دموع لا إرادية

mainThumb

05-11-2022 03:17 PM

من الأدب الانجليزي
قصة مترجمة للكاتبة اليزابيث باون 1937
انهمرت دموع فريدريك في وسط متنزه ريجنت . أدركت امه ما كان سيحدث فصرخت : فريدريك لا بمكنك فعل هذا - في وسط هذا المتنزه ." لقد كان المكان زاوية تنبض حيوية داخل بوابة كبيرة حيث يلتقي ممران بداية جسر فوق بُحْيرَة جميلة متموجة. يمر الناس مسرعين فوق الجسر فَيَرن الجسر تحت وقع اقدامهم. تسامقت أشجار الحور كأنها مكانس خضراء ناعمة وتناوحت الرياح محركة أغصان أشجار الصفصاف صادمة السامعين. لكن شمس أيار رشرشت أشعتها الذهبية عبر أغصان الأشجار المتراقصة في الريح ومالت الزنابق بفعل الرياح لكنها بقيت متفتحة زاهية. في تلك اللحظة اندفع تحت الجسر قارب طويل يقل ثلاث فتيات .لكن رُكبتا فريدريك اصطكتا ترتجفان فاندفع نحو امه بوجهه القرمزي المتشنج كأنه يريد ان يخفي وجهه في ملابسها . استلتالأم منديلا ومسحت بخفة تحت قبعته اللباد الرمادية . مثقلة بالاسى والخجل، وَبَّخته امه بصوت مرعب :" لا داعي أن تتصرف كرضيع!"

كان الموقف محرجا تماما. فمن المخزي ان يبكي طفل في مثل تلك السن. كان يرتدي بدلة كنكر بوكر رمادية فبدى كأنه تلميذ في مدرسة مع انه في الحقيقة كان في السابعة من عمره . دأبت أمه أن تقول له كل أسبوع:" أنا لا اعرف ما سيظنك الناس عندما تلتحق بالمدرسة؟" فدموع الطفل كانت مخزاة لا تستطيع ان تحدث عنها أي أحد، ولا يمكن لأي ضعف فيه أن يزعجها أكثر من ذلك . حاولت مرات عديدة أن تكتب رسالة الى عمود صفحة _ نصائح الأمهات – كي تحصل على نصيحة من المختصين في صحيفة أسبوعية
بدأت رسالتها كالتالي " انا أرملة شابة طيبة المزاج وجميع أصدقائي يقولون لي إني ذات ضبط عظيم للأمور " لكن ابني ____" أرادت ان توقع الرسالة باسم " أرملة الدكتور سُرٍي" ، لكنها توقفت قائلة لا... لا إنه ابن "طوبي" ...
فهي امراة شهمة حازمة ، مستقيمة ، كانت ترتدي في ذلك اليوم في لندن ،معطفا وتنورة وفرو ثعلب وأكف بيضاء و توكة ( قبعة) زرقاء غامقة اللون وقد بدت ملابسها ملائمة تماما- فهي ليست من النساء اللواتي يَرْتَدنَ متنزها مع طفل بَكّاء. فقد بدت أما لأبناء . لكن ليست اما لابن كهذا .كان من الأفضل لها ان تُمَشّي كلبا بدلا منه لكنها قالت :" هيا" كأنها لا تبالي بالجسر و أشجار الحور و الصفصاف والناس المحملقين بها من حولها . وغذت الخطى على حافة البحيرة الموازية لحزام الأشجار ونوافذ شرفة قصر كورنويل الفخمة.
كانت تنوي الذهاب الى حديقة الحيوان لكنها عدلت عن ذلك ففريدريك ليس جديرا بالذهاب الى هناك. سار فريدريك متعثرا إلى جانبها ، في وضع تعيس جدا . فمن النادر أن وبخته امه امام الناس لكنها كانت تنفٍّس غيظها بطرائق بسيطة مما جعل الطفل يحس ان اسلوبها عادل . فانهمار دموعه اللاإرادي كان صادما له بقدر ما كان تركيعا وإذلالا وإلغاء لوجودها . لم يدرك قط ما يحدث من حوله- فقد حُفِرَتْ هوةٌ سوداء باردة لا قرار لها في أعماق نفسه وشعر أيضا ان سلك جرس مسنن إحْمّرَ من شدة الحرارة قد ُدفع من أعماق بطنه المتجمد الى كهفي عينيه - فتنهمر الدموع الحارة اللزجة من عينيه . ويعم التشنج قسمات وجهه مع تكشيرة مربعة يحسبها تتشكل على فمه- كل ذلك جعل منه عدو نفسه الصارخ المخزي. وعم اليأس في أنحاء حسمه جمعيا كالريح و شاهد خلال الدمع الهامل من عينيه كل شيء يتزلزل . فكل شخص هناك واكثرهم امه هم من جروا النكبة عليه. فلم يبك قط عندما كان لوحده كما يبكي الان !
فالبكاء جعله ممقوتا منبوذا جدا من الاخرين مما جعله يبكي من اليأس . فبكاؤه لم يكن مجرد ردة فعل كردة فعل طفل ةالاحباط بل استجر كل سلوكه غير المقبول اجتماعيا. فلا غرابة ان ينبذه الجميع. فهناك شيء في الشخص المنبوذ يثير القسوة نحوه في قلب حتى أطيب الناس .حتى النوافذ البلورية في بيوت النبلاء نظرت اليه عبر أشجار الزعرور البري بعيون االناقدين والفتيات الجالسات على مقاعد المتنزه يتصفحن الكتب حملقن به بابتسامات قاسية . فتعثره اللاارادي وعدم ادراكه ان امه قد الغت الذهاب الى حديقة الحيوانات اصبح عبئا اكبر مما تتحمله والدته .قالت بصوت متوتر ينم عن المقت : انا لن اخذك الى حديقة الحيوانات!"
لكن الولد يستمر في البكاء
اخذ فريدريك يتمتم باكيا وا ستمرت امه في الحديث " أتدري؟ ، انا أتساءل عما سيظن والدك! لو كان معنا"
اضافت :" كان والدك فخورا بك وكان يتطلع الى ما ستكون عندما تكبر ومن اخر ما قال: سيعتني بك فردريك. وانا الان سعيدة انه ليس معنا! الان انت جعلتني سعيدة انه ليس معنا!"
قال الولد:" اف... اف "
سالته امه: " ما تقول؟"
قال متمتما :"انا أحاول التوقف."
قالت " إعلم ان الكل ينظر اليك."
كانت امه امرأة تعرف جيدا ما تقول وما لا تقول فكانت تدرك الفضيلة الجامحة : يحب ان تصلح اليأس و الانحراف. كان تعاني من رعب شديد من المختلين عقليا ويجب عليها التخلص من الرعب والانحراف قبل ان يداهمانها . لقد مات زوجها ، الذي كان طيارا في سلاح الجو الملكي البريطاني بعد يومين من تحطم طائرته تحطما مروعا . فحادثين او ثلاثة مروعة في مساحات الوعي منها لم يجعلاها خجولة من نفسها او محتارة فألفتهما ، او حتى الفت موته ، فصُبِغَت بشجاعة طبيعية
قالت لابنها:" اسمع انا سأمضي في طريقي ، فمضت رافعة راسها بتلك الحركة النبيلة المدروسة التي أحبها كثير من الناس قالت له: انتظر هنا تفرج على تلك البطة حتى تتوقف عن البكاء فلا تلحق بي الا بعد ان تتوقف عن البكاء لا تلحقني وانت تبكي... فأنا حقا أشعر بالخزي منك!" ومضت في سبيلها !
وقف الولد متأملا البطة القاعدة في بقعة بيضاء لامعة على شريط العشب الأخضر عند حافة البحيرة وعندما لفت احدى عينيها فوق منحنى بُعِثَ في نفسه شيء من الهدوء غير مرأي. ومضت امه في طريقها في ظلال حزام الأشجار الزاهية وقد سرّعت خطاها بخفة بينما كان طرف فرو الثعلب يتراقص فوق كتفها . وتفكرت في الغداء الذي تناولته مع "ميجر" والسيدة وليامز و الحفل الذي ستذهب إليه عند الخامسة . فعليها أولا ان تترك فريدريك في بيت خالتها ماري و فكرت بما ستقول الخالة ماري عن وجهه المنتفخ؟ وأسرعت الخطى واتسعت المسافة بينها وبين ابنها فريدريك: لقد كانت امرأة ساحرة الجمال تسير وحدها.
عرف كل الناس مدى شجاعتها العظيمة وقالوا : " يا لها من امرأة شجاعة حازمة!" لقد مضت خمس سنوات على مأساتها ولم تتزوج واستمرت شجاعتها في التنامي .فقد ساعدت صديقةً لها في دكان صغير تبيع فيه القبعات يدعى دكان "ايزوبل" قريب من مكان سكنهما في منطقة صُري!
ثم قامت بتربية الجراء للبيع و خصصت باقي وقتها لتجعل ابنها رجلا. كانت ذات ابتسامة رائعة ترفع رأسها عاليا. وفي اليومين اللذين رقد فيهما طوبي على فراش الموت لم تحرك شعرة في رأسها نسيت نفسها من اجله : فقد كان فاقد الوعي لايعلم أحد يعلم متى يستعيد وعيه! وعندما لم تكن بجانب سريره تجولت في انحاء المشفى تنتظر هناك ، فالقسيس العسكري المنتدب والطبيب اللذان وجدا في المشفى شكرا الله على وجود نساء مثلها. وقالت زوجة ضابط أخرى صديقة لها:لا يوجد امرأة أخرى اشجع منها ولن يجاريها أحد في الشجاعة !
وعندما فاضت روح زوجها نقلتها صديقتها في سيارتها وكانت تقول لها طول الطريق "ابكي يا عزيزتي ابكي ، ستشعرين براحة". لكنها عند وصولها البيت ، أعدت الشاي وقالت لها: لا تقلقي عليّ لكن سأبكي بكاء قويا مرة واحدة ." فاشتد الحزن بصديقتها فانهمرت الدموع على وجنتيها نظرت اليها الأرملة بوجه شاحب وابتسامة مؤدبة .كانت الستائر تهتز مع الهواء فيفوح منها رائحة دخان غليون وسجاير المتوفي التي ما زالت عالقة بالستائر ومازال نعلاه تحت كرسي . وكادت صديقتها ان تضحك بمرارة لكنها فكرت في قصيدة لتينيسون تعلمتها في طفولتها فسالت : أين فريدريك ؟ فهو هاديْ، هل تظنين انه نائم ؟ نهضت الارملة أوتوماتيكيا واقتادتها الى الغرفة التي كان فريدريك فيها مستلقيا في مهده وعند دخولهما الغرفة غادرت مربية كانت بجانبه ملقية عليهما نظرة تشاؤمية . كان الطفل حينذاك في السنة الثانية من عمره : إحْمَر وجهه وقد ادخل شفته العليا في فمه كما كان يفعل والده تماما في نومه وقد استلقى طاويا جسمه تحت بطانية زرقاء قابضا أصابع قبضة احدى يديه دون ان يمسك شيئا . وفجأة بدى ان شيئا قد داهم الأرملة، فقد دست وجهها وجبهتها في البطانية الناعمة واخذت تلف البطانية حول قبضتي يديها . كانت تشنجاتها طبيعية لكنها مخيفة فقد اهتز المهد بفعلها فانسلت صديقتها الى المطبخ حيث مكثت نصف ساعة تدردش مع الخادمة . لقد أعدتا مزيدا من الشاي وانتظرتا الارملة ان تُنَفّس كل احزانها. لقد أعادهما الصمت الشامل الى غرفة المهد. وجدتا الارملة قد نامت جاثية على ركبتيها ضاغطة كامل جسدها على البطانية ولفت احد ذراعيها حول جسد الطفل . كان الطفل تحت ذراع امه ساكنا كصورة لكنه قدفتح عينيه وكان في كامل وعيه لكنه لم يحدث أي صوت . لقد أصاب عينا الطفل المفتوحتان وصَمْتُه المرأتين بالذعر . سالت الخادمة صديقة السيدة ديكنسون: أتظنين ان الطفل قد أحس بموت ابيه ؟"
لم تسعى الارملة الى كسب عطف صديقاتها بل اعتزلتهن، وهذا ما حبب بها الرجال اكثر . فقد وجد بعضهم ان في نظراتها المباشرة طلبا لاإراديا لهم فحسب ونظراتها المباشرة كانت اكثر إثارة لهم من الغنج . فكانت النظرات الى حد عميق إثارة اكثر نبلا . رغب العديدون منهم في الزواج منها. لكن أكسبتها شجاعتها نوعا من كبرياء جامح عذري فأحبت كبرياءها كثيرا ولم تتخلً عنه قط ، فكانت تقول لمن يخطب ودها :" لا ... لا تطلب مني ذلك!" وكانت ترفع رأسها بشموخ بابتسامه هادئة باسلة ! وكانت تقول " لا تفسد الأشياء فقد كانت مساندتك لي رائعة . لكن كما ترى لدي ابني فريدريك فهو الرجل الوحيد في حياتي فلابد ان اضعه الأول في حياتي . فالزواج اجحاف بحقه ، اليس كذلك ؟ " وبعد ذلك تمضي شامخا رأسها. أصبحت صديقة كاملة الاوصاف للرجال الذين كانوا يتمنون الزواج منها لكن لم يكن المتزوجون مسرورين سرور غير المتزوجين ،فالرجال المتزوجون كانوا يطمحون الى الحصول على شيء قليل من الشفقة دون ان يعكر ذلك صفوهم .
لقد توقف فريدريك عن البكاء وتخلص تماما من معاناته الى حد انه حدق في البطة تحيقا طويلا مجردا مدركا ريشها المتناسق وعنقها الأبيض كالخزف الصيني. لقد اختفي الغشاء الحارق المتحرك في جفونه وزال وشعر براحة في حجابه الحاجز وتوقف التهوع ( صوت مصاحب للتقيؤ) .لقد نسي تركيز حزنه ونسي امه أيضا لكن شاهد بسعادة غصن صفصاف يهتز متدليا اثناء حملقته تحت حفون عينيه وبدى الغصن نقيا قويا كأنه الطوفان غسله و تشبث تفكيره بالصفصاف ضعيفا محطما لكنه كان سعيدا فأدرك انه مؤهل ان يلحق امه دون ان يشعر بالذنب او العناد فرغب في اللحاق بها .
تخطى الدرابزين المنخفض - فلم يكن هناك حارس يمنعه من ذلك - وحاول بلطف واحترام ان يلمس ذيل البطة الأبيض لكن دون ان ترمش لها عين وبخجل عفوي انزلقت البطة بعيدا في البحيرة عن فريدريك . فجسمها الأبيض كالخزف الصيني الأبيض قد توازن فوق الماء الزجاجي الأخضر اثناء اندفاعها اللطيف على منحنى حافة البركة لاحظ فريدريك بشغف رجليها الكسولتين المشبكتين كالكفين تضربان الماء.
سمع صوتا وراءه يقول له :" سيأكلك الحارس استدار فريدريك الى الخلف فشاهد الشخص الذي كلّمه يجلس على مقعد من مقاعد المتنزه. لقد كانت فتاة بجانبها كيس توزيع لقد برزت مفاصل ركبتيها الجميلتين من تحت فستانها القصير ( الشانيل) لم تكن كريهة المنظر . وشكّل شعرها الجعدي كتلة جميلة فوق رأسها وكانت تضع نظارات وقد لوحت الشمس بشرتها بلون احمر باهت فابتسامتها وكتلة رأسها اوحتا حيوية ونشاطا لا يمتان لفتاة بصلة مطلقا. سألها :" سيأكلني المراقب ؟"
أجابت :" انت تدعس على عشبه وتضع الملح على ذيل بطته ." وتراجع فريدريك بحذر فوق الدربزين المنخفض قائلا:" ليس لدي ملح ". نظر الى الممر باحثا عن امه، لقد كانت غائبة عن انظاره لكنه شاهد حارسا قادما من ناحية الجسر البعيد يتقدم بسرعة مخيفة مذهلة. قالت الفتاة : يا إلهي. ما الذي عض وجهك ؟ . هنا انهار فريدريك تماما قالت الفتاة " هاك! كل تفاحة. فتحت كيسها الذي كان ممتلئا بورق مقاوم للدهون لحفظ السنادويشات و مسحت تفاحة ذات قشرة شمعية لامعة . استفاق فريدريك من ذهوله كأنه مهر حذر وتناول التفاحة وانفاسه مازالت متقطعة ولم يرغب في الكلام .
قالت الفتاة " هيا ، تناولها ستجعل صدرك مستقرا ، الى اين ذهبت امك؟ ما هذا ؟ ما كل هذا الصوت؟ لم يفعل فريدريك شيئا الا ان فتح فكيه قدر الإمكان ثم قضم التفاحة ببطء غارزا اسنانه عميقا فيها . واعادت الفتاة جلستها الأولى بأرجلها المتقاطعة واسدلت طرف ثوبها الشانيل على ركبتيها . سألته : ما فعلت في التفاحة هل وضعتها في خديك؟ . حرك فريدريك ما قضمه من التفاحة الى داخل خد واحد وقال باختصار "لا" " بكيت " .
قالت الفتاة بصوت عال انا متأكدة من ذلك فقد راقبتك طول الطريق."
لقد كان هناك شيء عميق في ملحوظة الفتاة مما جعل فريدريك يشعر كأنه التقى فنانة أدت دورها للتو . لقد مضى عليه وقت واقفا يقضم التفاحة لكنه الان جاء وجلس على الطرف الاخر للمقعد سألته الفتاة :" كيف فعلت ذلك ؟" لكن فريدريك اشاح وجهه بعيدا واخذت اذناه تحرقانه مرة أخرى .
سالت الفتاة :" ماذا دهاك؟"
,وأضافت : "أنا عرف ولدا اكبر منك سنا يبكي كما تبكي فهو يُعَقّد نفسه ويصرخ كالثور ."
سألها: "ما اسمه ؟"
قالت "جورج"
سال "أيذهب للمدرسة؟"
قالت: اوه : يا ربي! انه ولد في المكان الذي كنت أعمل فيه . رفعت ذراعها ومالت الى الخلف واخذت تتأمل أربعة اسوار شفافة مختلفة الالوان ثم زلقتها على ذراعها الى المرفق حيث علقت . قالت :" انه لا يعرف لماذا كان يبكي!" لكنه اعتاد على ذلك فكأنه رأى شيئا فانت لا تستطيع ان تسأله وبعض الناس يتقبلونه كما هو، تحديدا البنات لكن انأ لم افعل ذلك قط . بدى مرة كأنه ادرك شيئا لكنه لم يرغب في البوح به سألته عن السبب فقال لي اسالي عن السبب الذي يمنعني من البوح ! لقد عرفته معرفة حيدة جملة وتفصيلا.
تَفَّ فريدريك بذرتين صغيرتين وتطلع باحثا عن الحارس ثم اسقط لب التفاحة خلف المقعد وسال :"اين يسكن جورج؟"
أجابت : انا لا أعرف فقد فصلت من العمل في ذاك المكان من مدة طويلة وغادرت ذاك المكان فورا وبعد ذلك لم اره قط . عليك التخلص، ان استطعت، من عادة البكاء هذه قبل ان تبلغ عمر جورج . فالبكاء لن يفيدك شيئا والامر كله يعتمد على الطريقة التي تدرك بها الأشياء. انظر هناك ها هي امك قد عادت. من الأفضل ان ترحل من هنا والا وقع مزيد من العناء والمشكلات! ومدت يدها لفريدريك وعندما وضع يده في يدها تصافحا بكل سرور وهزا ايديهما حتى ان الأربع اسوار على معصمها قد تراقصت قالت لها :الوداع قالت له : الوداع يا هنري"
قال لها : انا فريدريك! قالت : الوادع يا فريدريك!" " وداعا يا حبيبي ... وداعا
وعندما ابتعد الولد أعادت الفتاة الأوراق في كيسها واغلقته ثانية ثم وضعت اصبعا تحت شعرها في ناحيتي راسها كي تثبت نظارتها على اذنيها . وبدى فمها كخط احمر باهت في وجهها المحروق بفعل الشمس لكنه ما زال يحمل تلك الابتسامة المشاكسة البذيئة
وقاطعت ذراعيها على صدرها المنبسط وجلست هناك مُرخِيَةً مرفقيها .هزت قدمها في صندل من جلد ظبي صغير متأملة البحيرة عبر نظاراتها متفكرة في جورج ،فلديها المساء فلم يكن لديها عمل مسائي وقد رأت وجه جورج مرفوعا بمقت بكلتي يديه فوق طاولة مبقعة رأته مرفوعا فوق ربطة عنق بيضاء. وبدت لها عينا جورج وفريدريك كأنهما جرحان في سطح الكون الذي ينبع من داخله اسى لا يمكن تخفيفه بل ينزفان ويتضخمان دوما

وجاءت السيدة ديكنسون تمشي الهوينى تحت حزام الأشجار تنظر بعناية علها تلمح فريدريك قريبا منها . لقد مضى وقت طويل وهو بعيد عنها ثم رأت جورج يصافح فتاة لا تعرفها جالسة على مقعد ثم لاح متجها اليها وسريعا حرفت نظرتها الصادقة الودودة نحو البحيرة كأنها تريد تحيتها وجاءت اوزة سابحة . ردت المرأة فروها بلطف زالقه إياه على كتفها وقالت : ما أروع امك يا فريدريك!"
وعندما اصبح في مدى السمع سالته :" فريدريك ، انت آتٍ؟
" وحملت الريح نفحة من ازهار مايو. وقفت بلا حراك في انتظار وصول فريدريك. فلم تقو على التفكير فيما ستفعله عند ذاك. فما زالت ساعة امامهما قبل وصول بيت الخالة ماري ! لكن هذا جعلها أكثر هدوء وثباتا.
قفز فريدريك قفزة كبيرة وفتح فمه واسعا مناديا : " هيه : اماه كدت ان اصطاد بطة!"
اجابت امه:" يا لك منسخيف ،يا بني أ نت لا تستطيع ."
أجاب: " نعم... نعم كان بإمكاني! لوكان لدي ملح يكفي ذيلها ".
وتمضي السنون وما زال فريدريك يتذكر بسهولة وسعادة يخالطهما إحساس بالخزي لعدم ظفره بتلك البطة البيضاء التي كانت تسبح بجانب حافة البحيرة لكن صديقة جورج ذات الاساور ومشكلة جورج قد سقطا في هوة من ذاكرته فنسيهما سريعا!
قالت أمه متفكرة في تركها ولدها عند البحيرة يراقب البطة: ان تصرفا واحدا حازما قد يخلصنا من معاناة طويلة!


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد