في ديارهم تماسيح

mainThumb

19-01-2023 04:41 PM

مترجم
D.C. Horton
أرايت في حياتك استخدام التماسيح لتسوية النزاعات؟ قد يكون ذلك غير عادي لكني أتذكر وقوع ذلك- في أربعينيات القرن العشرين في جزر سليمان اثناء خدمتي في فرع الخدمات الاستعمارية في هناك.
وحتى عام 1942 حسبت ان هناك كثيرا من الناس لم يسمعوا قط بجزر سليمان ولا حتى عرفوا موقعها ومن يسيطر عليها!
لكن في عام 1942 شغلتالجزر العناوين الرئيسة للصحف العالمية إذتم إيقاف الغزو الياباني على الجزيرة الكبرى - الغوداكنال في تلك الجزر في المحيط الهادي. بعد ذلك نسي الناس تلك الجزر بسرعة مذهلة. أتذكر ان الناس سألوني كثيرا عن الذي يسيطر على الجزر آن ذاك.لذلك افضل ان اذكر شيئا عن الجزر قبل المضي في سرد الحكاية . تقع سلسلة الجزر في الجزء الغربي من المحيط الهادي -شرق غينيا الجديدة - تقريبا في موازاتها . والجزر الرئيسة واسعة جدا ذات تضاريس جبلية مغطاة بالغابات الاستوائية الكثيفة وتحيط بها السنة بحرية تفصلها ضفاف رملية عن المحيط والشعب المرجانية ومستنقعات تنمو فيها اشجار استوائية . وجميع الجزر بركانية الأصل.
وهطول الامطار هناك كثيف جدا ويسود نوعان من الرياح – الرياح الغربية الشمالية من تشرين ثاني ،نوفمبر الى شهر آذار مارس. والرياح الشرقية الجنوبية من ابريل نيسان الى أكتوبر تشرين أول. لكنها تكون خفيفة من وقت لأخر .
و واني لأغبط-مندانا الاسباني- الذي اكتشف الجزر في 1568 إذ اطلق عليها اسما رومانسيا-وان جانب الصواب في ظنه انتلك الجزر تزخر بالثروات التي تؤهلها لاسم جزر الملك سليمان. أما اسمها الرسمي فهو نثري اكثر منه شعريا رومانسيا- محمية جزر سليمان البريطانية_ وقد تم إدارة الجزر تلك دون أي ثغرات من قبل حكومة بريطانيا العظمى منذ 1893– بما فيها الحرب في المحيط الهادي .
اما بالنسبة لي عندما ذهبت اول مرة الى تلك الجزر عام1937 كانت الجزر تمثل ابهى صورة : بعيدة ، غامضة جميلة يسكنها بشر يعيشون على حافة العصر الحجري، وما زالت الجزر مجهولة الى حد كبير!
في ذاك الزمان الذي وقعت فيه تلك الأشياء كنت أقوم بجولة في جزيرة جنوب مالطا التي كانت جزيرة صغيرة مفصولة تماما عن مالطا وقد فصلها عن مالطا قناة صغيرة تدعى ممر ماراماسايك . وبوسعك ان تستعمل القارب او تمشي لكنالسير على الاقدام افضل.وحتى تتقن عملك ،عليك ان تعيش بين الناس !كان عملي يقتضي ان أقوم بمهام تقع ضمن اعمال ضباط المنطقة التي كنت أعيش فيها كان ذلك يقتضي تعلم مهارات جديدة للقيام باي عمل طارئ لكن في تلك المناسبة بالتحديد كان اهتمامي الرئيس هو النظر في قضايا لم تبت المحكمة فيها بعد. ومما ازدهى نفسي هو انه في ذلك العمل بوسعك ان تقدّر تماما قيمة المتع الصغيرة واني لأتذكر الاناني ذهبت الى مقر الاستراحة ذات مساء وشاهدت مدى جمال الموقع : كانت الشمس تنحدر للمغيب وكان هناك تباينا رائعا بين أمواج المد المتلاطمة على الشعب المرجانية و مياه الممر الهادئة .
كانت بيوت مقر الاستراحة بسيطة البناء – فقط غرفتان تحت عريش من سعف النخل –درجات حرارتهلطيفة. وقام السكان المحليون بتزينهما ، فاستعملت غرفة واحدة لي واستعمل الغرفة الثانية مرافقي – رجل الامن والخادم بالإضافة الى أي شخص قد ينضم للفريق. هناك في المقر في ماراماسيك كانت لمسة فنية أتمنى لو انكم شاهدتموها معي .فقد رسم على احد الجدران وقسم من السقف لوحة من نمط البيلاما – طائر بحري يلعب دورا رئيسا في الحياة الدينية هناك لبعض سكان جزر سليمان وان كنت ناسيا منالاشياء لا انس مشهد اجنحة الطائر السوداء تغطي مساحات شاسعة من المياه الزرقاء في المحيط الهادئ الواسع .

في اليوم التالي عقدت محكمة للنظر في قضية رجل اعتدى على امرأة ،فهب اهل المرأة والمقربين منها في العائلة غاضبين لأن الرجل بفعلته تلكقد خفّض مهر المرأة عند الزواج فالمهر سيكون قليلا مما يخفض نصيب المعنيين من المهر في عائلتها وبما أن معاملات الزواج لها دور في اقتصاد الناس هناك لم اهتم كثيرا بذلك الشأن ولأن المالطيين يعودون بسهولة بالغة الى عادات وتقاليد اسلافهم في العصر الحجري فلم ارغب في ان تستعر على يدي معركة بين افراد العشيرة الواحدة يسقط فيها العديد من القتلى! لذلك نظرت في القضية سريعا بعد ان تأكدت ان أربعة افراد الشرطة الموجودين معي كانوا على أهبة الاستعداد.
لم يتوافر ادلة كافية على إدانة الرجل فأٍطلقت سراحه! ومن المؤكد ان القرار لم يرق لذوي المرأة وكي احمي الرجل وضعته في الحماية الاحترازية آملا ان تهدئ الحال. وعندما واصلنا عملنا في الليلة التالية وضعت الرجل بين عنصرين من افراد الشرطة اثناء سيرنا لإحباط الكمائن! وعندما توقفنا نام الرجل في غرفة البوليس. ومع نهاية عملي في الجزيرة كان أقارب المرأة قد غادروا الى بيوتهم، فالجوع هو اقوى حجة من انتقام غير مؤكد. يتلوه ضغائن ثأرية . فغادرت الى مقر قيادتي بثقة كبيرة ألا يكون هناك اية نزاعات لاحقة.
ومضت ثلاثة اشهر فعدت الى جنوب مالطا في جولة أخرى ووصلت في الوقت المناسب الى ممر ماراماسايك وعندما كنت اتحدث مع –كوايسولي- كبير القوم هناك، بعدانتهاء العمل ، إذ سألته ان توقف النزاع بين العائلتين ،المعنيتن بقضية المرأة ، ! فأكد لي-على عجل-ان الامر طيب بينهما حتى ذاك الحين .لكن ذلك أثار الشكوك لدي لأني أعرف ان المالطيين يبيتون احقادهم في صدورهم فلا ينسون ولا يسامحون بتلك السهولة فبدى لي ان هناك امرا يجري تدبيره . فمارست مزيدا من الضغط عليه حتى استسلم واخذ يحرك قدميه يمينا وشمالا -علامة الارباك ! وقال:
" بعدما غادرت يا سيدي حضر اليّ ذوي المرأة وقالوا لي ان قرارك لم يكن عادلا وانه يتحتم عليّ ان أقوم بشيء يعيد الأمور الى نصابها وان لم افعل فسيقتلون الرجل الذي اعتدى على المرأة. وحاولت ان اثبطهم مهددا انهم سوف يتم شنقهمأن قتلوه لكنهم لم يستمعوا لي. ولم استطع الاتصال بك ، فخشيت نشوب نزاع كبير ." ثم توقف فقلت:" حسنا وماذا بعد؟"
فقال: " لا تغضب مني يا سيدي، فالطريقة الوحيدة للخلاص من تلك المشكلة هي اللجوء الى عادات اسلافنا في فض تلك النزاعات بعدالة!"
كانت تلك اول مرة اسمع فيها ان هناك قوانين غير قوانين بريطانياالعظمى في تلك الديار ! فطلبت منه ان يواصل الحديث ويخبرني بما فعل بتلك القوانين القديمةٍ! فقال لي:
يوجد هناك بمحاذاة ممرما راماسيك بركة عميقة خارج القناة الرئيسة وقد اخفتها الصخور والنبتات الكثيفة فكان من الصعب العثور عليها. و البركة زاخرة بالتماسيح التييسيطر عليها روح من الجن يرعاه كاهن يعرف باسم ال-فأتاتمبو- يعيش عند البركة . وقال الزعيم ان تلك البركة قد استخدمت منذ عهود ضاربة في القِدم لحل النزاعات بينالمالطيين فلذلك سأل المتهم قبل المحاكمة بان يقطع البركة سباحة والتماسيح فيها. لكن الرجل رفض بشدة،ثم وافق في النهاية على تلك المحاكمة.
ثم قال الزعيم إنه اتفق والعائلتين طرفي النزاع انه في حالة نجاة الرجل من التماسيح سالما دون ان يعضه تمساح او تمزقه التماسيح ان تدفع له عائلة الفناة تعويضا لأنهمطعنوا في صدقه وان نهشته التماسيح او قتلته فإن عائلته سيدفعون غرامة لأهل الفتاة!
ثم حددت يوما مع ال- فأتاتمبو- وقال انه سيدعو الروحالموكلة بالبركة ان تصدر حكما عادلا!
و في اليوم المحدد عند الضحى حضر الى البركة كل شخص معني بالقضية وبدى الرعب الشديد يسيطر على المتهم وعندما طلب منه ان يخلع ملابسه فعل ذلك ودخل الماء بخشية ثم سبح بأقصى سرعة لديه وراقبه كل شخص بدقة لكن التماسيح لم تلمسه وعندما تفحص ال-فأتاتمبو جسده بدقة لم يجد اية علامة لأي خدش . وترتب على عائلة الفتاة ان يدفعوا تعويضا وفعلوا ذلك بكثير من التذمر وهكذا تم تسوية القضية!
بعد ذلك قلت لكبير القوم انه استخدم وسيلة غير قانونية لفض النزاع فبدى عليه الندم الحقيقي، لكني وجدت انه من غير المناسب التدقيق كثيرا في عدد النزاعات التي فضت بتلك الطريقة في تلك الجزيرة: لقد امضيت أسابيع عديدة هناك محاولا تسوية خلافات قديمة ولم افلح لغاية تلك اللحظة!
ثم سألته ان كان يعتقد حقا ان قرار التماسيح كان صائبا!فأجاب : "نعم ،نعم يا سيدي فلم يعرف عنها انها قد فشلت في حل أي نزاع!" لكني شعرت بعدم الرضى عن طريقة فض النزاع تلك،فأوعزت بالقيام ببعض التحقيقات دون معرفة زعيم القوم وهذا ما جرى فعلا:
لقد هاجم فعلا المتهم الفتاة لكنها لم تقاوم ، لذلك عندما سمع ان عليه ان يقطع البركة سباحة والتماسيحفيها أصيب برعب شديد وذهب الى ال- فأتاتمبو– وطلب منه المساعدة فقال الأخير انه ليس بوسعه التدخل في فعل الجني ، فدفع الشاب مبلغا وفيرا من المال الى الوغد الكبير المارق فوعده ان يفعل ما بوسعه! لم يكن المال فضة في تلك الجزيرة لكنه كان من الصدف الأحمر الذي تنفرد به جزر سليمانو بعضنواحي من غينيا الجديدة! وقد سك تلك النقود سكان جزيرة صغيرة في بحيرة لانا-لانا المالحة في جزر مالطا وقد صنعت النقود من اطراف صدف محار حمراء. يتم صنعقطعة المحارفي شكل دائري يساوي قطعة ثلاث شلنات بريطانية ....
وعندما تلقى الكاهن المال وعد انه سيجلب عددا كبيرا من الخنازير سرا .لكنه احتاج الى مساعدة لفعل ذلك! وقد نجح فيفعل ذلك والذي ساعده كان احد مصادر معلوماتي!
وتوسل الكاهن الى الروح الموكلة بالبِرْكة وقال فورا ان الروح قد وافق على المساعدة واشترط الا يزعجه احد.
وقبيل موعد المحاكمة بقليل في صباح ذلك اليوم سيقت الخنازير ودفعت في البركة فعاجلتها التماسيح والتهمتها واتخمت بطونها فلم تعد راغبة في وجبة أخرى فعندما نزل الشاب الماء لم تبال به التماسيح وهذا يثبت ان القضاء البدائي اكثر تعقيدا مما نشاهد فليس كل الحالات واضحة أو معروفة لنا


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد