة طويلة حتى تتكون منها مادة الزبدة ,
اما منتجات الألبان فقد كان المخيض الزائد يوضع في أكياس من القماش الأبيض حتى يرشح الماء منه ويصبح شديدا إذا كان يسمى "لبن شديد" وليس" لَبْنه " والطرفة الثانية يحكى ان شخصا و بدون ذكر أسماء ، اخذ حماته الى نابلس وعندما حان موعد الغداء دخلوا الى مطعم وهناك اخذ يسال نادل المطعم عن انوا ع الطعام فذكر له انواع عديدة لكن لم يرغب في أي منها ، لكن الجرسون قال له عندنا " ياغورت " فقال له كم ثمن الصحن فقال له قرشان فقال له احضر لنا ! وعندما احضر الجرغسون الطعام : صعق وقال لا يا عمي لا نريد هذا الطعام ! هذا الياغورت بعت منه خريطة قبل شوي! فقال له الجرسون كل والا قلبت عيونك بالسكين ، ساعة وانت تسال خوثـتنا! فقالت له حماته : :كل يا مكشّل كل يا مكشّل.
فاكلا على مضض! اما المنتجات الأخرى فهي الجميد – الكشك والجبنة النابلسية البيضاء حيث كانت تنتج بغزارة ! هناك وكان يأتي المرحوم " تاجر جبنة على حصان ابيض وعدد من الدواب " لنقل الجبنة الى نابلس وجنين!


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد