دور المعاهدات والمواثيق الدولية في هدم الأسرة

mainThumb

12-10-2023 10:09 PM

تسعى الكثير من الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية إلى فرض وصايتها على شعوب بلادنا، من خلال عولمة مجموعة من القيم التي تسود مجتمعاتنا، وذلك بعد أن يتم صياغتها وفق منظورها الخاص في إطار ما يسمى بـ " حقوق الإنسان"، من خلال هيئة الأمم المتحدة لتكون أداة لها في حكم شعوب العالم وتحقيق أهدافها.

نتحدث هنا عن المواثيق والمعاهدات التي تدَّعي حماية المرأة والطفل ورعاية الأسرة، ويناصرها العديد ممن قد لا يعرف عنها شيئاً ،فالتساؤل الذي يثار هنا هو: ما هي حقيقة هذه المواثيق؟ خاصة أن هناك استهدافاً غربياً وصهيونياً، موجهاً لشعوب العالم رغبة في تدمير كل القيم في العالم وهدم أساس القلعة الأسرية.

في عام 1945م تم التوقيع على ميثاق الأمم المتحدة، التي رفعت شعار تعزيز السلام وحقوق الإنسان، ولم يكن هذا الشعار إلا مظلة لمجموعة من المعاهدات والمواثيق الدولية، وضعتها لجان الأمم المتحدة، مثل: لجنة المرأة ولجنة الطفل ولجنة حقوق الإنسان، وحملت في طياتها منظومة شاملة للقضاء على الأخلاق والقيم بشكل عام، وعلى القيم الأسرية بشكل خاص، باعتباره السبيل السلمي لاحتلال الشعوب، حيث يؤدي تطبيق تلك المواثيق إلى إحداث تغيير تدريجي في ثقافات الشعوب؛ لتحل قيم المجتمعات الغربية تدريجياً محل القيم الأصيلة التي حافظت على الأسرة في مجتمعاتنا العربية منذ آلاف السنين.

إن تطبيق ما تحتويه المواثيق الدولية التي تشكل منظومة القانون الدولي لحقوق الإنسان من مضامين، واستراتيجيات، وآليات يؤدي بمجموعه وتفاصيله إلى تدمير مؤسسة الأسرة واستئصالها من جذورها بصورةٍ كاملة، وهو ما يمثل تهديداً ليس للمجتمعات الإسلامية فحسب، بل وللوجود البشري بأسره.

في هذا السياق تتخذ مواثيق الأمم المتحدة عدة مسارات رئيسية في هدم مؤسسة الأسرة، فالمسار الأول، صرف الشباب عن الزواج لمنع تأسيس أسر جديدة، من خلال التضييق على الزواج بشكل عام، والزواج الشرعي المبكر بشكل خاص، وتشجيع الممارسات الجنسية خارج نطاق الأسرة بمطالبة الحكومات برفع سن الطفولة والزواج، إذ جرمت المواثيق الدولية الزواج تحت سن الثامنة عشرة، ومنعت تجريم ممارسة الجنس خارج نطاق الزواج، حق النسب والبنوة لأبناء الزنى، وعدم الاعتراف بالزواج الشرعي المبكر وكل ما يترتب عليه، لصرف الشباب عن الزواج وتشجيعهم على الممارسات الجنسية خارج نطاق الزواج. وتعميم برامج (الصحة الجنسية والإنجابية) لكل الأفراد من كل الأعمار، ومما تتضمنه تلك البرامج، التثقيف الجنسي للمراهقين والصغار، وتدريبهم على استخدام وسائل منع الحمل، وبالأخص العازل الطبي، بالإضافة الى إدماج المراهقات الحوامل في التعليم النظامي، وإباحة الدعارة وحمايتها قانونياً ومجتمعياً، فضلاً عن إباحة الشذوذ الجنسي والمطالبة من خلال المواثيق الدولية بإلغاء القوانين المجرمة للشذوذ الجنسي.

في هذا الإطار عملت الأمم المتحدة على إباحة الإجهاض قانوناً والتي استنكرت وجود قوانين جنائية تجرم العلاقات الجنسية المثلية الرضائية، والزنى، والعمل في مجال الجنس، والحصول على خدمات الإجهاض الآمن.

وعلى الطرف الأخر تبنت الأمم المتحدة سياسات واضحة للتشجيع على ارتكاب فاحشة الشذوذ الجنسي، وتدعم الشواذ في جميع أنحاء العالم بكل قوة، ويتم إدماج حقوق للشواذ جنسيًا في المواثيق الدولية من خلال مصطلح )الجندر Gender (، وهو المصطلح المفصلي الذي تدور حوله معظم الوثائق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان.

وبلغ الأمر أن قام مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة في سبتمبر 2016م بتعيين أول خبير مستقل بالأمم المتحدة مسؤول عن متابعة تنفيذ الصكوك الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وبالتحديد ما يتعلق بالتمييز بين الأشخاص على أساس (ميولهم الجنسية) أو (هويتهم الجندرية)، أي متابعة القوانين التي تعاقب الشواذ جنسياً في البلاد المختلفة، والعمل على إلغائها، والتعاون مع الدول من أجل حماية الشواذ جنسياً.

أما المسار الثاني: هو هدم الأسر القائمة من خلال تحقيق استقواء المرأة واستغنائها عن الرجل تماماً، بإحداث تغيير جذري في الأدوار الفطرية لكل من الرجل والمرأة داخل الأسرة، دفع المرأة للعمل خارج المنزل، بقصد تحقيق (الاستقواء الاقتصادي) وما يتبعه تبعات، بالإضافة الى تحقيق استقواء الطفل وهو ما يؤدي إلى تمرده على والديه، ورفض أي قيود أو ضوابط يفرضها دين، أو مجتمع، أو قيم وتقاليد، فعملوا على القضاء على علاقة الابن، أو البنت بالأب بإطلاق موجة الحرية المطلقة، وتبغيض معنى الأبوة، بوصفها بالقهر والتسلط، وتحريض المرأة للتمرد على قوامة زوجها، باعتبارها قيوداً تحد من حريتها، كل ذلك ضمن نطاق العولمة الكوني، الذى من شأنها الإجهاز على الأسرة، واختراقها من جميع الجوانب المحتلفة.

هنا لا بد من كشف خطورة توظيف الإعلام في نشر وتسويق مقررات وتوصيات المؤتمرات الدولية الخاصة بالمرأة، فاستخدام الإعلام العربي والإسلامي للمصطلحات التي تنادى بها هذه المواثيق والمؤتمرات، لا يساعد على تطوير المجتمعات الإسلامية بقدر ما يلحق الضرر الذى يبدأ بالبنية الأساسية للمجتمع، وهى الأسرة ويمس العلاقات الزوجية مساً مباشراً، بما ينطوى عليه من تسوية للعلاقة الزوجية والأسرية والوالدية، وضياع الواجبات في وسط الحقوق المزعومة، خاصة وأن وسائل الإعلام تدعو المرأة إلى التمرد، ورفع راية العصيان، ورفض قوامة الرجل، وفى المقابل يركز الإعلام على جسد المرأة (التجميل والأزياء)، التسوق، والاستهلاك، وليس على العقل، والدور الاجتماعي والتربوي، مما يهدف في النهاية إلى جعل المرأة سلعة، للاستهلاك والتربح
مجملاً.. من أهم الحلول للتصدي لهذه الاتفاقيات، إصلاح الفرد والأسرة و تربية الأبناء وعدم تركهم للشارع ولوسائل الإعلام، بالإضافة الى توفير مناهج بديلة ومجتمعات موازية للمحافظة على الأسرة، فضلاً عن التشجيع على الزواج، وضبط شروط الزواج، في ألا تكون مرهقة للزوجين حتى تنشأ الأسرة، وتستمر بعطائها ومسؤولياتها
وأخيراً... ونحن في سورية فإننا نوصي بالتفاعل بإيجابية في تقديم البديل الشرعي الذي سنَّته الشريعة، إذ هو الموافق للفطرة البشرية والمحقق للمصلحة الإنسانية، والدفاع عن الإسلام فكراً ومنهجاً، كما نوصي أيضاً بمراجعة كافة القوانين والقرارات المتعلقة بالأسرة وتنقيحها من كل الشوائب التي تؤدي الى تمزق الأسرة، حتى لا نقدم للمنظمات الدولية ذريعة للتدخل في شؤوننا الخاصة، ونقضِ سيادتنا الوطنية السياسية والاجتماعية.






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد