راعي النفيلة

mainThumb

06-02-2023 10:10 AM




طرق سهم باب بيت جده أبي امه بعد ساعتين من صلاة العشاء ، ففتح خاله البوابة وتفاجئ الخال حين شاهد ابن اخته في حالة يرثى لها لقد كان الدم يسيل من مقدمة رأس سهم فادخله سريعا في غرفة الجلوس ، فحضرت جدته مسرعة واخذته الى مغسلة وصبت الماء البارد على راسه ثم طلبت منه الجلوس في صوفا في غرفة الجلوس ! احضرت العجوز قليلا من القهوة المطحونة ووضعتها على الجرح حسب الطريقة المتبعة لإيقاف النزيف كما جرت العادة في قرية " رفّلة " في القرن الماضي.
قدمت الجدة طعاما الى حفيدها لكن الولد اخذ يولول قائلا انه يفكر في الانتحار وشكا من معاملة ابيه السيئة له فهو يكيل له الشتائم ولأمه ويحرجه دائما بحضور أبناء عمه"انت عمرك ما سويت نفيلة . انت طالع لأخوالك ... رخو .. بعيد عن عادات الرجال .. انا عندما كنت في سنك .... جمعت شلية غنم امام بيتنا فقد كنت كل يوم اعود بنعجة او اثنتين".. قال خاله : "يقول لك انك طالع لأخوالك.... نذل ... طيب والله لألقنّه درسا لن ينساه .... هيا قم لقد اعددنا لك فراشا في الغرفة الثانية ستنام معي هناك.".. نهض الشابان الى الغرفة المجاورة قال الخال الذي كان في أواخر العقد الثالث من عمره : "لقد جننتني عندما ذكرت ان اباك يعيّرك بأخوالك لكن الليلة سنلقنه درسا لن ينساه."
وقبل ان يأوي الى فراشه نادى " راجب:" يا سهم هل علفت الدواب؟"
فضحكت الام قائلة: "انت تحلم .... سهم هرب من البيت بعد ان هدلت راسه بيد المهباش ... خرج متوعدا انه سيجلب لك نفيلة ... ربما ذهب الى دار جده في الحي الاخر" ...
نهض راجب متثاقلا واضعا غليونه في فمه . واتجه الى مخزن الاعلاف، وضع علفا كافيا لثوري بقر ... يستعملهما في حراثة الأرض!
عاد الى النوم
تعالى صياح الديكة عند الفجر ... نهض أبو سهم وصلى الفجر ثم توجه الى زريبة الدواب فوجد الباب الخشبي الثقيل مخلوعا مرميا على الأرض.. دخل مسرعا.... فلم يجد الثورين والبغل ....
عاد مسرعا ... كان صراخه يتعالى فقالت له زوجته :: "خير... خير ان شاء الله علامك تندب وتولول" ... قال ::" الثور ين... الثورين غير موجودين في الزريبة ... لقد سرقا لقد سرقا ..".
سُرّت العجوز في داخلها فقد ارتاحت من العناية المضنية بهما اذ دأبت على تنظيف الزريبة يوميا وتحمل روث الدواب الى مزبلة القرية في لجن على راسها قاطعة مسافة طويلة للوصول الى هناك،فقالت ساخرة :" ربما كان راعي نفيلة هو من سرق الثورين" ... صعق راجب لسخرية زوجته فهجم عليها شاتما : أتسخرين مني يابنت ابي الزوان وانهال عليها ركلا ..
اخذت العجوز تصرخ وتندب حظها ! اخذت تبكي
قائلة: وينك يا بني يا سهم و حتى تغيظ زوجها اخذت تلطم وتبكي قائلة :
هديتني يا بين الله يهدك
المسعدات الله اعطاهن
وانا الحافية امشي وراهن!
ثم احضرت صرة وضعت فيها ملابسها وانسلت من الباب الخلفي دون ان يشعر بها زوجهاوانطلقت نحو بيت أهلها.
احتار راجب مفكرا في الخلاص من المأزق : لقد فقد الثورين وهذا يعني ضياع الموسم ذاك العام ... فكيف سيفلح الأرض؟ ... لمعت في ذهنه فكرة : الحل عند الارنبة - ام عايظ –
الارنبة...لقد مات زوجها العام الماضي وترك لها عجال بقر ....
كانت ام عايظ فتاة أحلامه في أيام الشباب ... لقد دام حبهما عقدا من الزمان ... تذكر ليال
الشتاء الطويلة التي استعبده فيها ابوها حيث كان يستغل هيامه بابنته فكان يطلب منه ان يساعده في حرث الأرض فكان يهب الى المساعدة ... لقد امضى أياما وليال طويلة وهو يحرث الأرض .... كان يسري فجرا في أيام الشتاء القارص ... و يحرث طول النهار دون طعام او شراب ... لقدحرث عليه ابوها دون أي مقابل ... لم ينل منه الا الهراء " والسنحة"
حين تقدم لخطبتها رفض ابوها متذرعا انها ستتزوج ابن عمها!
وتمضي الأيام وتتزوج الارنبة من عيظة وتنجب منه ثلاثة أولاد ثم ينتقل الى الرفيق الأعلى تاركا لها ثروة منها عجال بقر ....
توجه الى بيت الارنبة وطرق الباب ورحبت به ثم قال بعد ان شعر بالدفء انه يرغب في الزواج منها ... فوافقت ... كانت في الخمسين من عمرها لكنها كانت تبدو اصغر منذلك بكثير : كانت عجوزا مرفهة : ناعمة الخد اسيل ...
تم الزواج .... في اول لقاء لهما سمع صراخ الارنبة وراجب يجلدها بخيزرانة بلا رحمة
لقد فوجيء ان رائحة فم العجوز كريهة جدا من البصل والثوم لكن بشرتها مليئة بالبثور الملتهبة ... كان يجلدها بخيزرانة لدنة فتنفجر البثور فيسل الصديد ونقاط الدم التي لطخت ثيابها ... لقد كانت العجوز مصابة بالتهاب الجلد كثير البثور الملتهبة كانت ليلة سوداء حالكة .... فبدل من ليلة رومانسية تحول الجو دراميا مليئا بالحزن والنكد
. وفي الصباح تفكرراجب قائلا في نفسه انهليس بحاجة الى امرأة فقد تزوج قبلها ثلاث نساء توفي منهن اثنتان وله زوجة ام سهم ... لكن طرأت له فكرة : توجه الى العروس العجوز وتودد اليها معتذرا بحجة ان زوجته ام سهم قد اغضبته امس عندما تركت البيت ... ثم طلب منها ان تسامحه ووعد انه لن يعود لضربها ابدا...
بعد أسبوع من الود والوئام ... شوهد أبو سهم بصحبة تاجري حلال...لقد باع كل ما لدى الارنبة الا ثوري بقر ابقاهما كي يفلح الأرض عليهما
سُرّت الارنبة لأنها أصبحت سيدة البيت الأولى في غياب ام سهم التي ذهبت الى بيت أهلها وستبقى هناك مدة طويلة.....
ساد الوئام بين ابي سهم والارنبة لكن على مضض فقد كان أبو سهم يبيّت في نفسه مالا يظهره لها... كان يعود في المساء ..... فيتناول العشاء ثم يصلي العشاء ويأوي الى الفراش بحجة انه سينهض باكرا ليغدو الى حرثه في الفجر ... فهمت منه انه عاجز عن إتيان حرث الليل لانشغاله بحرث النهار
نهض أبو سهم مع اول صياح ديك في الفجر فصلى الفجر ثم انطلقالى حقله والارنبة تغط في النوم العميق !
نهضت من النوم ضحى تفكرت في أسلوب تودد يحنن أبا سهم عليها . فحضر ت فطورا : سمن بلدي وجبنة بيضاء وبيض مسلوق ... لكنها ..لم تجد مكان لوضع البيض المسلوق الا في داخل عبّها.
انطلقت نحو الحقل الذي يفلحه زوجها .. وصلت الحقل وكان أبو سهم يكدح خلف المحراث في يده منساس طويل على رأسه مشحف حديد! نادت عليه :" راجب ..راجب .. تعال حضرت لك فطور .. توجه نحوها بيده المنساس ... وضعت الطعام أرضا .. واخذت تخرج البيض المسلوق من عبّها ... صعق راجب عندما شاهدها تخرج البيض من عبهّا فقال:" ع الدبر وضعت البيض !" وهوى عليها بالمنساس فهربت تعدو بعيدا : اخذت تجري والبيض المسلوق يتساقط على الأرض المحروثة فقال لها : لقد بعت البقرات . ماعاد لي حاجة اليك ، لا ارىد ان اراك في البيت ..بيني بينونة كبرى !"
عاد في المساء فلم يجد اثرا لزوجته في البيت فنام نوما عميقا كطفل لم ينم منذ يوم ولادته!
وفيي الفجر استيقظ منتعشا .... وانطلق الى الحقل ... كان الظلام ما زال مخيما على الديار .... لكنه فوجئ باعتراض شابين له ملثمين ... انهالا عليه ضربا ... وكان احدهما يضربه ويصرخ :" لعن الله مِخْوَلك!" لقد ميز صوته فقال : كف عن هذا يا عيظة انا عرفتك ازاح عيظة اللثام عن وجهه قائلا : هذا درس لك كي لا تشتمنا عساك ادركت انا قادرين على ان نرد لك الصاع صاعين!
لكن الخال لا شعوريا قال : هيا يا سهم اتركه !"
صعقأبو سهم عندما ادرك ان ابنه سهم وخاله عيظه هما من ضرباهفصرخ:" هذه المراجل على ابيك يا عاطل حقا انك طالع لأخوالك فلو كانوا رجالا لما حرضوك ضد ابيك !"
قال الابن العاق بعد اماطة اللثام : " هذه النفيلة التي طلبتها مني ... انت من اردت ذلك "




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد