«السوشيال ميديا» مصدر خطر على اليافعين!

mainThumb

16-01-2023 09:05 AM

في صيف عام 2016، اهتز المجتمع البريطاني إثر نشر الأنباء عن انتحار المراهقة فيبي كونوب، البالغة من العمر 16 عاماً، شنقاً، إثر نشر صورة لها على موقع «إنستغرام»، كانت قد التقطتها لنفسها، بعدما أجرت تغييرات على لون بشرتها، ليصبح مائلاً إلى الصفرة، في محاكاة ذات طابع عنصري لأصدقائها من الجنس الآسيوي.
لم تتحمل كونوب الإهانات التي تعرضت لها من مستخدمي الموقع، بعدما تسربت الصورة إليه، وتم التفاعل معها على نطاق واسع، ووجه إليها كثيرون العبارات المحرجة والمسيئة.
تمثل هذه الحادثة بياناً مزدوجاً لما يمكن أن تسفر عنه بعض الممارسات الحادة والمُسيئة على وسائط «التواصل الاجتماعي» فيما يخص اليافعين وطلاب المدارس؛ فهي من جهة منحت المراهقة كونوب الفرصة لكي تتنمر على زملائها من الملونين، ومن جهة أخرى قادتها إلى الانتحار، بعدما قصفها مستخدمون بالعبارات الجارحة جراء فعلتها، ما دفعها إلى الانتحار.
تُذكر تلك الحادثة أيضاً بواقعة مشابهة حدثت لمراهقة أميركية، تبلغ من العمر 13 عاماً، تُدعى ميغين ميير، حيث كانت «تتواصل اجتماعياً» على أحد المواقع مع شخص قدم نفسه لها باعتباره شاباً، قبل أن تعرف أن هذا الشاب لم يكن سوى جارتها التي تضمر لها مشاعر عدوانية. وقد استغلت تلك الأخيرة حصاد «التواصل» السابق في التشهير بميغين وإهانتها وإذلالها، بشكل فاق قدرتها على التحمل، ودفعها إلى التخلص من حياتها.
وفي أبريل (نيسان) من عام 2015، أقدمت مراهقة فرنسية، تبلغ من العمر 14 عاماً، على اتخاذ القرار نفسه، عبر إلقاء نفسها من الطابق الرابع في البناية التي تسكن فيها، بحي لورسا، في ضواحي باريس، بعدما وجدت أن مقاطع فيديو مُسربة للقاء جنسي جمعها بصديق قد غزت «يوتيوب»، ومعها تعليقات مهينة ومذلة وموجة عارمة من السخرية.
ورغم أن تعريفي «التنمر» و«خطاب الكراهية»، وغيرهما من التعبيرات المتعلقة بجرائم وممارسات مُسيئة على أقنية «التواصل الاجتماعي»، ما زالا يطرحان تحدياً قانونياً ومعرفياً، فإن الأثر الناجم عن الممارسات العدوانية والجارحة عموماً على «السوشيال ميديا» ليس محل شك. كما أن تفاقمه يزيد من القلق، خصوصاً على اليافعين، الذين أظهروا شغفاً ونهماً فائقين بالوسائط الجديدة ومطاوعة بالغة لخوارزمياتها ذات الأثر الملتبس. وقد دفع هذا القلق المنظمات الأممية إلى الانتباه وإطلاق التحذيرات على أعلى المستويات؛ ففي يونيو (حزيران) من عام 2019، نشر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، رسالة مهمة، قال فيها إن «الكراهية تجتاح جميع أنحاء العالم في مسيرة زاحفة»، داعياً إلى ضرورة «التعامل مع خطاب الكراهية كتعاملنا مع كل عمل خبيث؛ عبر إدانته، وحث الجناة على تغيير سلوكهم». وفي الأسبوع الماضي، عادت الأمم المتحدة إلى الإعراب عن قلقها المتزايد بشأن «الارتفاع الهائل» في استخدام كلمات عنصرية على منصات «التواصل الاجتماعي»، تحديداً منصة «تويتر»، حيث تنتشر عبارات الكراهية والتنمر، التي تؤثر بشكل رئيسي على الأطفال والمراهقين.
هذا، وبينت الإحصاءات الصادرة عن جهات بحثية موثوقة أن تلك المشكلة آخذة في الازدياد، وأن آثارها تمتد لعديد المجتمعات، بعدما ثبت أن ثمة رابطاً واضحاً بين انتشار خطاب الكراهية والتنمر، وبين وسائل «التواصل الاجتماعي»؛ فعبر هذا المجال المنفتح الذي توفره هذه الوسائل يجد أصحاب تلك الدعاوى الفرص السانحة لبث سمومهم ونشرها على النطاقات الأوسع وكسب مؤيدين لها.
ويستغل بعض مرتكبي حوادث التنمر وأصحاب خطاب الكراهية التقاطع بين مفهومي حرية الرأي والتعبير من جانب، والممارسات المحظورة والمسيئة من جانب آخر، لمواصلة أنشطتهم التي تتفاقم أضرارها باطراد. والشاهد أن الحق في حرية الرأي والتعبير، وفي ممارسات إعلامية منفتحة بلا أي رقابة أو تضييق، يستلزم صيانة جملة أخرى من الحقوق؛ من بينها منع التحريض على العنف، أو بث الكراهية، وبطبيعة الحال توفير الحماية للأشخاص الأضعف وغير الراشدين.
وفي الأسبوع الماضي، رفعت إدارة المدارس العامة، في سياتل، بولاية واشنطن، دعوى قضائية ضد شركات التكنولوجيا الكبرى القائمة على إدارة وسائط «التواصل الاجتماعي» الرئيسة، بداعي أن تلك الشركات «مسؤولة عن تفاقم أزمة الصحة العقلية بين الطلاب، ما أثر بشكل مباشر في قدرة المدارس على تنفيذ مهامها التعليمية». ورغم محاولة بعض شركات التكنولوجيا العملاقة دفع هذه التهمة عبر الحديث عن سياساتها المُفترضة لجعل ساحاتها مكاناً آمناً لتفاعلات اليافعين، فإن الأدلة على إخفاق تلك الشركات بالوفاء بتعهداتها في هذا الصدد تتزايد، بينما لا تظهر في الأفق طريقة واضحة لتصحيح هذا الوضع الكارثي.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد