عرين الأسود بين المطرقة والسنديان

mainThumb

05-03-2023 04:22 PM

باختصار شديد القضاء على المقاومة في عموم فلسطين المحتلة بات يشكل هدفاً استراتيجياً ومن الأولويات الإسرائيلية في السياسة الداخلية والخارجية، دون الاكتفاء بالمداهمات الأمنية التي باتت عاجزة عن اجتثاث المقاومة وسد المنافذ على خلاياها الفاعلة مثل عرين الأسود المستقلة عن الفصائل.
ودعماً لهذا التوجه الإسرائيلي المراوغ، فقد بادرت أمريكا إلى وضع كل ثقلها السياسي والعسكري والضغط على حلفائها الإقليميين وعلى رأسهم سلطة اوسلو؛ لإنجاح مساعيها في "القضاء" على المقاومة شمال الضفة الغربية المحتلة التي باتت تقض مضجع الإسرائيليين وتُعَثّرْ أهدافَ اليمين الإسرائيلي الساعية لبسط السيطرة على ما تبقى من اراضي الفلسطينيين المنتهكة.
ويتفق المراقبون عبر المنابر الإعلامية في أن هذه الجهود الأمريكية توجت بمخرجات مؤتمر العقبة الأخير الذي فُرِضَتْ عليه الإجندة الأمريكية الداعمة جوهرياً للاحتلال الإسرائيلي، ولو بدا شكلياً وكأنه يراعي حقوق الشعب الفلسطيني من خلال إنعاش حياته اقتصادياً في المناطق المحتلة.
ووفق مراقبين فإن هذه الأجندة الأمريكية من شأنها إشعال حرب أهلية طاحنة بين الفلسطينيين تحت شعار "كبّرها حتى تصغر" وهي فكرة ميكافللية تقوم على مبدأ :فرق تسد" الأمر الذي سيؤدي إلى تدخل السلطة لفضها بالقوة، وحتى تتمكن من ذلك مستقبلاً فقد وضع الأمريكيون ضمن أجندتهم خطة تعزيز قوات أمن السلطة بالعناصر الجديدة ودعمها بالسلاح المناسب، ومن ثم الإجهاز على ما يرون بأنه آفة اسمها المقاومة، ما سيؤدي إلى القطيعة بين الشعب الفلسطيني الذي يحتضن المقاومة، وعرين الأسود إذا ما تم استفزازها وجرها إلى الفخ المنصوب لها، حيث انها رغم استقلالها إلا انها تعتبر جزءاً من المقاومة الفلسطينية الموحدة ميدانياً، والتي تتبنى الكفاح المسلح كخيار استراتيجي بعد فشل اتفاقية أوسلو الذريع التي وضعت الفلسطينيين في مأزق وجودي.
وعلى المقاومة التعلم من تجربة الاقتتال الفلسطيني الداخلي في إطار التجاذبات الإقليمية ببيروت في سبعينيات القرن الماضي!
الشرارة جاهزة وتتمثل بتصريحات محافظ نابلس الفتحاوي إبراهيم رمضان بسبب ما ادلاه من تصريحات مستفزة وغير مسؤولة لصحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، معبراً عن انزعاجه من مواصلة مجموعات “عرين الأسود” مقاومتها للمحتل، ودفاعها عن الضفة الغربية المحتلة ومخيماتها المنتهكة من آلة البطش الإسرائيلية، وكأنه يتحدث بلسان حال اليمين الإسرائيلي، الأمر الذي أشعل معه حالة من الغضب والسخط داخل الأوساط الفلسطينية وعبر الفضاء الرقمي، فيما كشف فعليًا عن دور السلطة الفلسطينية المكشوف في ملاحقة المقاومة وانزعاجها من كل من يقاوم هذا المحتل الغاصب الذي يمارس سياسة التطهير العرقي بحق الفلسطينيين.
وهذا تصريح مستفز لمشاعر الفلسطينيين حيث جاء تكراراً لما قاله في أكتوبر 2022، مسيئاً لأمهات الشهداء ونال فيها حينئذْ من المقاومين وبخس من المقاومة المسلحة وجدواها؛ لزرع مشاعر اليأس في قلوب شباب المقاومة، مؤكداً على مواقف السلطة التي ينتمي إليها حيث توصف شعبيًا بأنها “انهزامية” بينما يعتبرها المطبعون واقعية.
هذه الشرارة تبدأ من البيان الصادر عن حركة “فتح” في بيت لحم إذْ حذرت فيه من المساس بالمحافظ، مؤكدة وقوفها أمام “حملة التهديد والتخوين” التي يتعرض لها رمضان.
ويتساءل كثيرون عبر الفضاء الرقمي:
أين كان هذا الموقف الفتحاوي -الذي لا يمثل إلا أتباع السلطة- وجيش الاحتلال يقتحم مخيمات نابلس وجنين وينكل بالفلسطينيين جهاراً نهارا! بينما يحظى َمْن يحضُّ على إيقاف المقاومة بهذه الحماية المثيرة للأسئلة.. وكأن فتح تخلع عن نفسها ثوب المقاومة! فتنصاع راضخة للأجندة الصهيوامريكية إلا من رحم ربي من الشرفاء الذين ينعشون روح المقاومة غير آبهين بمواقف قادة أوسلو المرفوضة جماهيرياً.
إن تصريحات محافظ نابلس المثيرة لفزعات الانتقام المتبادلة تندرج ضمن فخ الحرب الأهلية وتلتقي مع المقترح الأمريكي في مؤتمر العقبة الذي تضمنه البيان الختامي حيث أكد على ضرورة خفض التصعيد في الأراضي الفلسطينية، و”منع المزيد من العنف”، ووقف الاستيطان والبؤر الاستيطانية لستة أشهر.. وكأنها استراحة محارب للإسرائيليين كي يلتقطوا أنفاسهم ومن ثم يستأنفون مسيرتهم الاستيطانية واحتلال الأراضي دون رادع.. هذه فنتازيا سياسية تخالف المنطق ولا يقتنع بها حتى الطفل في القماط.
حيث وضع الجنرال الأمريكي “مايك فنزل” خطة لتدريب 12 ألف عنصر أمني فلسطيني لمحاربة المقاومة في شمال الضفة الغربية وتحديداً في نابلس وجنين حيث معاقل عرين الأسود.
هذا يعني بأن عدم تسييس عرين الأسود أو انتمائها للفصائل الفلسطينية قد شكل خطراً امنياً لسلطات الاحتلال وجعل الفلسطينيين يلتفون من حولها ترسيخاً لخيار المقاومة كبديل لسلطة اوسلو المنهارة -كما سنرى- ما استرعى طرح موضوعها على أجندة المؤتمر، حيث جاء في تقريرٍ مطوّل لصحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، أن ظهور مجموعة عرين الأسود في الضفة نابعٌ من التأييد المتزايد من الفلسطينيين للمقاومة المسلحة للاحتلال الإسرائيلي، فيما يتسع نطاق المستوطنات على حساب الأرض الفلسطينية، عدا عن الهجمات التي يشنها المستوطنون ضد أهالي الضفة، وليس انتهاءً بـ”سلطة فلسطينية فاسدة وغير فعّالة.. وأن هذه المجموعات المسلحة -عرين الأسود- أمست محطّ إعجاب من أهالي مدينة نابلس؛ فها هي صور أعضاء المجموعة تعلق في كل مكان، حتى على خلفيات شاشات الهواتف النقالة فيما تصدح أناشيد العرين في المقاهي هناك.
إنها حالة جماهيرية متصاعدة، فتنعش في القلوب طاقة المقاومة التي استوجب من الصهاينة وأدها قبل استفاحلها فيصعب مشاغلتها.
وهذا يعكس -وفق الصحيفة- الدعم الاجتماعي لعرين الأسود كون افرادها يفعلون ما لا تفعله السلطة الفلسطينية، وهو محاربة "إسرائيل”.
من جهته، المسؤول المجتمعي في حركة فتح عميد المصري يتهم عرين الأسود بأنها تفتقر للأفق السياسي.. مُعْزِيًاً أسباب ظهورها جماهيرياً إلى ظروف البطالة السائدة بين الشباب، واضطهاد الاحتلال للفلسطينيين؛ لكنه أخذ يربط الانتفاضة الثالثة التي يدعو إليها الفلسطينيون، بقرار سياسي تتبناه اللجنة المركزية لحركة فتح في الوقت الذي ترتمي فيه سلطة أوسلو بمكونها الفتحاوي في أحضان الأجندة الصهيوامريكية التي تستهدفُ عرينَ الأسود؛ كمقاومة فردية.
من هنا تتوالي الأسئلة المبهمة حول جدوى سلطة أوسلو، مقابل التنبيه إلى الخطر الداهم على المقاومة كيلا تقع في فخ الحرب الأهلية التي لو حدثت فقل على قضية فلسطين السلام "الله يستر"


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد