حكمة أب

mainThumb

03-01-2023 10:02 AM

عند مغيب الشمس طلب من محمد ابوه ان يذهب الى الدكان ويحضر كاز من دكان في قرية تبعد أربعة كيلو مترات!
كان محمد وعائلته يقيمون في بيت شعر في روضة خصيبة - يقيمون هناك كل فصل شتاء حيث الجبال المحيطة بالروضة تخفف من حدة الرياح في الشتاء ، اما في ذاك المساء ، كان لابد من ذهاب محمد الى الدكان رغم صغر سنه فقد كان في العاشرة من عمره!
اتجه الى امه محتجا انه قد يعترض لأذى الوحوش الضارية او حتى الكلاب الضالة في ذلك الليل فلم يبق الا دقائق معدودة وتغيب الشمس فيخيم الظلام على تلك الديار.
فقالت له امه انها واثقة انه شجاع وان الو حوش ستخشاه ان رأته سائرا لا يلتفت يمينا ولا شمالا
اعطته عشرة قروش فوق ثمن الكاز كي يشتري الحلوى من الدكان!
تشجع محمد وانطلق حاملا إناء فارغا كي يحضر فيه الكاز ... وبعد دقائق غابت الشمس وراء الجبال في الغرب .... غذ الخطى ووصل الدكان فصعق صاحب الدكان فقال متعجبا: انت ابن فلان؟ فقال الطفل نعم
فقال صاحب الد كان:” ابوك ليس في قلبه رحمة: كيف يرسلك في الليل في برية موحشة، الا يخشى ان تهاجمك الضواري في هذا الليل؟"
عاد محمد الصغير يحمل اناء الكاز بخطى سريعة فمر من جانب مقبرة فيها مقام الخضر, شعر برعشة لكن تمالك نفسه وقال كما تعلم في المدرسة :" السلام عليكم دار قوم مؤمنين ! انتم السابقون ونحن....." لم يكد يكمل الجملة حتى سمع صوتا : وعليكم السلام ....
فاخذ يجري مبتعدا ... ظانا ان الموتى يردون عليه السلام .... ومع كل خطوة خطاها كانت حلكة الليل تزداد ظلاما ولم يكن الا النجوم اللامعة بعيدا في السماء مؤنسا له!
وبعد نصف ساعة كان عليه ان يمر بمحاذاة صخرة ضخمة على جانب الطريق الذي يسير فيه ولما اقترب من الصخرة ، طار طائر بوم واخذ يزعق ... لم يخف زعيق البوم بل شعر بالأمن لأنه اعتاد ان يسمع زعيق البوم في نلك البرية دائما... فاستأنس بصوتها
وأخيرا وصل سالما غانما ... لقد نجح محمد في احضار الكاز في ذاك الليل البهيم، واشتعل القنديل واضاء المنزل لكن عبارة صاحب الدكان بقيت ترتاد ذاكرته حينا فحينا كلما تكذر تلك التجربة الصعبة :" ابوك ليس في قلبه رحمة : كيف يرسلك في الليل في برية موحشة ، الا يخشى ان تهاجمك الضواري في هذا الليل؟"
ودارت الأيام والليالي ويكبر محمد ويتزوج ويرزقه الله بالبنين و البنات !
وبعد ثلاثين عاما من تلك الليلة جلس محمد ووالده احد ابناءه الصغار في صالة الجلوس في منزله فنهض محمد يقبل ابنه الصغير
فقال له ابوه : اراك تقبل ابنك كأنك لم تره منذ سنين ... لا تدلع الولد علمه الرجولة من الان!
فقال محمد : زمان ابني غير زماني وانا اختلف عنك يا والدي : اعامل ابنائي برحمة وحنان!
تريدني ان اعامله كما عاملتني بقسوة ،أتذكر عندما كان عمري عشرة أعوام وارسلتني ليلا لوحدي الى دكان بعيد في طريق موحش عبر برية موحشة ، لقد ذهبت لوحدي وعندما وصلت الدكان قال لي صاحبها:" ابوك ليس في قلبه رحمة : كيف يرسلك في الليل في برية موحشة ، الا يخشى ان تهاجمك الضواري في هذا الليل؟"
ضحك الوالد قائلا يا بني:
انت لم تكن وحدك فقد كنت معك طول الطريق اراقبك في ذهابك وايابك !
لقد اردت ان اعلمك ا الشجاعة فلو لم ارسلك لوحدك لبقيت طول عمرك تظن ان كل طريق في البرية مليء بالوحوش ، لكن كانت تلك التجربة درسا عمليا لك في الشجاعة !
الا تظن يا بني ان الاب اذا قسى على ابنه انه ليس في قلبه رحمة !
افهمت الدرس: وقف محمد وقد امتلأت عيناه بالدموع وقبل جبين والده طالبا منه المسامحة على سوء الظن ... قائلا يا والدي أدركت الدرس بعد ثلاثين عاما ... سامحني على سوء ظني! واخذ يردد:
فقسا ليزدجروا ومن يك حازما
فليقس أحيانا وحينا يرحم


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد