عُمْر الانسان

mainThumb

20-12-2022 12:28 PM

اليكس كمفورت 1920- 2000
Alexander Comfor
يشير الطبيب البريطاني العالم الكسندر كمفورت في مقال له ا" مراحل عمر الانسان السبع " الى عبارة " اعمار الانسان السبعة” في مسرحية شكسبير " كما تريد":
فيقول: "يمثل الانسان في حياته كثيرا من السينين وفصوله مكونة من سبعة أعمار"
يقول الدكتور كمفورت : من اول الأشياء الأكثر ازعاجا في حياة الطفل أن يعرف ان حياة الانسان كالساعة في سيرها – أي يمكن التنبؤ بها قبل أن تحدث .وعندما يبلغ العشرين من العمر فانه يكون قد اصبح ناضجا وفي الثمانين يصبح شيخا هرما ثم يموت قبل ان يصل المائة! ونسلم بذلك لأننا قد الفناه فيما نشاهده من حياة الانسان كما انه من البدهي ان يكون للفرد حجم ذو خصائص تميزه عن غيره. فنضع مخططات بيوتنا بناء على ذلك الى درجة ان عددا قليلا لا يزيد عن عشرين في المائة هم أطول او اقصر من المعتاد يجدون من الصعب عليهم العيش في تلك المنازل ويفترض ان السبب الرئيس في ان هذا البرنامج الثابت يؤثر فينا عاطفيا لأن له مدى حياة محدد. فبعد سنّ معينة تقل طاقتنا لتحمل الأمراض ومقاومتنا لها ويستمر هذا التناقص بثبات الى ان يقضي علينا إجهاد كنا قادرين على تحمله في مرحلة مبكرة من العمر . وهذه العملية نسميها الشيخوخة وهي ثابتة احصائيا لدى الانسان الى درجة ان شركات التأمين تضمن التامين على حياتنا ضد الموت المبكر، لكن بوسعنا ان نخمن، فقط تخمينا، مرحلة الشيخوخة التي وصلها المرء بالنظر الى مظهره الشخصي!
وثبات رنامج الحياة ، إن جازت التسمية، وحجم الشخص الناضج هما شيئان تمتاز بهما الحيوانات ذوات الدم الحار لكن بالنسبة للحيوانات ذات الدم البارد يقل الثبات كثيرا تحديدا فيما يخص النمو. فكثير من الأسماك ليس لها حجم كبير متميز وبعض منها قد لا يكون لها فترة حياة متميزة. لكن لكل حيوان من ذوات الدم الحار برنامج حياة محدد يتكيّف مع طبيعة الحياة التي يعيشها ذاك النوع من الحيوان . وهناك فترة زمنية محددة قبل الولادة ومدة محددة قبل البلوغ وبعد ذلك النضوج الجنسي وفي الحيوانات الأكبر حجما تبدأ مرحلة التقدم في العمر ( الشيخوخة) . وفي الحياة البرية تختصر مرحلة التقدم في العمر مقارنة مع سن الشيخوخة لدى البشر فالثدييات الصغيرة كالفئران لا تبلغ مرحلة التقدم في العمر ابدا ومعدل موتها العرضي ليس عال جدا الى حد يمنعها من وصول تلك المرحلة! لكن الخيول في مزارع تربية الخيول( الاسطبلات) وفئران المختبرات تصل الى تلك المرحلة أي ان اعلى فترات اعمارها محددة تقريبا ..
يتميز برنامج حياة الانسان بثلاثة أشياء فريدة وهي في الحقيقة ثلاثة سمات بيولوجية تحتوي على مجمل التطور البشري. هذه السمات هي: المدة الطويلة لمرحلة ما قبل البلوغ الجنسي ، وطول فترة الاعتماد على الوالدين ، وطول عمر الانسان -عموما – أطول من حياة أي حيوان ثديي اخر وتقترب اعمار الثدييات الضخمة الفيلة ووحيد القرن من فترة عمر الانسان - وحقيقة ان محدودية فترة التكاثر – تحديدا لدى النساء دون الرجال- إذ تبدا تلك الفترة قبل بداية مرحلة الشيخوخة
و تختلف انماط اعمار الانسان عن أنماط اعمار معظم الحيوانات الاخرى رغم اننا بوسعنا مشاهدة شئي مثل تلك الأنماط
لدى القرود لكن الفرق الأكثر تمييزا هو نمط النمو المبكر لدى الانسان. فالإنسان يولد لا حول ولا قوة له تماما كالقط الصغير وينمو تماما بمعدل نموذج الحيوان ذي الدم الحار حتى سن الرابعة او قريبا منها. فإن سار برنامج نموه كبرنامج نمو الخروف او الجرو متيحا مقياسا زمنيا مختلفا فانه ينضج جنسيا و يستقل استقلالا تاما عند حوالي سن التاسعة. لكنه بدلا من ذلك يصبح نموه اكثر بطئا ويتم وادراج فترة كامله من النمو المُؤَخَر والاعتماد الكامل على الأم في منحنى النمو بين سني الثانية عشرة والرابعة عشرة تقريبا! ثم يتسارع النمو فجأة فالنمو والتطور يصبحان سريعان وتؤدي المراهقة الى النضوج الجنسي!
والفترة المُدْرجَة ،في منحنى النمو ، هي واحدة من اهم العوامل التي تحدد سلوك الانسان على ما هو عليه . وهي مسؤولة عن فترة الطفولة الطويلة ونمط العائلة التي تشكل قاعدة المجتمع وقدرته على استخدام تفكير المفاهيم ، وبما ان هذا يعتمد على التعلم والارتباط الشرطي بدلا من الغريزة البسيطة . في البداية تبدو تلك المرحلة كفترة السير الثابت ( مكانك سر ) لكن عند التدقيق فيها نجدها تغطي مزيدا من التغيرات الجذرية . وتبدا فترة التناسل البشري في الفترة العمرية من الثالثة عشرة الى التاسعة عشرة. ويظهر السلوك الجنسي لدى معظم الثدييات في الوقت الذي يصبح فيه التناسل ممكنا!
وكنا نظن ان ذلك ينطبق علينا كبشر ، وعندما لفت فرويد الانتباه الى حوافز جنسية دقيقة في مرحلة الرضاعة المبكرة قوبل بكثير من الشك!
. لكن في هذه الأيام أصبحت تلك الحوافز مقبولة ويعتقد انها تلعب دورا هاما في تكوين شخصية المرء الناضج .
ويظهر الى حد بعيد كما لوانه بتطور هذه الفترة المميزة من حياة الانسان أن قسما كاملا ، ما يعرف لدى الحيوانات الدنيا بغريزة التكاثر ، قد اصبح معزولا ، كما لو انه قد دُفِع الى الوراء في مرحلة الطفولة قبل سن التكاثر لدى الانسان وأُعْطِي مهمة جديدة مرتبطة بسلوك العائلة و بنية الشخصية
ونمط نمونا ثابت في المتوسط لكنه ليس ثابتا كليا وثباته يتأثر بعوامل منها المرض والاصابات والمخاوف والنظام الغذائي والبنية الموروثة. فهذ العوامل تؤثر في مرحلة البلوغ الجنسي والتطور الجسدي والعقلي والاجتماعي الذي يصاحب تلك الفترة. ولغاية الان فيما يخص العوامل الخارجية، فالشيء الصاعق هو قوة نظام توقيتنا في الحفاظ على برنامجه - قوته على اللحاق وتعويض ما فاته ، على سبيل المثال، في حالة إعاقة النمو الجسدي بالمرض او الجوع يتبع الاعاقات تلك ارتدادات النمو فالأطفال الذين تأخر نومهم بسبب الجوع في فترة الحرب العام الماضي قد عوضوا نقص نموهم بازدياد اوزانهم في العامين التاليين لسنة المجاعة ولكن بالإضافة الى العوامل الخارجية هناك تباينات بنيوية أخذنا ندركها منذ عهد قريب. وهي هامة بشكل خاص لأنها تؤثر في تصرفاتنا والتعلم ونمونا الجسدي!
وتجري أبحاث كثيرة في مسائل معدلات المراهقة وتطور مرحلة الطفولة وهناك حاجة الى مزيد من الأبحاث في هذا المجال ونتائج الأبحاث قد تؤثر فينا بقدر كبير في المستقبل ، في مجال تخطيط المدارس على سبيل المثال ، فمثلا بعض الأولاد في سن الثانية عشرة لديهم إنجازات عقلية كأولاد اخرين في سن الخامسة عشر حتى ان أدائهم النهائي سيكون واحدا. فهم لا يختلفون في الذكاء والبنية الجسدية بكاملها لكنهم يختلفون في نمط النمو. وكما أنه يوجد عمالقة واقزام يشذون عن حجم الانسان الطبيعي فهناك حالات متطرفة جدا يتباين فيها النمو! واكثر تلك الحالات اهتماما الأطفال ،عادة الطفلات الصغيرات اللواتي يتخذ نموهن البرنامج ذاته لدى الجراء والخراف. فهذا البرنامج ينقصه فترة تباطء النمو البشري. ففي سن التاسعة يكون النمو الجسدي للفتيات كأنهن في السادسة عشرة وهذا ليس مرضا بل هو خاصية عائلية ، فمدة حياتهن طبيعية والأكثر أهمية هو ان التسريع انتقائي و ينشأ النمو العقلي وتكوين الاسنان في ذات الوقت
وكما هو معروف الى حد ما, فإن النضج المبكر او المتأخر يعتمد على بنية الجسد وندرس ذلك اما بتصوير الاطفال او مقاييس أخرى للأطفال . وبما انه لابد لنا من ان نتتبع الافراد وليس المتوسطات فمن الواضح ان هذه العملية تأخذ وقتا طويلا‍! ومن الأشياء المُلبِسة هو ان معدل التطور في كل الدول ذات المميزات يتزايد سرعة، ففي إنجلترا وشمال أوروبا انخفض سن النضج الجنسي لدى الفتيات خمس سنوات عبر القرن الماضي وتتزايد صعوبة الحصول على أولاد لفرق الإنشاد أصواتهم تساوي اعلى صوت غنائي لدى النساء في فرق الانشاد , واعتقد ان تفسير ذلك هو ان في القرن الماضي كان قد تم تأخير سن البلوغ والان يعود الى حالته الطبيعية . لكن نريد ان نحدد الية الساعة التي توقت سن البلوغ. وفي الوقت الحالي لسنا متأكدين رغم ان الالية تبدو في الدماغ، ونريد أيضا معرفة الية احداث الحياة الجنسية في نهاية المرحلة المتوسطة من عمر الانثى واهم شيء هو سبب الانخفاض بقوة ثم الارتفاع في نسبة الموت بسبب ما نسميه الهرم!
كانت هناك ثلاث طموحات كبرى لكيميائي العصور الوسطى. اولها تغير أشكال او طبائع الأشياء والطموح الاخر الوصول الى القمر والثالث اكتشاف اكسير الحياة الذي يتيح للإنسان العيش بإيقاف عملية الهرم وتثبيت الانسان في مرحلة النضج الحيوية! لكن السحر أعطى مكانه لأبحاث اكثر عقلانية ؛ وادرك الناس ان مشاريعهم تلك كانت مستحيلة التحقيق فتركوها لمدعي العلم والدجالين والمختلين عقليا. لكن في هذا العصر الحالي يجري تغير طبائع العناصر في مفاعلات ذرية. فقد أرسل الروس صاروخا الى القمر. وتمتاز المشكلات التكنولوجية تلك بحيوية ليست متيسرة للطموح الثالث ، اكسير الحياة ، فشروط النجاح باتت معروفة تقريبا . لكن متطلبات محاولة تغير معدل عملية تقدم الانسان في العمر غير معروفة . والمشكلة الأولى هي اكتشاف تلك العوامل. لكن خلال عدد من السنين لاحظنا ان هيئات الأبحاث ، في اقطار مختلفة ، التي مهمتها البحث في اكتشاف كيفية التحكم ، ان كان ذلك ممكنا، بعملية التقدم في السن.
وعملية تقدم السن تلك لا تبدو مجرد تراكمات للتلف بسبب الصدمات التي نتعرض لها .فالمعدل الذي تحدث فيه ثابت جدا فقد تمثل نوعا خاصا من التلف . ويتخذ هذا التلف شكلين مع انه يجب ان لا ننسى انه يمكن تعويض بعض الخلايا الى مالا نهاية - على سبيل المثال خلايا البشرة ولكن خلايا الدماغ لا يمكن تعويضها ابدا وقد تمت علمية الهرم - الفقدان المستمر للخلايا التي لا يمكن تعويضها اوقد تكون تغيرا في نوعية البدائل – بعبارة أخرى - عدد كبير من الأخطاء في عملية النسخ . وهناك الامل الرئيس في إمكانية انه يتم توقيتها في التغير الرئيس . فعندما اكتشفت الهورمونات تولد امل في انها قد تضبط علمية فقدان الحيوية لكن تحول ذاك الامل الى خيبة امل كبيرة مع ان الهورمونات يمكن استخدامها لضبط أجزاء من عملية الهرم . وربما كان السبب الرئيس لهذا الامل في ضبط عملية الهرم او تعديلها على الأقل بغض النظر عن السبب ، هو حقيقة ان عملية الهرم لدى الفئران يمكن جعلها دليلا على زمن ، إن جاز التعبير، ابطاء نمو الفئران فالفئران التي يتم تغذيتها تغذية كاملة يمكن الحفاظ على مرحلة اليفوع لديها في كامل نشاطها طول حياتها وعند تغذيتها حينئذ فإنها تنمو وتتطور وتعيش ضعفي حياة الفئران العادية!
فعملية الهرم ،إذن، عند الفئران على الأقل، مرتبطة بساعة التطور , وربما ينطبق هذا على الانسان لكن الأصعب كثيرا ان نعرف إن كان بوسعنا العبث بالساعة فبتغذيتنا الفئران غير الناضجة فإنا نفعل تماما ما ينجم عن الأسباب الطبيعية لدى الانسان فقد نسبب إعاقة طويلة في مرحلة الطفولة . وهناك طرائق ممكنة أخرى لضبط عملية الهرم فان كان النسخ غير الصحيح للخلايا يلعب دورا فيمكننا إيقاف عملية الهرم او ابطائها ببعض العلاجات التي تحمي الية نسخ الخلايا ضد انواع أخرى من التلف- التي يسببها الاشعاع ، مثلا.

ويقوم الانسان كل الوقت بتمديد حياته الفاعلة بالحد من عمليات الموت في المرحلة المبكرة، لكن لغاية الآن لا يوجد وسيلة لإطالة اقصى فترة حياته الطبيعية فما زال معدل حياة الانسان هو الثمانين كما كانت في العهود التوراتية
وقد كان للطب اثرا بسيطا في منحنى البقاء .والفشل يظهر سريعا نحو الأسفل نحو النهاية ان كل انسان مسن يموت بسبب ما فان هناك عموما أسباب عديدة كانت ستبقيه ان لم يقتله هذا السبب او ذاك! هذه هي المشكلة- مشكلة تغير مقياس – الزمن كله وابطاء عملية الانخفاض التي يسعى علم الشيخوخة ان يسيطر عليها. ولكننا لا نعرف متى سينجح او يفشل في ذلك! لكني أرى انه ربما ينجح في النهاية في زيادة مدة الحياة ،لكن ليس مدة طويلة!
وفي اللغز الذي طرحه أبو الهول على اوديب مفتاح الجواب هو الانسان فقد كان اللغز::( ما الشيء الذي يمشي على اربع ارجل في الصباح وعند الظهيرة يمشي على رجلين وعلى ثلاث في المساء.؟) ينبغي لنا ان نقول الان هو حيوان يولد غير ناضج جدا وله فترة اعتماد على غيره في فترة طفولة طويلة ويظهر جنسا طفوليا ويعيش في جماعات اجتماعية تعتمد على الاسرة ويستخدم قوة التفكير والمفاهيم لحماية نفسه حتى يصل الى سن الشيخوخة . واذا تذكرنا ان حكاية اوديب نفسها لها صلة هامة بالجانب النفسي لهذا التطور فاني أرى في توقع بيولوجيا الانسان الحديثة ان رؤية الاغريق لطبيعة الانسان صحيحة الى درجة دقيقة!


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد