قطر وتهمة الغسيل الرياضي

mainThumb

21-11-2022 02:49 PM

لئن كان لفظ الغسيل يرتبط في الأذهان بالنظافة، فإنه يستخدم ضمن مصطلح يعبر عن أكثر الجرائم الاقتصادية قذارة، وهي جريمة غسيل الأموال، التي تهدف إلى إضفاء الشرعية القانونية على أموال محرمة، وانتشر هذا المصطلح كثيرا، وأصبحت له شركات وكيانات تقوم به لحساب عملائها.
وعلى غرار غسيل الأموال، انتشر مصطلح الغسيل الرياضي، أو التبييض الرياضي، وهو استخدام الرياضة كوسيلة لتحسين صورة الدولة من خلال استضافة أحداث رياضية كبرى، أو شراء، أو رعاية فرق رياضية، أو المشاركة في الرياضة نفسها.
ومنذ أن أعلن عن استضافة قطر لمونديال 2022، والدعاية تجري بشكل متواصل لاتهامها بالغسيل الرياضي، وإنفاق الأموال الطائلة من أجل تحسين صورة ملفاتها الحقوقية، «الغارديان» البريطانية، على سبيل المثال، نشرت في افتتاحيتها منذ أيام تحت عنوان «رأي الغارديان في كأس العالم في قطر: الغسيل الرياضي يلطخ صورة كرة القدم». وقالت الصحيفة تحت عنوان الخبر: يبدو أن مسابقة كأس العالم، التي ستنطلق يوم (الأحد المقبل)، قد فعلت الكثير لتشويه صورة كرة القدم أكثر من تحسين صورة قطر. وعزت إلى مشجعين وناشطين في حقوق الإنسان، شكواهم من تنظيم قطر البطولة، ورأوا أن الأمر يبدو وكأنه ترنيمة قذرة للمال والسلطة، أكثر من كونه احتفالا بهيجا للعبة، وفقا لـ»الغارديان». الحملة الغربية للإعلام الغربي على قطر، وتوجيه هذا الاتهام إليها، والاستشهاد بمشاكل العمال الأجانب داخل قطر، تعكس منطق الكيل بمكيالين، فالنسخة الماضية من المونديال عام 2018 أقيمت في روسيا، وروسيا يعني الانتهاك الصارخ لحقوق الإنسان في سوريا، وجورجيا، والقرم، وأوكرانيا، إلى درجة أنه في 5 أكتوبر/تشرين الأول 2020، أرسلت 33 منظمة من منظمات المجتمع المدني رسالة مشتركة إلى الدول الأعضاء في الأمم المتحدة تحثها على عدم التصويت لصالح حصول روسيا على مقعد في مجلس حقوق الإنسان، بسبب سجل روسيا الحقوقي المخجل، وانتهاكاتها الجسيمة لحقوق الإنسان في سوريا وأوكرانيا وجورجيا. ومع ذلك لم نر هذه الحملة الغربية الشرسة ضد استضافة روسيا المونديال، وذلك بالطبع قبل أن يتحرك الغرب ضد روسيا خوفا على مصالحه من الغزو الروسي الحالي لأوكرانيا.
أنا لا أقول إن الملف الحقوقي في قطر ناصع البياض، فهذا أمر ليس موجودا في العالم بأسره، حتى في الدول التي تدعي رعايتها لحقوق الإنسان، هناك في هذه الدول أزمات التمييز والعنصرية وانتهاكات حقوق الأقليات والجاليات، لكن على الأقل ليست قطر من الدول ذات الملفات السوداء الطافحة في هذا الجانب. جياي إنفانتينو رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم، هاجم مؤخرا الهجمة الممنهجة لوسائل الإعلام الغربية على قطر واتهم الإعلام الغربي بالنفاق، وقال إن ظروف العمال في قطر أفضل من ظروف المهاجرين في أوروبا. وأضاف إنفانتينو: «عندما أنظر إلى ما فعلناه، نحن الأوروبيين، خلال 3000 عام سابق، أرى أنه يجب علينا الاعتذار لمدة 3000 سنة مقبلة قبل أن نبدأ بتقديم دروس أخلاقية لبقية دول العالم». هناك نظرة فوقية غربية واضحة تجاه الدول العربية، تجعلها لا تقبل باستضافة دولة عربية لهذا الحدث الرياضي الذي يأتي كل أربع سنوات، وهو الأبرز والأقوى في المحافل الرياضية، ولأن دولة مثل قطر من دول الثراء العربي، تتهم بمحاولة تحسين صورتها عن طريق الرياضة، والتي تنفق عليها الكثير، حتى إن هناك شائعات انطلقت هذه الآونة بأن قطر تجري محاولات لرشوة لاعبي الإكوادور قبل مباراة الافتتاح بينهما. قطر كغيرها من العالم يهمها أن تحظى باستضافة هذه البطولة، وهو حق أكيد لها ولغيرها، ولم يتأت ذلك لقطر بين عشية وضحاها، بل كانت هناك سنوات لتجهيز الملف قبل القرعة التي أجريت عام 2010، انطلقت بعدها لإجراء الاستعدادات على مدى 12 عاما حافلة بالبذل، لكي يخرج المونديال بصورة مشرفة، فقطر التي هي الدولة العربية الوحيدة التي حظيت باستضافة هذا الحدث، تواجه تحديات كبيرة أمنية واقتصادية وإدارية لإنجاح هذه البطولة.
قطر دولة صغيرة أرادت أن يكون لها مكان بين الكبار، وسعت باتجاه التطور والنمو بكل مواردها وطاقاتها، فقد تبنت منذ التسعينيات سياسة الباب المفتوح، التي تُركّز على بناء علاقات مفتوحة ومتزنة ومتنوعة، والتوسط في حل النزاعات، بما تستفيد منه قطر والمجتمع الدولي معا.
والتعليم مثلا في قطر يستحوذ على اهتمام بالغ من الحكومة القطرية، فالعام الماضي تصدرت قطر قائمة الدول العربية في مؤشر جودة التعليم العالمي الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، كما أنها احتلت المركز الرابع عالميا بعد سنغافورة وسويسرا وفنلندا، استنادا إلى مؤشر ﺍﻟﺘﻨﺎﻓﺴﻴﺔ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻲ الذي حدده المنتدى.
القضية إذن هي توظيف قطر لثرواتها من أجل العبور إلى المستقبل، لا من أجل التعمية على انتهاكات مشكوك بها وبمروجيها، وليس كونها من دول الثراء يُحتّم أن تكون في مرمى تهمة الغسيل الرياضي، فهي تتحرك في إطار منظومة كاملة باتجاه مستقبل أفضل، للرياضة فيها مكانها الرفيع، بعد أن تخطت الكرة مرحلة الترفيه والتسلية، لتصبح أداة سياسية واقتصادية وثقافية بارزة. ولئن كان هذا موقف الغرب تجاه قطر فهذا أمر طبيعي، أما أن تروج له منابر عربية فتلك هي الطامة الكبرى، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد