كارل يونغ في خطوة إلى الأمام وخطوة إلى الوراء
وككلّ تمييز، يقيم الخطأ عميقاً في هذا التمييز، أو أنّ هذا على الأقلّ ما نفهمه من كارل يونغ الذي كان أوّل تلاميذ فرويد وأوّل المنفضّين عنه بسبب رفضه التعويل الفرويديّ على الجنس حافزاً للسلوك، كما بسبب تحفّظه على مفهوم أستاذه في اللاوعي. هكذا انصرف يونغ، بعد انشقاقه، إلى ما أسماه «علم النفس التحليليّ» وإلى تطوير نظريّته وتجاربه في «اللاوعي الجمعيّ».
وكان من «الأنماط الأصليّة» (archetypes) التي اكتشفها المحلّل النفسيّ السويسريّ المذكور «الأنيما» و«الأنيموس». فـ«الأنيما» لغةً مشتقّةٌ من اللاتينيّة، وتعني نسمة الهواء كما تعني الحياة أو النفْس، فيما تعني «الأنيموس» العقل كما تعني العدوانية والضغينة، بما يردّ إلى الـanimosity .
لكنّ ما هو أبعد من الدلالة اللغويّة أنّ هذين العنصرين الجنسيّين، اللاواعيين تعريفاً، إنّما يقيمان في «نمط أصليّ» آخر هو ما أسماه يونغ «الظلّ» (the shadow)، أو «الجانب المُعتم والمجهول من الشخصيّة»، والذي لا بدّ من اختراقه لفهم الكائن الذي يقف وراءه، وإن كان استعداد «الظلّ» لمقاومة الاختراق كبيراً جدّاً.
و«الأنيما» و«الأنيموس» ملمحان متضادّان داخل العالم الشخصيّ للفرد. فـ«الأنيما» الأنثويّة تقيم في الذكَر، فيما «الأنيموس» الذَكَريّ يسكن الأنثى. وكما تغدو «الأنيما» شخصنة لكلّ ما هو أنثويّ في الذكر، تغدو «الأنيموس» شخصنة لكلّ ما هو ذكريّ في الأنثى. وهما، في آخر المطاف، يشكّلان جزءاً من اللاوعي الجمعيّ، وظيفته ربط صاحبه أو صاحبته بأعماق عالمهما النفسيّ. لكنّ صعوبة إدراك هذه العمليّة تعطي الأحلام والفانتازيا دور الطريق التي لا بدّ من سلوكها.
وكان برونو بتلهايم، عالم النفس النمساويّ الشهير، قد كتب أنّ يونغ سبق أن اكتشف «أنيماه» في الطبيبة والمحلّلة النفسيّة الروسيّة سابينا نيكولاييفا سبيلراين التي كانت تلميذته ثمّ زميلته، قبل أن تربط بينهما علاقة حميمة. و«بفعله هذا، شكّل فكرتَه عن الدور بالغ الأهميّة الذي تلعبه الأنيما في حياة الرجل. فسابينا سبيلراين، إن لم تكن مصدر المفهوم، فإنّها بالتأكيد الشخص الذي مثّل الإلهام لمفهوم الأنيما».
ومع أنّ فهمنا للجنس وللجندر تغيّر كثيراً عمّا طرحه يونغ من نظريّات في محاولته «فهم أنفسنا»، يبقى أنّ مبدأ الثنائيّة هذا لا بدّ أن يفيد في معرفة شخصيّاتنا والعمل معها بانسجام يوحّد عناصرها المتنافرة. فالأثر السلبيّ الأهمّ الذي ينجم عن تقسيمنا تكوينَنا النفسيّ إلى جزأين مختلفين، أي هويّة جندريّة خارجيّة وأخرى داخليّة لا واعية، هو إهمالنا للهويّة اللاواعية وقمعها. هكذا ترتدّ علينا الهويّة المقموعة بما يؤذينا لأنّ «ما تقاومه يبقى» بحسب يونغ. فهنا أيضاً، لا تفعل المقاومة غير تضخيم المشاكل التي ينفيها صاحبها رافضاً مواجهتها. وتجنّباً لهذا الصراع بين مكوّنات الشخص الواحد، ينبغي عدم الاقتصار على الاعتراف بالجزء المخبّأ، بل تقبّله أيضاً، لأنّه مع كلّ تثبّت في موقفنا السلبيّ والمعذَّب، وربّما المكتئب، تزيد مقاومتنا لحلّ المشكلة، إمّا تصغيراً لها أو إنكاراً للحدث برمّته أو لوماً للآخرين أو بذلاً لجهد مجّانيّ هدفه تغيير أناس بعينهم وتوهّم ردّهم إلى ما نظنّه الصراط المستقيم. ولأنّ الاعتراف بوجود المشكلة، أي بالواقع، هو الخطوة الأولى للعلاج، فإنّ إحلال التناسق بين الأجزاء المتنافرة يسهّل التعامل بين الجنسين ويجعله أغنى وأجمل. لكنّه، من ناحية أخرى، يصلّب قدرتنا النقديّة في تعاملنا مع تكويننا النفسيّ، بحيث نغدو أشدّ إدراكاً لمَن نحن فعلاً، ونتيقّن بالتالي من أنّ قدرتنا على الضبط والسيطرة محدودة جدّاً بقياس تكويننا النفسيّ مترامي الأطراف.
لكنّ المشكلة مع نظريّة يونغ تتعلّق بالصفات الجوهريّة التي تنمّ عن وعي تنميطيّ في زمن كان يستهويه التنميط. فاختيار «الأنيما» للنساء و«الأنيموس» للرجال يفترض أنّ الرقّة والنفْس صفات أنثويّة بالمطلق، فيما العقل والعدوانيّة صفات ذكوريّة بالمطلق.
وحتّى قاموسيّاً، تمثّل «الأنيما» «المواصفات الأنثويّة الكونيّة»، مقابل «الأنيموس» الذي يمثّل «المواصفات الذكريّة الكونيّة». فالأولى إذ تقيم في الرجل تصبغه برغبات أنثويّة هي تعريفاً سلبيّة، كحال طفل ينكفئ إلى الداخل باحثاً عن الحماية وحضن الأمّ، أمّا الثاني إذ يقيم في المرأة فإنّما يتأدّى عن ذلك انتقال بعض عقلانيّة الرجل وعمليّته واجتماعيّته الخارجيّة إليها. فإذا صالح الرجل أنيماه ودمجه فيه، تحوّل شخصاً ألطف وأكثر رقّة وتعاطفاً، أمّا إذا صالحت المرأة أنيموسها ودمجته فيها، تحوّلت أشدّ توكيداً ذاتيّاً واكتسب رأيها صوتاً أعلى، كما نمت قدرتها على التأمّل والتعلّم والتداول مع الآخرين.
ولم يكن يونغ نفسه مقتصداً في كشف الفوارق «الجوهريّة» هذه، فوصف «المبدأ الذكريّ» بـ«اللوغوس»، قاصداً النزوع إلى المنطق والصياغة اللفظيّة المُحكمة، ووصف «المبدأ الأنثويّ» بـ«الإيروس»، لجهة التعويل على العواطف والعلاقات التي تنجرّ عنها. ومنعاً لآخر سوء فهم ممكن، اعتُبر اللوغوس أبويّاً والإيروس أموميّاً.
هكذا بات في وسعنا أن نضع صفات لا تتغيّر تحت اسمي «رجل» و«امرأة»: فتحت الرجل، نضع التركيز الشديد على النفس والعقلانيّة والاهتمام بالعالم الخارجيّ والعدوانيّة، وتحت المرأة، نقرأ العاطفيّة والانكباب على الداخل والآراء اللاعقلانيّة وتغليب الاعتبارات الشخصيّة.
لقد عُرف عن يونغ تأييده حقّ المرأة في الاقتراع، لكنّ ميله إلى تنميطها وحبسها في بضع معادلات جامدة سلبها حقوقاً أخرى، فضلاً عن مصادرته التاريخ وأطواره وتحوّلاته. فإذا أضفنا ما اعتبره نقّاده «ماهويّة ميتافيزيقيّة» و«نزعة روحانيّة» تسم مدرسته التحليليّة، بتنا أمام وجه مظلم لليونغيّة يقابل وجهها المشرق الذي يعلّم أنّ المسافة الفاصلة بين الرجل والمرأة أقصر كثيراً ممّا يُظنّ.
انطلاق دورة كرة الطائرة في مركز شباب وشابات غرب إربد
منصة اعلان نتائج انتخابات النواب
الكشف عن سلسلة هواتف آيفون 16 الجديدة
موقع اعلان نتائج الانتخابات النيابية
نجل محمود السعدني يتحدث عن تفاصيل لقائه مع عادل إمام
صابر الرباعي يعلق على أزمة حسن شاكوش في قرطاج
إشهار كتاب حفريات في منابع الوحي الشعري
ضبط 7 متهمين تسببوا بغرق شخص بعد محاولة سرقة هاتفه
«الأردن ينتخب» .. بث مباشر لمجريات الانتخابات النيابيّة 2024
مهم بشأن سعر تنكة زيت الزيتون هذا الموسم
مهم من الداخلية بشأن دخول السوريين إلى الأردن
مواطنون ترتبت عليهم مبالغ مالية يجب دفعها .. أسماء
ماذا توقعت ليلى عبداللطيف لغزة ولبنان
وظائف شاغرة لدى الجمارك الأردنية .. رابط
تعيين 90 مرشحا لوظيفة معلم .. أسماء
فرصة للباحثين عن عمل .. وظائف شاغرة ومدعوون للامتحان التنافسي
التربية تحذّر من تجاوز نسبة الغياب في المدارس .. تفاصيل
رجل أعمال سعودي يجد حلاً لفئران فرنسا
أسماء المرشحين لدبلوم إعداد وتأهيل المعلمين
شركات طيران تمدّد تعليق رحلاتها إلى الأردن .. أسماء