الإسلام يرفض الجمود والخمول

mainThumb

05-01-2023 12:58 AM

الجمود في اللغة التيبس و عدم الحركة، لكني أستأذن أهل اللغة أن أصرف وجهتي لغير وجهة اللغويين، فأتجاوز جمود المعاني و الألفاظ إلى جمود الفكر و المعرفة، أتجاوزه إلى جمود العطاء و تفجير المواهب.
حول هذه المعاني يكون حديثي ، فالجمود موت حقيقي ، فالكون في حركة ، والعوالم في حركة ، و الزمان في حركة مستمرة ، و الأرض في حركة ،و كل العوالم لا تقبل السكون ، لا تقبل توقف الحركة ، فأعضاء جسم الإنسان لا تعرف سكون الحركة ، فحين تتجمد حركة المفاصل فإننا نحتاج لتأهيل حركي حتى تعود المفاصل و لأعضاء لسابق نشاطها ،و لا أتخيل أن في هذا الوجود كائن يقبل الجمود .
لنا أن نمعن النظر في آيات القرآن الكريم حين عرضها حقائق الإيمان بالله تعالى، فإن الآيات تتواتر في تأكيد حركية الفكر و استغلال الحواس في النظر و التأمل في بديع خلق الله، جميعها. تطلب منا توظيف عقولنا و تتبع آثار حركية الكون و النفس ، آيات تدعونا أن نوظف حواسنا لتبيث حقائق الإيمان المؤكدة
يقول الله تعالى حكاية الخليل مع قومه :{أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}[الأنبياء، 66 – 67].

قال الله تعالى: (وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ وَفِي أَنفُسِكُمْ ۚ أَفَلَا تُبْصِرُونَ) (الذاريات: 20، 21).
وقال تعالى: (فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِن مَّاءٍ دَافِقٍ يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ) (الطارق: 5- 7).
قال تعالى: (فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَىٰ طَعَامِهِ أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا وَعِنَبًا وَقَضْبًا وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا وَحَدَائِقَ غُلْبًا وَفَاكِهَةً وَأَبًّا مَّتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ) (عبس: 24- 32).
المؤسف أن الغير أشاع في قناعتنا جمود الحركة و التفاعل، جعل بيننا و بين الحركة حائلا يعزلنا عن عوالم البناء و النهضة، بل يلبسنا ثوب الجمود و السكون، فيعطل آلة الحركة، فنعجز أن نوفر حاجيات أسياسيات البقاء، فنكون عالة على أنفسنا و عالة على غيرنا، تصدق فينا الحكمة المأثورة (لا خَيرَ في أمَّةٍ تأكلُ مِن ما لا تَزرعُ، وتَلبَسُ ما لا تصنَعُ ) .
في حين أن حركية و فاعلية الإسلام واضحة في بعث الإيجابية والحركة في أتباعه ، حين يرسم من تعاليمه بابا واسعا للعطاء و استباق الخير، يجعله بابا لمحبة الله ، يجعله بابا لدخول الجنة، فيحرر المسلم من عوامل الضعف و الانهزامية، فيثمن طلب العلم و اكتساب المعرفة ، يشجع أتباعه على الكسب الحلال ، فيجعل من عمل اليد وسيلة لبلوغ مراتب الخيرية ، يجعله وسيلة للتحرر من تبعية الغير ، يشجع على مبدأ التكافل و التراحم ، و لا يكون ذلك إلا بالحركة و السير في دروب النجاحات .، و دليل حركية الإسلام كثيرة الشواهد في القرآن و السنة المطهرة.
قال تعالى {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } سورة النحل الآية 97.
أخرج الإمام البخاري بسنده في الصحيح عن النبي صلّ الله عليه وسلم أنه قال “لأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَأْتِيَ بحُزْمَةِ الْحَطَبِ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَبِيعَهَا فَيَكُفَّ اللَّهُ بهَا وَجْهَهُ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ”
لهذا علينا أن نربي أولادنا منذ الصغر على السعي و الحركة، نحبب لهم العلم و نحبب لهم النشاط و الجد، نقوي عزيمتهم؛ بأن القوة في العطاء، و أن القوة في حركة النفع و البناء.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد