ماذا بقي

mainThumb

19-11-2022 05:25 PM

لا شك بان ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم هو نظام حياة شامل للبشرية، وقد عرف العلم الحديث مصطلح النظام بانه يشمل ثلاث مكونات هي المدخلات والإجراءات والمخرجات، وبالتالي فانه يمكن فهم مصطلح الدين على المستوى الجمعي ان مدخلاته هي ما جاء في القران الكريم، واجراءاته هي كل العمل على تلك المدخلات وإنجاز ما يمكن إنجازه منها، واما مخرجاته فهي إقامة الدولة كما فعله الأولون.
واما على المستوى الفردي فيمكن القول بان المدخلات هي معرفة كل الأمور التي جاءت في القران الكريم وما اضافتها شروحات وتفسيرات الرسول الكريم فشكلت قواعد العبادة، واما الإجراءات فهي العمل بمفهوم العبادة التي أوردها القران وفسرها النبي عليه الصلاة والسلام ونقلها لنا متطوعون صادقون، اما المخرجات فهي الحصول على جزاء للعمل الذي عمله الانسان في الحياة الدنيا، وهو ما ينتظره هناك في الاخرة.
وبالتالي فان الواضح ان تفسير مصطلح النظام الإسلامي على المستوى الجمعي مختلف الى حد كبير عن تفسيره على المستوى الفردي، ولا بد لاي باحث او متابع لموضوع النظام الإسلامي في حياة الناس كمجموعات او كأفراد ان يبين لكل منهم طبيعة مكونات ذلك النظام.
ولان الناس على الأرض مهتمين بالحياة الدنيا كثيرا سواء كانوا مسلمين متدينين او غير متدينين او لم يكونوا مسلمين، فان من الطبيعي ان يكون التركيز على الجزء الثاني من أصول النظام الا وهي الإجراءات في كلا النظامين هو الأكثر وهو الأكبر، لان ذلك له مردود دنيوي اقتصادي، ذلك الشيء الذي ارتبط في الاذهان بمقومات الحياة.
والسبب المهم أيضا ان الجزء الأول والجزء الثالث من كلا التعريفين بحاجة لخطوات أعمق في المعرفة لمفهوم الاعتناق وممارسة وفهم مصطلح الايمان لكي تستكمل عندهم الرؤيا، خصوصا ان مصطلح الايمان قضية فطرية وكبيرة ويحتاج فهمها الى التعامل مع مواضيع وأشياء متعددة قد تكون اوسع من كل القضايا في الحياة التي يتحدث فيها كبار المختصين في معظم العلوم.
وبالتالي فان الحديث عن الجزء الأوسط في تكوين النظام الإسلامي الجمعي والذي سيؤدي الى إقامة الدولة والذي هو الإجراءات، هو العامل الأقوى والقائد الأعظم والشارح الاوعى لإجراءات النظام الإسلامي الجمعي وان أولى خطوات البناء هي بناء المجتمع الإسلامي او ما سمي لاحقا بالأمة الإسلامية. فما هو تعريف المجتمع الإسلامي؟
المجتمع الإسلامي هو مجموعة من الافراد يحكمهم منهاج الإسلام في الحياة، ويستطيعون بناء دولتهم من خلال المساهمة الفردية في إتمام المواضيع المحتاجين لها في استكمال احتياجاتهم الحياتية، ويستطيعون ذلك من خلال استعمال مفهوم وأساليب التشاور والحوار في الإطار العلمي والمعرفي الإسلامي لخدمة المصالح والاحتياجات الفردية والمجتمعية.
وقد شكل العرب قبل نزول القران مجموعات من القبائل المتناثرة والتي لم يكن يجمعها مجتمع واحد، كل قبيلة لها رأيها وأسلوب حياتها الخاص بها، ولم يكن هناك من شيء ولا فكر ولا أسلوب حياة يجمع بينهم، فكانوا يتنازعون بينهم ان قال أحدهم قصيدة شعر لم تعجبهم، او مرت ناقة احدهم بفناء بيت احد وكانت مملوكة لاحد من قبيلة أخرى.
فلما جاء رسول الله بالقران من السماء مر في دعوته بأكثر من طريقة عمل وبناء، اذ تجمع في اول الامر بعض الناس حوله وشكلوا منظومة فكرية تتعلم على يد معلمها الأكبر كل الأفكار التي تصنع للفرد نظام حياة له ولأسرته ولعائلته.
وبقوا كذلك لعدة سنوات وكان امتدادهم الافقي والعددي محدود الى ان انتقلوا للمدينة المنورة في هجرتهم المشهورة وهناك بدأت المرحلة الثانية في حياة الامه، والتي كانت بناء المجتمع الإسلامي في الحياة والتعامل وتحقيق الغايات، وبقي الامر كذلك، واستمر الرسول الأعظم محمد عليه الصلاة والسلام في بناء مجتمع الإسلام ورفد ذلك المجتمع بالقوانين والأنظمة السماوية الى ان توفاه الله، ثم بعد ذلك الحدث الجلل أقيمت الدولة.
فخلال عملية البناء للمجتمع الإسلامي التي استمرت لسنوات عديدة تمت زراعة أفكار جديدة لم تتعود قبائل العرب عليها، فلم تعد القوة بيد رؤساء القبائل ولا رؤساء العشائر، بل للخلفاء والامراء ، وظلت عملية البناء مستمرة بنفس الأسلوب تقريبا لمئات السنين.
ولا بد ان نتذكر دائما ان من تم سحب البساط من تحت ارجلهم لم يقبلوا ولم يكونوا ليقبلوا بالتغيير الذي جاء به الدين، وبقوا على خلاف معه طوال فترات نموه وامتداده في الدنيا، الى ان جاء الوقت وتغلبوا على الدين، من خلال تحطيم دولته الى ان اوقفوها تماما، وعندما توقفت وبدأت الاسوار التي بناها الاولون بالانهيار والتصدع، وتحولت الدولة الى دويلات والدويلات تصاغرت وأصبحت اما الوية او محافظات، ثم استمرت في التصاغر الى ان وصل الاختلاف الى داخل البيوت وبدأت الاسر في التفتت، ولم يعد ممكنا معرفة الى اين سيستمر الانهيار حتى داخل الانسان نفسه!
ومع ذلك فلا زال الناس يملكون القدرة على استعادة السيادة على أنفسهم وعلى ما يملكون لو يمارسوا التعامل مع موضوع الانهيار والتصدع بالمفهوم الذي جاء به القران الكريم حيث يقول ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾، فيعودا للالتقاء والى إقامة المجتمع الذي يبغون ولو على مستوى الاسرة بداية ثم يتسع الامر ليشملهم كلهم ...


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد