ما بعد 15 نيسان

mainThumb

02-05-2025 03:13 PM

في تاريخ الأمم لحظات فارقة، تكشف المعدن الحقيقي لأبنائها، وتخلع عن الواقع رداء الزيف وتضع الجميع أمام مرآة الحقيقة. 15 نيسان2025  ( اليوم الذي كشف فيه النقاب عن الخلية الارهابية التابعة لتنظيم الاخوان المحظور) ليس مجرد تاريخ عابر في الروزنامة الأردنية، بل هو لحظة وعي، وصحوة وطن، وفرز تاريخي ما بين من يقفون بثبات في صف الأردن، ومن اختاروا أن يبقوا على هامش الوطن، صامتين أو متواطئين أو متسلقين.

لقد أدرك الأردنيون، أو على الأقل المخلصون منهم، أن الجمود لم يعد مقبولاً، وأن المواقف الرمادية باتت خيانة ضمنية لقضية الوطن. ففي زمن التحولات، لا يمكن للمجتمعات أن تبقى خاملة، تُراقب بصمت وتنتظر من ينقذها. الحركة حياة، والاصطفاف إلى جانب الوطن ليس مجرد خيار أخلاقي، بل هو واجب وجودي، وإنحياز للكرامة والهوية والدولة.

من يظنون أن الدفاع عن المبادئ موقف يمكن التنازل عنه مقابل منصب أو مكافأة، لم يفهموا يومًا معنى الانتماء الحقيقي. فالثمن الذي يدفعه الإنسان الحر دفاعًا عن قناعاته لا يُقاس بامتيازات أو مواقع، بل يُقاس بقدرته على النظر في عيون أولاده وأبناء وطنه وهو يقول: "كنت حيث يجب أن أكون".

الأردن اليوم لا يحتاج للمنافقين، ولا للمتسلقين، ولا لأولئك الذين يبدلون جلودهم مع كل تبدّل في الريح. الأردن يحتاج لمن يحملونه في قلوبهم لا على ألسنتهم، ويذودون عنه لا من خلف المكاتب، بل من خنادق الشرف والكلمة والموقف.

15 نيسان ليس لحظة انقلاب على مؤسسات الدولة، بل لحظة تذكير بقيمها، وتجديد للعهد مع قيادتها، ووقفة صلبة في وجه كل من يظن أن الأوطان تُدار كمزارع شخصية أو تركة عائلية. الانحياز للدولة ليس انحيازًا لأشخاص، بل انحياز لمنظومة كاملة من الثوابت والمبادئ والهوية الوطنية.

علينا أن نرفع الصوت عاليًا: البقاء للأوطان، لا للأفراد. المؤسسات هي العمود الفقري للدولة، وحين نرهنها لأشخاص بعينهم، فإننا نضعف الوطن ونقزّمه ونحوّله إلى ساحة لتصفية الحسابات، لا إلى ساحة لبناء المستقبل.

نحن لا نكتب كلمات في الفراغ، ولا نرثي وطناً، بل نؤمن أن من رحم الألم يولد الوعي، ومن رحم الأزمات تولد اللحظات الكبرى. و15 نيسان هو لحظة كهذه، لحظة شجاعة وتطهير، لحظة تضعنا أمام سؤال وجودي: أين تقف؟ ومع من؟ وماذا ستقول لأبنائك غداً حين يسألونك عمّا فعلت حين كان الوطن يئن ويحتاج إلى من ينهض به لا من ينهش جسده؟

إن هذا الوطن لن يسقط، ولن يُختطف، لأن فيه رجالاً ونساءً اختاروا أن يكونوا في صفه مهما كان الثمن. ومن يتخلفون اليوم عن أداء واجبهم، سيكتبهم التاريخ على هامشه، بينما يصعد المخلصون إلى حيث يجب أن يكونوا: في قلب المعادلة، في قلب الوطن.

فليكن 15 نيسان بدايةً لا نهاية، وصحوةً لا لحظة عابرة، ورسالةً مفادها أن الأردن لا يساوم على كرامته، ولا يصمت حين تُهان مؤسساته.






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد