قصة يوم الأرض .. يوم النكبة

mainThumb

15-05-2023 09:16 PM

يروي لنا الآباء قصةَ وطنٍ، كان على شاطئ البحر، يمدّ رجليه بأمانٍ، من الناقورة إلى رفح. وطن.. يفرح بالمقدسات التي بين جنبيه وينبض القلب بحبها ويزرع وردة بين عينيه كتب عليها اسمَ الوطن، الذي على امتداد شرقه روابي الأردنّ التي تشكل معه رحيق حضارات وطموح أجيال، في وحدة كرئتين في صدر أو عينين في وجه، ويمتزج الحلم بالحلم، وبينهما النسب والسبب والرحم.
وتقول القصة: إنّ الانتداب البريطاني حلّ بمزاجه ضيفا على البلاد، دون أن يستأذن أبناء الأرض، فصامَ الشعب وحُرم شِبعُ البطن ليشبع الانتداب!! لعلّه يرحل.
ولكن.. في منتصف مايو من عام: 1948م. يومن انتهاء الانتداب المقيت، تهيأ العلم الفلسطيني ليرتفع على أرجاء الوطن، إلا أنّ الدعوة لرفع العلم استثنت أبناء الوطن، وحلّ محلُّهم أمواج البحر التي فاجأت الشعب العربي بأنها كانت محمّلة ببواخر حطت رحلها لتنهي رحلة التيه في شاطئ الوطن الممتد عربيًّا قبل التاريخ، فحينما أشرقت شمس التاريخ كان ظلّ الحضارات عربيًّا.
وفي ذلك اليوم.. رفع علم غريب حسب وعد بلفور قبل ثلاثين سنة. فما دهاك يا بلفور؟. أتعطي وعودا من حقوق شعبٍ لم تلده أمّك!!. أم أنك نسيت أنّ التاريخ سيذكرك حتما في أبجديات الظلم؟.
كلا والله.. ما صدقت بوعدك ولا بوعيدك، ولكنك دخلت أرضًا حرّةً على حين قوة من أهلك، فنبذت أهلَ الأرض وصنعتَ تمثالا تتباها به وبه تتماهى، وما أظنّ النهايات إلا كما يعرفها الذين يقرأون عن الجذور جيّدًا.
وهكذا.. بدأت قصة الأرض بنكبة شعبٍ تشرّد في أنحاء العالم، فمن شواطئ ميامي إلى شارع منهاتن، ومن أدغال إفريقيا حتى آخر قرى الهند، وفي جيوب أستراليا الجنوبية، وغابات أندونيسيا، فضلا عن الامتداد في الوطن العربيّ، فضلا عن مخيمات اللاجئين في الأردنّ وسوريا ولبنان، ثمّ يأتي مغفّل ويقول: جئنا على أرض بلا شعب!!. ويحك بأيّ منطق تنطق! وهذه الجموع المشرّدة التي تنتظر قطار العودة من أين أتت!!.
وتقول الرواية: إنّ أهل الأرض متشبثون بها، وكلما جاء جيل جاءت معه أعواد العودة، والبحث عن الذات، وأنّ كلّ حجر أو شجر انقلع من مكانه في فلسطين، له نسمة تعبق مع الأجيال وتزداد، وتنادي: تعال يا ابن الوطن وازرع مكاني شجرا.. وابنِ حجرًا.
ولقد نسي الذين "دبلجوا" قصة الاحتلال، أنّ الفراق يزيد من الشوق أشواقا، وأنّ الظلم والقهر لا يسكت عنه أحد، وأنّ الإرث "حق قديم" لا يزول مع التقادم، وأنه لا يضيع حقّ وراءه مطالب.. فما بالكم إذا كان الحقّ: إسراء ومعراج، وقبلة أُولى ومسجد تشدّ له الرحال.
ويقصّ لنا الآباء عن رائحة البرتقال، ومعاصر الزيتون، وعن غزلان فلسطين وشذا الزيزفون، وأنّ كلّ ما فيها أخضر، حتى قلوب أبنائها، وأنّ دماء الشهداء زاكية طاهرة، وأرواحهم في قناديل في الجنة كما في جاء الخبر عن سيّد البشر –صلى الله عليه وسلّم-.
وتقول القصّة عن نفسها أنها لن تنتهي، حتى لو عادات الأمواج الغربية من حيث جاءت، فسيبقى التاريخ يروي عن أبطالٍ واجهوا مجنزرات بصدور عارية، وسجناء ضحوا بحياتهم خلف القضبان لتنبض أوطانهم بحبّ القضية، وأنّ الصغار متشوفون لرواية نهاية القصّة، فحتما لا بدّ لكلّ بداية نهاية حتى قصة: "يوم الأرض".


محمد عبدالجبار الزبن
agaweed1966@gmail.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد