هل انتهت إمكانية توسيع الحرب؟

mainThumb

19-12-2023 09:52 PM

الجواب: لا أبداً، بل إنّ احتمال توسُّعها هو الاحتمال الأرجح، ولكن، كيف ولماذا؟ وفي أيّ ظروف؟
إذا انطلقنا من «منطق» الأحداث التي جرت، وما زالت تجري في هذه الحرب فإنّ لدينا الحقائق الآتية:
الولايات المتحدة، وهي القائد الفعلي لهذه الحرب لا ترغب بتوسيع الصدام، وليس لها مصلحة في توسيعها، وفي امتدادها إلى ساحات أخرى لأسبابٍ تتعلّق بثلاثة عوامل على الأقلّ:
لا تريد الولايات المتحدة أن تتوسّع هذه الحرب لأنّ من شأن مثل هذا التوسُّع أن يؤدّي إلى فقد السيطرة على مستقبل أوضاع الإقليم، خصوصاً وأنّها هرعت إلى المنطقة للحفاظ على مصالحها فيه، وخصوصاً ضمان عدم انهيار إسرائيل بعدما شعرت بأنّ ثمة بوادر ومؤشّرات قد بدت على دولة الاحتلال بُعَيد هجوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأوّل.
ولا تريد الولايات المتحدة أن تتّسع الحرب لأنّ كلّ مراهناتها على «التطبيع» ستصبح في مهبّ الريح، وأنّ إعادة ترميم الإقليم تصبح عملية مستحيلة، سواء أكان هذا التوسّع والامتداد قد أدّى إلى ترجيح كفّة على أخرى، أم بقي التوازن هو سيّد الموقف، وذلك لأنّ من شأن الوصول إلى نتيجة كهذه ليس له من مخرجٍ منها سوى؛ إمّا إلى استمرار الصراع والتوتر، بوسائل ووتائر أخرى، أو إلى الذهاب إلى «تسويات» بأثمانٍ أعلى من الأثمان التي تدفعها الولايات المتحدة في الظروف القائمة، أي قبل الامتداد والتوسُّع.
والولايات المتحدة لا ترغب بتوسيع الحرب لأنّ من شأن ذلك أن «يُقحم» إيران، أو قد يؤدّي إلى مشاركتها فيها، وهو ما سيغيّر بصورةٍ جذرية من تدفّق النفط والغاز والتجارة الدولية، وسيضع أوروبا الغربية في مختنق اقتصادي مؤكّد، ويُلهب الأسعار والتضخُّم، إضافةً إلى تعطيل أي فرص لدعم أوكرانيا وتايوان، وقد تشكّل الحرب الإقليمية الشاملة فرصة القرن لكلّ من روسيا والصين، وقد لا تتمكّن، لا الولايات المتحدة، ولا أوروبا، ولا حتى حلفاؤهم في آسيا من «ضبط» جُموح الكثير من دول العالم للإفلات من قبضة الهيمنة «الغربية».
وبالمقابل فإنّ قيادة إسرائيل السياسية والعسكرية، والتي لم يعد لديها ما تخسر، بعد أن خسرت كلّ ما خسرته فإنّ لها مصلحة مباشرة وصميمية في استمرار الحرب حتى النهاية «الحاسمة»، والتي تتمثّل ــ كما تقول وتدّعي ــ في «القضاء» على حركة حماس، وعلى باقي فصائل المقاومة، و»ترتيب» أمور القطاع بما يُحقّق هذا الهدف!
على أساس كلّ ذلك فإنّ عدم قدرة الولايات المتحدة على «ضبط» الأمور عند نقطة معيّنة من تطوّر هذه الحرب سيعني أحد الاحتمالين الآتيين:
إمّا أن تتمكّن إسرائيل من إضعاف المقاومة، وشلّ قدرتها على الاستمرار بالحرب، أو أنّها ــ أي إسرائيل ــ ستفشل فشلاً مدوّياً وتدخل في الفوضى السياسية الشاملة، وفي انقلابات سياسية جديدة ونوعية، وغير مسبوقة.
في الحالة الأولى ستتدخّل قوى «محور المقاومة» بالضرورة لأنّ تهديد بقاء فصائل المقاومة في قطاع غزة هو التهديد المباشر والأخطر على هذا المحور، وفي الحالة الثانية فإنّ هذا المحور سيخرج أقوى ممّا كان عليه، وبذلك تفقد الولايات المتحدة قدرتها على إعادة ترميم الإقليم بالشكل والطريقة التي تستطيعها حتى الآن.
فإذا كانت الولايات المتحدة تعني ما تقول بأنّها «تؤيّد» الحرب إلى درجة إزاحة «حماس»، وإضعافها فقط، عن طريق العمليات العسكرية الإسرائيلية فإنّها ستقع في شرّ أفعالها السّاذجة، وإذا كانت تعي أنّ ذلك قد يؤدّي إلى توسيع وامتداد الحرب فإنّ «المدّة المفتوحة» ليست أكثر من كذبة أميركية ساذجة، لأنّها عند درجةٍ معيّنة من تطوّر أحداث هذه الحرب سترمي بكلّ ثقلها لإيقافها، قبل أن تدخل في مرحلة قد لا تكون حينها قادرة على هذا الإيقاف.
أقصد أنّ استبعاد توسيع الحرب ليس موقفاً حكيماً، وليس حذراً بالقدر المطلوب، ولا يجوز مطلقاً اعتباره كخيار وكأنّه قد أصبح خلفنا.
الولايات المتحدة تبحث عن مخرجٍ لا يُظهر إسرائيل وكأنّها هُزمت، ولا يعطي لفصائل المقاومة فرصة «الادّعاء» بالنصر في ظلّ حالة الإبادة والتدمير التي طالت القطاع، وفي ظلّ الخسائر البشرية الباهظة، والتي فاقت كلّ التصوّرات والتوقّعات.
والقيادة الإسرائيلية المهزومة حتى الآن ستخرج مهزومة على كلّ حال، والولايات المتحدة عند درجةٍ معيّنة عليها أن تختار بين أن تخرج إسرائيل مهزومة، أو أن تخرج قيادتها فقط، على الأقل من حيث مظهر الصورة.
وأزمة الولايات المتحدة في هذه الحرب هي أنّها لا تستطيع تأمين عدم هزيمة أحد الأطراف في المعادلة الإسرائيلية، بل وربّما لا ترغب، أيضاً.
والمَخرج الذي تبقّى لأميركا هو إنهاء حرب التدمير المباشر، وتراجع قوات الاحتلال الإسرائيلية إلى تخوم «الغلاف»، وإقامة دفاعات مؤقّتة هناك لكي تبدأ مرحلة أخرى من الحرب، هي مرحلة «العمليات الخاصة»، و»الضربات المختارة»، و»العمليات الجراحية»، و»الغارات المحدّدة» على أهداف «عسكرية» مباشرة، في نفس الوقت الذي تبدأ معه الولايات المتحدة «التشاور» لترتيبات ما بعد الوقف الشامل لإطلاق النار، ودراسة الإجراءات والتدابير الأمنية التي ستسبق الأطروحات «السياسية» التي باتت مجبرةً على طرحها لكي يتسنّى لها الشروع بالبدء في إعادة «ترميم» الإقليم.
إسرائيل التي نعرفها الآن لن تكون إسرائيل التي سنراها وسنعرفها في مرحلة الطور الجديد من الحرب، وستكون مختلفةً تماماً عن إسرائيل التي ستكون عليه بعد الوقف الشامل لإطلاق النار، ليس من زاوية التطرُّف والاعتدال، وليس من زاوية التعقُّل والواقعية السياسية، حتى وإن شهدنا درجةً أو أخرى من هذا القبيل، وإنّما من زاوية التطاحُن الداخلي فيها.
لن يرضى «اليمين الجديد» أن تضعه هذه الحرب على هوامش المشهد الإسرائيلي، و»اليمين الوسط»، أو «المركز» لا يمكن أن يجازف أكثر بإبقاء «الدولة» رهينةً أو في موضع المقايضة على هويّتها ومكانتها، ودورها في الإقليم، وفي العالم.
«اليمين الجديد» سيفتح معركة الضفة الغربية، وقد يتمكّن من جرّ دولة الاحتلال كلّها إلى حربٍ طاحنة، واجتياحات، وتدمير أكبر بكثير مما نشهده اليوم في كلّ أنحائها، وقد ينقسم الجيش «المكلوم» بتأييد معركة كهذه، وقد تنحاز بعض الأذرع الأمنية، أو أجزاء كبيرة منها للمساهمة المباشرة فيها، وذلك بهدف تغيير المسار، وخلط الأوراق، و»الاستثمار» في أجواء الكراهية والعنف التي وصلت إليها الأمور في إسرائيل، وفي ذلك ــ كما أرى ــ تكمن الأخطار القادمة ما بعد هذه الحرب.
وفي ضوء ذلك كلّه كيف لنا أن نتصرّف، وما هي خططنا لمواجهة احتمالات المرحلة، والمراحل القادمة؟
لم يكن واضحاً أكثر مما هو واضح اليوم أنّ إسرائيل، ومن خلفها الولايات المتحدة تستهدفان إضعاف الحالة الوطنية الفلسطينية، بـ(إضعاف «حماس» وتهديد بقائها، والمزيد من إخضاع السلطة الوطنية الفلسطينية، وتغيير جوهري في ارتهانها) طالما أنّ البنية السياسية للحالة الوطنية ما زالت كلّها، إمّا جزءاً من هاتين القوّتين ــ مع فارقٍ معيّن بين «فتح» والسلطة الوطنية ــ أو على هوامشهما وبينهما.
والاستنتاج الوطني البسيط هنا هو لا مَخرج من الحالة التي نعاني منها سوى بالوحدة، لأنّ البديل المباشر هو نجاح خطط الاحتلال، ولا مَخرج من دون التوافق على برنامجٍ وطني، وعلى مؤسّساتٍ وطنية ديمقراطية.
وما دام الجميع يُنادي بالدولة الفلسطينية من الناحية الرسمية، لماذا لا يكون شعار المرحلة القادمة أن لا تفاوضَ مع الاحتلال، وأن لا رعاية أميركية حصرية للحلّ قبل الاعتراف الرسمي بالدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران من قِبَل العالم كلّه، إذا كان هذا العالم يُؤمِن بحلٍّ سياسي للصراع، وعلى أن يتمّ التفاوض على ترتيبات الانسحاب، وعلى أن يتمّ المؤتمر الدولي للمصادقة على حلّ قضية اللاجئين على أساس الشرعية الدولية والعربية، وبذلك ننهي الانقسام، ونعود إلى صيغة الجبهة الوطنية المتحدة في إطار منظمة التحرير الفلسطينية؟

 

(الأيام الفلسطينية)



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد